مقبرة باب الرحمة... تاريخ حافل من الاعتداءات الإسرائيلية

مقبرة باب الرحمة... تاريخ حافل من الاعتداءات الإسرائيلية

27 يونيو 2018
استأنف الاحتلال بناء سور حول جزء من المقبرة(العربي الجديد)
+ الخط -


تصاعدت في الأسابيع الماضية الاعتداءات الإسرائيلية على مقبرة باب الرحمة الإسلامية، الواقعة بمحاذاة السور الشرقي للمسجد الأقصى. ولم تشفع للمقبرة حرمة شهر رمضان، فتم الاعتداء عليها خلال أيامه. ولم ينتهِ الشهر وعيد الفطر حتى واصلت سلطات الاحتلال اعتداءاتها. واستأنفت ما تسمى سلطة الطبيعة الإسرائيلية منذ الأسبوع الماضي، بناء السور الحديدي حول الجزء الذي تم اقتطاعه من أرض المقبرة، بالرغم من احتجاجات نظمها مقدسيون في وقت سابق، وسط قلق من مخطط يقضي بسيطرة الاحتلال على جزء من منطقة باب الرحمة داخل ساحات الأقصى، وهي المنطقة التي عادة ما يدخل منها المستوطنون خلال اقتحاماتهم للأقصى.

وانتشر جنود الاحتلال في غرفتي مراقبة أقامتها الأوقاف الإسلامية في القدس المحتلة للحراس التابعين لها، بمحاذاة سور الأقصى من ناحية مقبرة باب الرحمة. ودمر الاحتلال مقاعد حجرية واقتلع أشجار زيتون كان زرعها متطوعون قبل عيد الفطر، في ظل قلق من أن يكون نشر جنود في نقطة المراقبة في المنطقة مقدمة لتنفيذ مخطط إسرائيلي جديد هناك. وبعد اتصالات أجرتها دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس المحتلة مع الجهات المختصة في الأردن، تم الإفراج عن رئيس قسم الحراسة في الأوقاف، عبد الله أبو طالب، بعد اعتقاله لفترة وجيزة، وتم كذلك سحب الشرطة الإسرائيلية من موقع قبة باب الرحمة، وتم وقف التضييق على حراس المسجد.

وتواصل سلطات الاحتلال، منذ أكثر من شهر، أعمال الحفر والتنقيب والتوغل في أرض المقبرة، وإغلاق مساحة كبيرة منها وتحويل مسار السير فيها إلى طريق آخر يخترق أرضها. وكان رئيس بلدية الاحتلال في القدس، أوري لوفولينسكي، وقع، في يونيو/حزيران 2004، على أمر هدم إداري لجزء من المقبرة ومنع أعمال الصيانة فيها. وتعد هذه المقبرة من أشهر المقابر الإسلامية في القدس المحتلة، وهي تتشكل من قسمين، شمالي وجنوبي، وتمتد من باب الأسباط، أحد البوابات الرئيسية للبلدة القديمة من ناحية الشرق، وحتى نهاية سور المسجد بالقرب من القصور الأموية في الجهة الجنوبية. وتبلغ مساحتها نحو 23 دونماً، وتضم قبور العديد من صحابة الرسول، أبرزهم، عبادة بن الصامت وشداد بن أوس، إضافة إلى قبور لمجاهدين اشتركوا في فتح القدس أثناء الفتحين العمري والأيوبي. ومن أبرز معالمها أيضاً قبر جماعي لنحو 130 شهيداً مصرياً ارتقوا في حرب العام 1948، كما تقع بعض القبور العثمانية بجوار باب التوبة.



ومنذ احتلال القدس في عام 1967، تعرضت هذه المقبرة، وامتدادها في الشمال، المعروف باليوسفية، لمسلسل مستمر من اعتداءات الاحتلال، كان أخطرها اقتطاع أجزاء كبيرة منها لصالح شارع استيطاني يصل باب الأسباط بباب المغاربة وسلوان. وتعتزم حكومة الاحتلال حالياً تحويل جزء من المقبرة لحديقة "توراتية" ضمن مشروعها لتهويد المدينة. وفي هذا السياق، يقول رئيس لجنة إعمار المقابر الإسلامية في القدس، المهندس مصطفى أبو زهرة، إن "الاحتلال والمتطرفين ينتهكون كل مقدس للمسلمين والأديان الأخرى، ويعتدون على مساجد ومقدسات المسلمين والمسيحيين، وحتى على المقابر والأموات".

وتحطيم الشواهد في مقبرة باب الرحمة الإسلامية والتاريخية حلقة في سلسلة انتهاكات إسرائيلية، بدأت بتجريف القبور في يافا وغيرها من المدن الفلسطينية مروراً بمقبرة مأمن الله والنبي داوود وباقي المقابر. ويتهم المقدسيون، ومن بينهم مسؤولون في الأوقاف الإسلامية، سلطات الاحتلال بتنفيذ مخطط جديد يستهدف الاستحواذ على ما تبقى من المقبرة، واقتطاعها لصالح مشاريع تهويدية تستهدف أساساً المسجد الأٌقصى ومحيطه، إذ يتركز العمل حالياً على إزالة أشجار معمرة، وبناء جدران حديدية ما سيغير من مشهد المنطقة. ووفقاً لمسؤول قسم المخطوطات في الأٌقصى، رضوان عمرو، في حديث لـ"العربي الجديد"، فإن تنفيذ هذا المخطط، سيؤدي إلى إطباق الحصار التام على المسجد من ثلاث جهات، الغربية والجنوبية والشرقية، وعزله عن محيطه الإسلامي، وإدخاله بين فكي "كماشة التهويد"، ومصادرة ثلث مساحة المقبرة الحالية، علماً بأن المساحة الحالية للمقبرة هي نصف مساحة الأرض الوقفية الأصلية التي كانت قبل 1967 والتي صودرت في مراحل سابقة. كما تم وضع اليد على تلة "استراتيجية" أثرية ملاصقة لباب الأسباط. كما سيؤدي هذا المخطط إلى تعريض مئات القبور والأضرحة الإسلامية للإزالة، كما حصل في مقبرة مأمن الله وغيرها، ووقف الدفن نهائياً في المقبرة الأكثر أهمية في القدس، إضافة إلى تمهيد الطريق لمشروع التقسيم والاستيلاء على باب الرحمة والمنطقة الشرقية في المسجد الأقصى، وتنفيذ مشروع القطار الهوائي (التلفريك) ونصب قواعد له في الأرض الوقفية بمحاذاة أسوار الأقصى.

ويخشى المقدسيون من أن تؤدي هذه المخططات، من خلال الاستيلاء على جزء من المقبرة، إلى تغيير ملامح المدينة، وطمس ماضيها العربي والإسلامي، كما يقول المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، الشيخ محمد حسين، إذ كان سبق ذلك تعرض المقبرة لعمليات تخريب وتدنيس، واستخدام سموم، وتناول الكحول، والقيام بأعمال مشينة فيها. وفيما يتعلق بالجزء الآخر من المقبرة، والمعروف بـ"اليوسفية"، الذي يشكل امتداداً لها من ناحية الشمال، فإن الاحتلال بدأ أخيراً بحفريات واسعة وبأعماق كبيرة في الأرض، في إطار مخطط لإقامة مسارات جديدة للمستوطنين هناك. وهذا الجزء من المقبرة قائم منذ العصر الأيوبي، وقد دمر الاحتلال 40 قبراً بنتها لجنة المقابر الإسلامية في القدس داخلها، وأغلقها بالإسمنت المسلح لمنع الدفن فيها مستقبلاً. كما صادر جزءا من أرضها، ومنها المساحة التي بني عليها صرح الجندي المجهول الذي يضم قبور عدد من شهداء حرب العام 1967. ويشير بروتوكول للمحكمة العليا الإسرائيلية، حول ملفات التماس قدمتها منظمات وشخصيات استيطانية بشأن مقبرة باب الرحمة، إلى أن هذه المقبرة عبارة عن مساحة عامة مصادرة من قبل بلدية الاحتلال في القدس، وأن الخرائط والمخططات الرسمية الإسرائيلية تعتبر مقبرة باب الرحمة متنزهاً إسرائيلياً عاماً.