اتفاق منبج: بداية نهاية مشروع المليشيات الكردية في سورية

اتفاق منبج: بداية نهاية مشروع المليشيات الكردية في سورية

06 يونيو 2018
+ الخط -
قد لا تقف تداعيات التفاهم الأميركي التركي بشأن مدينة منبج الواقعة شمال شرقي حلب، عند خروج القوات الكردية من المدينة الواقعة غربي الفرات، وخصوصاً أن تركيا تطمح إلى تعميم التجربة على مناطق أخرى في سورية، تحديداً في منطقة شرقي الفرات، في إطار جهودها للحفاظ على ما تقول إنه أمنها القومي وضمان إجهاض مشروع قومي كردي هناك، وهو ما يبدو أنه قد بدأ يتحقق. ويُوشك الوجود العسكري الكردي في منطقة غربي الفرات السورية على الزوال عقب الاتفاق الأميركي التركي بشأن مدينة منبج، الأمر الذي يعد مقدمة لتفاهم أكبر يخص منطقة شرقي الفرات التي لا تزال تحت سيطرة الوحدات الكردية. وجاء إعلان وحدات حماية الشعب الكردية، أمس الثلاثاء، أنها قررت سحب "مستشاريها العسكريين" من مدينة منبج بريف حلب الشرقي، وذلك ضمن بيانٍ رسمي، ليشكل عملياً بداية تطبيق الاتفاق، وإن لم تربط القوات قرارها بالتفاهم الأميركي التركي. لكن معلومات مؤكدة تفيد بانسحاب الجزء الأكبر من المقاتلين الأكراد منذ نحو أسبوعين، أي منذ وصول التفاهمات التركية ــ الأميركية إلى مراحل متقدمة حول خارطة الطريق التي تم التوصل إليها بالفعل وأعلن عنها رسمياً في الرابع من يونيو/حزيران الحالي.

وذكرت الوحدات الكردية، في بيانٍ، أنه "الآن بعد مضي أكثر من سنتين من عملهم المستمر، ووصول مجلس منبج العسكري للاكتفاء الذاتي، في مجالات التدريب، قررت القيادة العامة لوحدات حماية الشعب سحب مستشاريها العسكريين من منبج"، مضيفة أن قوات "الوحدات" ستلبي النداء فيما إذا اقتضت الحاجة لأن نقدم الدعم والعون لأهلنا في منبج عندما يقتضي الأمر ذلك".


ويأتي ذلك بعد يومٍ واحد، من الاتفاق التركي الأميركي. وفي السياق، قال وزير الخارجية التركية مولود جاووش أوغلو، اليوم الثلاثاء، إن خارطة الطريق الموقعة مع أميركا هي من ثلاث مراحل، تتضمن مرحلة تحضيرية تستمر ربما 10 أيام، وبعد تطبيقها سينسحب مقاتلو الوحدات الكردية من المدينة، وتديرها تركيا والولايات المتحدة أمنياً في مدة أقصاها 6 أشهر، على أن يشكل تطبيق الاتفاق نموذجاً لتطبيقه في مدن أخرى كالرقة وعين العرب، حاصراً الاتفاق بتركيا وأميركا دون أن تشمل دولاً أخرى.

وأوضح جاووش أوغلو، في مؤتمر صحافي عقده في مدينة أنطاليا التركية عقب عودته من واشنطن، أنه مع نظيره الأميركي مايك بومبيو "صادقا على خارطة طريق وضعتها مجموعة العمل الخاصة حول سورية". وأشار إلى أن المرحلة الأولى ستشهد تحضيراً من أجهزة الاستخبارات وهيئة الأركان في كلا البلدين، ثم سيتم الانتقال للتطبيق، وفي المرحلة التالية نتحدث عن الأطراف التي ستدير المنطقة، ومن هي الأجهزة الأمنية التي ستدير المنطقة، وهكذا مع استقرار الوضع في منبج سننقله لأماكن أخرى تحتلها الوحدات الكردية. ونأمل في التطبيق لأن الطرفين حازمان في هذا الإطار".
ومرحلة التحضير، التي ربما تستغرق أسبوعاً أو 10 تجيب عن تساؤلات عدة بينها متى يذهب الجيش التركي لهناك ومن سيتموضع بالمنطقة؟ وانسحاب الوحدات تحت مراقبة من سيتم؟ ولعدم حصول فراغ من سيملأ مكان الوحدات الكردية المنسحبة؟ وكيف سيتم تقاسم المهام؟ وأخيراً من سيدير المنطقة خلال هذه الفترة؟ ولفت وزير الخارجية التركي إلى أن تركيا حددت قاعدة أن المدينة ستدار حسب توزعها الديمغرافي، مؤكداً أن السلاح سيجمع من الوحدات الكردية. ورداً على سؤال إن كان سيتم تصنيف الوحدات تنظيماً إرهابياً من قبل الولايات المتحدة، قال لم ألمس ذلك ولكن بومبيو عمل رئيسا للاستخبارات ويعلم العلاقة بين الوحدات وحزب العمال الكردستاني.

من جهة ثانية حصر جاووش أوغلو تطبيق خارطة الطريق بين أميركا وتركيا دون أن يكون هناك دولة ثالثة. وأكد على ضرورة تطبيق الاتفاق في مدن أخرى خصوصاً في عين العرب، مذكراً بأن الاتفاق يقرّ بتسليم الوحدات سلاحهم والانتقال إلى شرق الفرات، وهذا لا يعني أن خطرهم سيزول، وهو ما سننظر له بالمرحلة المقبلة. واعتبر أن الاستقرار في منبج سيساهم باستقرار الوضع في سورية، ويساهم بحل الأزمة، وبالتأكيد الحل هنا في منبج ليس بديلا عن أستانة وجنيف بل داعم له.

وبذلك بات الوجود العسكري الكردي في منطقة غربي الفرات على وشك الانتهاء، مع التصديق على اتفاق منبج، إذ سبق أن خسرت الوحدات الكردية، الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي النسخة السورية من حزب العمال الكردستاني، منطقة عفرين شمال غربي حلب. وهي في طور الانسحاب من منطقة تل رفعت شمال حلب في سياق تفاهم تركي روسي غير معلن.

وبدأت تركيا إعادة ترتيب أوراق الشمال السوري في منتصف عام 2016 مع عملية "درع الفرات" ضد تنظيم داعش لقطع الطريق أمام الوحدات الكردية التي حاولت السيطرة على شمال وشمال شرقي حلب بشكل كامل. كما قام الجيش التركي هذا العام بعملية غصن الزيتون التي طردت الوحدات الكردية من منطقة عفرين بشكل كامل، ما أدى عملياً إلى القضاء على محاولاتها إنشاء إقليم كردي في شمال سورية مستغلة حالة الفوضى في البلاد.
ولا يزال حزب الاتحاد الديمقراطي، وتحت غطاء "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) وبدعم أميركي مباشر، يستحوذ على نحو ربع مساحة سورية، إذ يسيطر على جل منطقة شرق الفرات التي تعد "سورية المفيدة" بثرواتها المائية والزراعية والنفطية. وتسيطر قواته على أغلب محافظة الرقة، وكامل ريف دير الزور شمال نهر الفرات، وأغلب محافظة الحسكة باستثناء مربعين أمنيين للنظام في مدينتي القامشلي والحسكة. كما تستحوذ على ريف حلب الشمالي الشرقي شرقي نهر الفرات، وسلسلة قرى جنوب نهر الفرات تمتد من مدينة الطبقة غرباً وحتى مدينة الرقة شرقاً على مسافة أكثر من 60 كيلومتراً.

ومع وضع خارطة لتسوية الوضع في مدينة منبج، بات الطريق ممهداً أمام تفاهم أكبر يخص منطقة شرقي الفرات التي تشكل قلقاً تركياً متزايداً، خصوصاً أنها تشكل خطراً على الأمن القومي التركي، إذ تتاخم مناطق الأكراد في جنوب سورية. ولا تخفي أنقرة نيتها تطهير شمال سورية من وجود الوحدات الكردية كي تقضي على أي محاولة كردية لإنشاء إقليم ذي صبغة كردية فيه، من الممكن أن يدفع أكراد تركيا إلى السعي لإنشاء إقليم مماثل وهو ما تعتبره أنقرة من الخطوط الحمراء. وقد توغل الأكراد في الجغرافيا السورية جنوباً في الرقة وريفها وفي ريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات وفي ريف الحسكة الجنوبي محاولين فرض أمر واقع جديد، الأمر الذي يثير استياء سكان هذه المناطق.

لكن اتفاق منبج أكد أن الوحدات الكردية ومليشيات معها تشكل قوات سورية الديمقراطية ليست سوى ذراع برية لواشنطن في سورية تأتمر بما يصدر عن وزارة الدفاع الأميركية. كما أكد اتفاق الأتراك والأميركيين حول مدينة منبج أن واشنطن لن تتخلى عن تحالفها الاستراتيجي مع دولة إقليمية فاعلة مثل تركيا مقابل تحالف مع المقاتلين الأكراد، وهو ما يفتح الباب واسعاً أمام أنقرة وواشنطن للانتقال إلى تحديد مصير منطقة شرقي الفرات، يأخذ بالاعتبار المخاوف التركية، ما يعني خروج الوحدات الكردية من المناطق العربية في سورية وابتعادها تماماً عن الشريط الحدودي السوري التركي. ويضم هذا الشريط العديد من المدن الهامة بدءاً من مدينة عين العرب غرباً، ومروراً بمدن تل أبيض ورأس العين، وانتهاء بمدينة القامشلي المقابلة لمدينة نصيبين التركية. ومن المرجح أن تعيد واشنطن حساباتها في منطقة شرقي نهر الفرات في ظل تزايد الاستياء الشعبي تجاه الوحدات الكردية خصوصاً في مدينة الرقة، إذ خرجت تظاهرات أخيراً مطالبةً بخروجها من المدينة.

ومن المرجح ان تستخدم تركيا مرة أخرى فصائل تابعة للجيش السوري الحر من أجل السيطرة على منطقة شرقي الفرات ذات الأهمية الاستراتيجية لكل الأطراف بما فيها النظام الذي بات خارج "اللعبة" في الشمال السوري في ظل ترسيخ أنقرة لوجودها العسكري في الشمال الذي يرجح أنه سيصبح منطقة نفوذ تركي بلا منازع.

المساهمون