ملامح شبه نهائية لصفقة القرن... وتثبيت الأسد على هامشها

ملامح شبه نهائية لصفقة القرن... وتثبيت الأسد على هامشها

23 يونيو 2018
التقى نتنياهو كوشنير مرات عدة (عاموس بن غرشوم/ الأناضول)
+ الخط -

شكّل وصول مبعوثي الرئيس الأميركي، جيسون غرينبلات وجاريد كوشنير، إلى تل أبيب، أمس الجمعة، ولقاؤهما برئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ذروة الجهود الأميركية الرامية إلى تمهيد الأجواء لطرح الخطة الأميركية لتسوية النزاع في الشرق الأوسط، وفق ما وصف بأنه "صفقة القرن". لكن هذه الجهود تصطدم لغاية الآن بالموقف الرسمي للسلطة الفلسطينية، الرافض لأي اتصالات مع الإدارة الأميركية الحالية، بعد إعلان الأخيرة، منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، اعترافها بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إلى الشطر الغربي من المدينة.

مع ذلك ورغم رفض السلطة الفلسطينية المشاركة، في شهر مارس/ آذار الماضي، في اجتماع خصص في البيت الأبيض للبت في سبل إعادة إعمار غزة، والسعي بداية للتخفيف من الكارثة الإنسانية في القطاع، من دون أي حديث معلن أو التزام برفع كلي للحصار عن القطاع، إلا أن البيت الأبيض، بالركون إلى محور علاقاته المميزة في المرحلة الحالية مع محور السعودية والإمارات والنظام المصري برئاسة عبد الفتاح السيسي، واصل طيلة الأشهر الماضية اتصالات ومحاولات جسّ النبض وبلورة اقتراحات مختلفة عن طبيعة "الصفقة" التي ستعرض على الفلسطينيين. وظهر التضارب في تفاصيل هذه الصفقة، في ظلّ الحديث عن اتفاق وفق مبدأ حل الدولتين، والتركيز من قبل البيت الأبيض على أنه لن يسعى لفرض إملاءات على الطرفين، خصوصاً فيما يتعلق بإلزام إسرائيل بالانسحاب لحدود ما قبل الرابع من يونيو/ حزيران 1967، وصولاً إلى ما سُرّب أخيراً عن أن الاتفاق ـ الصفقة لن يشمل بالضرورة انسحاباً إسرائيلياً من المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة وفي محيط القدس.

وقد أبرزت صحيفة "هآرتس" أمس ما اعتبرت أنه "ملامح شبه نهائية لصفقة القرن" التي تتحدث في واقع الحال عن تبنٍّ مطلق للموقف الإسرائيلي العام بمنح الفلسطينيين كياناً "دون الدولة". وهو الموقف الذي كان قد عبّر عنه في أكتوبر/ تشرين الأول 1995، رئيس الحكومة الأسبق، إسحاق رابين، في آخر خطاب له أمام الكنيست، عند عرض اتفاق أوسلو الثاني على الكنيست، وأكد فيه أيضاً أنه لن يكون هناك انسحاب إسرائيلي من الأغوار الفلسطينية.

ووفقاً لما نشرته "هآرتس" في عددها أمس الجمعة اتضح أنه "من التفاصيل التي تسربت عن خطة الرئيس ترامب، المعروفة باسم صفقة القرن، إشارة إلى أن الولايات المتحدة تعتزم فعلاً عرض إعلان قرية أبو ديس شرقي القدس المحتلة باعتبارها العاصمة الفلسطينية، مقابل انسحاب إسرائيلي من 3 أو 5 من القرى الفلسطينية المحيطة بالقدس، التي كانت حكومات الاحتلال ضمتها إلى منطقة نفوذ بلدية القدس، بعد الاحتلال في عام 1967.



إلى ذلك ستبقى البلدة القديمة من القدس تحت السيطرة والحكم الإسرائيليين. ويبدو أيضاً، بحسب عاموس هرئيل، أن "ترامب لن يشمل في خطته اقتراحات لانسحاب إسرائيلي من المستوطنات القائمة أو إخلاء المستوطنات التي توصف بأنها معزولة، ولا أي انسحاب من الكتل الاستيطانية الكبيرة (مثل كتلة مستوطنات أريئيل، جنوب نابلس) ومستوطنات غوش عتصيون قرب بيت لحم، ولا مستوطنات معاليه أدوميم". كذلك تنصّ خطة ترامب على "إبقاء الأغوار الفلسطينية تحت سيطرة حكومة الاحتلال، مع إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح ومن دون جيش أو أسلحة ثقيلة".

وعلى الرغم من أن هذه المقترحات مرفوضة كلياً من الجانب الفلسطيني، الذي واصل الإصرار على رفض الخوض في مفاوضات برعاية أميركية بعد أن فقدت الولايات المتحدة "نزاهتها كراعٍ محايد"، إلا أن الولايات المتحدة، وبتعاون واضح من دول محور الدول "السنية المعتدلة"، وفق التعبير الذي استخدمه رئيس حكومة الاحتلال، نشطت أخيراً في أعقاب التصعيد المحتمل على الحدود مع قطاع غزة، وتفاقم الأوضاع الإنسانية في القطاع. في سياق محاولة للدفع بالصفقة من بوابة تقديم المساعدات الإنسانية لغزة، على أن يكون تمويل هذه المشاريع من دول الخليج العربي، لضخّ نصف مليار دولار في المرحلة الأولى، وتنفيذ مشاريع تنمية وبنى تحتية، خصوصاً في مجال الطاقة وتوفير أماكن عمل لسكان القطاع وتعزيز فكرة إقامة ميناء بحري عائم للقطاع، مع الضغط على حكومة الاحتلال للقيام بخطوات في هذا الاتجاه. وبالفعل عقد مجلس "الكابينيت" السياسي والأمني لحكومة الاحتلال الأسبوع الماضي جلسة للبت في الأوضاع الكارثية في القطاع.

وشملت جولة غرينبلات وكوشنير إلى المنطقة لقاءات في كل من السعودية والأردن ومصر، وصولاً إلى لقائهما نتنياهو أمس. واستبق رئيس الوزراء الاسرائيلي اللقاء بالإعلان أن "الاجتماع سيتناول الأوضاع في قطاع غزة وسبل دفع المسيرة السلمية ومفاوضات مع الفلسطينيين للتوصل إلى حل قدماً". ويبدو أن التحركات الأخيرة، ومن ضمنها زيارة نتنياهو القصيرة والمفاجئة إلى عمّان، الإثنين الماضي، مؤشر إلى اقتراب تعرض السلطة الفلسطينية في رام الله لموجة ضغوط جديدة من قبل دول "الرباعية العربية" لإبداء مرونة ما وعدم رفض الصفقة قبل عرضها، أو عدم التفاوض بشأنها وترك موقف الرفض النهائي لحكومة الاحتلال من خلال الإصرار على موضوع العاصمة الفلسطينية في القدس، ولو على غرار حلول ومقترحات مثل مسار كلينتون.



لكن المختلف في التحركات الأخيرة، هو عنصران جديدان، الأول هو إقحام موضوع غزة، وللدقة التلويح بوجوب التحرك السريع لتفادي انهيار كامل في القطاع، ثم محاولة تحميل السلطة الفلسطينية التي تواصل فرض عقوبات على القطاع وزر هذا الانهيار في حال وقوعه، من دون أي إشارة إلى مسؤولية دولة الاحتلال والحصار الذي فرضته على القطاع بالتساوي مع نظام السيسي في مصر، مع أن الأخير، فتح معابر رفح منذ رمضان، كذلك بفعل التوتر الحاصل بينه وبين السلطة الفلسطينية، مقابل فتح صفحة جديدة، مؤقتاً، في العلاقات مع حماس في قطاع غزة.

ومع أن سلطة حماس تعلن باستمرار رفض صفقة القرن، إلا أن هذه الطروحات تمنحها حالياً "هامش مناورة" يمكّنها حالياً من تحسين الأوضاع في قطاع غزة، أو على الأقل طرح وتكريس مطلب فك الحصار المفروض على القطاع منذ عشر سنوات. ويشكل فتح معبر رفح حالياً نقطة تحول من شأن استغلالها جيداً، في تعزيز العلاقة مع النظام المصري، أن يساهم في إبقاء المعابر البرية مع مصر مفتوحة، خصوصاً في ظل حاجة النظام المصري حالياً إلى تعاون سلطة حماس مع قواته الأمنية لمواجهة إرهاب "داعش" في سيناء.

أما العنصر الآخر الذي يبدو مفاجئاً لكنه ينسجم كلياً في تصور استراتيجي شامل للمنطقة ضمن صفقة القرن، والناجم عن التطورات الميدانية في سورية، فهو مسألة الدفع نحو تسليم دول "الجوار"، وضمنها السعودية والأردن وإسرائيل، بإبقاء نظام بشار الأسد في الحكم كجزء أو تحصيل حاصل للصفقة، التي تهدف أصلاً لتأمين الأمن الإسرائيلي في الإقليم والتوافق العسكري الإسرائيلي على مختلف دول المنطقة مجتمعة.

وقد برز هذا العنصر بشكل كبير في الأسبوع الأخير، عبر اللقاء الذي جمع بين نتنياهو والعاهل الأردني في عمّان الإثنين الماضي وتناول موضوع تنسيق المواقف الإسرائيلية الأردنية في كل ما يتعلق بالوجود العسكري الإيراني في سورية، والمخاوف من تسلل عناصر إيران باللباس العسكري الرسمي لقوات النظام عند شنّ الأخير هجومه من أجل استعادة سيطرته على جنوب سورية وعند المثلث الحدودي مع الأردن وإسرائيل.
وما يعزز هذا الافتراض برأينا هو اللقاء المرتقب يوم الإثنين المقبل بين العاهل الأردني والرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إذ ذكرت "يديعوت أحرونوت" أن "اللقاء سيبحث إلى جانب تعزيز العلاقات الأردنية الأميركية (أي بعبارة أخرى تعهد أميركي بالحفاظ على النظام الأردني وتقديم ما يلزم لحمايته) موضوع عودة قوات النظام السوري إلى جنوب سورية، ومحاولات دفع المفاوضات بين إسرائيل والطرف الفلسطيني".
ويبدو أن هذا التطور مرتبط أيضاً بتكرار نتنياهو التزام حكومته بالاعتراف بمكانة خاصة للنظام الأردني في "الأماكن المقدسة" في القدس المحتلة، وهو تعهّد لا يتناقض مع موقف نتنياهو وحكومة الاحتلال بشأن إعلان القدس الموحدة عاصمة إسرائيل الأبدية من جهة ولا مع مقترحات إعلان عاصمة فلسطينية في قرية أبو ديس إلى الشرق من القدس من جهة أخرى، انطلاقاً من الوضع القائم الذي فرضه الاحتلال، وتعتبر فيه أبو ديس ونحو 20 قرية فلسطينية أخرى في محيط القدس جزءاً من القدس الكبرى الخاضعة لنفوذ بلدية الاحتلال، حتى بعد بناء جدار الفصل الذي أبقى بعض هذه القرى وراء الجدار.

المساهمون