زيارة الأمير وليام: تثبيت لسياسات الاحتلال

زيارة الأمير وليام: تثبيت لسياسات الاحتلال

27 يونيو 2018
وليام خلال زيارته متحف ياد فاشيم أمس (Getty)
+ الخط -


تشكل زيارة دوق كامبريدج، الأمير وليام، نجل ولي العهد البريطاني، الأمير تشارلز وديانا، مظهراً آخر من مظاهر تعزيز العلاقات بين دولة الاحتلال والمملكة المتحدة، لكونها أزالت، حتى بحسب الصحف الإسرائيلية، الشائبة الأخيرة في العلاقات البريطانية ــ الإسرائيلية، بعد أن وافقت العائلة البريطانية المالكة، على إيفاد مبعوث رسمي من أفرادها لزيارة إسرائيل ولقاء قادتها، بعد 70 سنة من الامتناع المتواصل عن مثل هذه الخطوة، حتى في أوج التنسيق العسكري بين دولة الاحتلال وبريطانيا خلال العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956.

وبالرغم من أن القصر البريطاني أدرج الزيارة المرتقبة اليوم للأمير وليام للبلدة القديمة ضمن فصل زيارته للأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو ما أثار حفيظة إسرائيل، ودفع رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، إلى التشديد على "أن القدس الموحدة عاصمة إسرائيل الأبدية"، إلا أن ذلك لا يخفف من حقيقة كون الزيارة تحمل أهمية تاريخية لإسرائيل وتندرج في إطار احتفالات دولة الاحتلال بسبعين عاماً على تأسيسها، من دون أن يوازي ذلك قيام دولة فلسطينية، ولو على جزء من فلسطين.

ولفت مراقبون في إسرائيل إلى أن الزيارة الحالية للأمير وليام ستشكل بأيدي نتنياهو، أكبر دليل، ليس فقط على عدم عزلة إسرائيل، وإنما على "تسونامي سياسي مؤيد لإسرائيل"، خصوصاً وأن بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، تبحث عن موطئ قدم وتحالفات جديدة مختلفة، ووجدت في إسرائيل ضالتها، مع تعزز التبادل التجاري بين الدولتين، والتعاون العسكري، خصوصاً في مجال الاستخبارات وتبادل المعلومات.
وكان لافتاً، كما هو متوقع، حرص دولة الاحتلال على أن تكون المحطة الرسمية الأولى في زيارة وليام إلى متحف "ياد فاشيم"، الذي أقامته دولة الاحتلال لذكرى ضحايا المحرقة "الهولوكوست"، لاسيما جناح خاص لصور أطفال، وابتزاز الأمير البريطاني لتكرار استنكار المحرقة وفظائع النازية، قبل تسليمه في مقر رئيس الحكومة، وثيقة تكريم لجدة والده، الأميرة أليس، لدورها في إنقاذ يهود في اليونان من براثن النازية. علماً بأن قرار إصدار هذه الوثيقة كان صدر منذ تأسيس دولة الاحتلال، لكن أياً من العائلة المالكة البريطانية لم يصل إسرائيل، وشكلت زيارة الأمير وليام فرصة أولى لتسليم الوثيقة، واستذكار الدور البريطاني في الحرب ضد النازية والانتصار على ألمانيا النازية.



إلى ذلك، كان لافتاً امتناع نتنياهو عن التطرق، ولو بكلمة واحدة، لزيارة وليام للبلدة القديمة من القدس المحتلة، والاكتفاء بالحديث عن البعد التاريخي للزيارة، وعن الأميرة أليس، فيما حاول الرئيس الإسرائيلي، رؤبين ريفلين، الظهور بمظهر الداعي للسلام، عندما أبلغ وليام بأنه يدعوه لحمل رسالة السلام للرئيس الفلسطيني، محمود عباس، خلال لقائه المقرر له اليوم الأربعاء. وحرص الجانب الإسرائيلي، على تنظيم زيارة لوليام إلى مركز بيريز للسلام، حيث التقى بمجموعة من الشبان اليهود والعرب، للتدليل على وجود تعايش داخل إسرائيل، من جهة، واستغلال ذلك للدعاية الإسرائيلية لاحقاً. وفي هذا السياق، لفتت صحيفة "هآرتس" إلى أن نتنياهو لم يعر فصل الزيارة المقررة للأمير وليام إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة أهمية كبيرة، ولا للتعبير الدبلوماسي البريطاني الذي استخدم لوصف البلدة القديمة باعتبارها جزءاً من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما دام هذا الوصف لا يقف عثرة أمام "مرور عربة الأمير" ووصولها إلى القدس المحتلة للقاء رئيس حكومة الاحتلال ورئيس الدولة، بعد مقاطعة دامت 70 سنة.

وزيارة الأمير وليام هذه، وبالرغم من أنها تصور على أنها خالية من الرسائل السياسية، وبالرغم من تكرار المقولة البريطانية بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلا أنها تمنح حكومة الاحتلال في واقع الحال تأييداً وشرعية لمواصلة سياساتها الحالية في الضفة الغربية المحتلة والقدس وقطاع غزة، بدلاً من التلويح بمواقف معارضة فعلاً للاحتلال وللسياسات الاستيطانية التي لا تبقي مجالاً للسير باتجاه حل الدولتين. ومثلما خلا الفصل الإسرائيلي للزيارة من تصريحات سياسية، فإنه من غير المتوقع أن يقدم الأمير البريطاني على إطلاق تصريحات لمصلحة الموقف الفلسطيني، بل قد يكتفي بالقول إنه سعيد بأنه يلتقي بالطرفين، وأنه يريد أن يعرف أكثر فأكثر عن المنطقة، من دون أن يلزم نفسه بموقف سياسي، يعلم أنه لا يملك صلاحية الإدلاء به بفعل القيود التي تفرضها القوانين البريطانية على تدخل العائلة المالكة بالسياسة الخارجية لبريطانيا. ويبدو أن الزيارة لم تأت خالية من دوافع بريطانية ذاتية لتعزيز موقع ومكانة المملكة المتحدة، التي بدأت تتراجع بعد الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي، من دون أن يقابل ذلك تعزيز للعلاقات البريطانية ــ الأميركية تحت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي يقود سياسة عزلة أميركية، لا ترى مكاناً أو ضرورة بتحالف أنكلوسكسوني جديد.