الحزب الحاكم في الجزائر... أزمة ما قبل الرئاسيات

الحزب الحاكم في الجزائر... أزمة ما قبل الرئاسيات

23 يونيو 2018
استبعد ولد عباس 15 عضواً من مكتب الحزب(بشير رمزي/الأناضول)
+ الخط -


منذ انقلاب العام 1995، الذي أطاح بالأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في الجزائر، عبد الحميد مهري، لم تنته أزمات الحزب الحاكم ومشاكله، والتي تبدو في الغالب انعكاساً لأزمات السلطة وصراع مجموعات النفوذ داخل دوائر الحكم. لكن اللافت أن أبرز هذه الأزمات تتجدد عشية كل استحقاق رئاسي.

ودخل الحزب الحاكم في الجزائر، الذي يعد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة رئيساً له، في أزمة سياسية وتنظيمية جديدة، قبل أقل من سنة من موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في ربيع العام 2019، بعد إعلان ثمانية من كبار قياداته البارزة التمرد على الأمين العام للحزب، جمال ولد عباس، بعد قرار الأخير استبعادهم وسبعة قيادات أخرى من المكتب السياسي للحزب. وأعلن القياديون الثمانية، وبينهم الأمين العام لاتحاد المزارعين محمد عليوي، والمستشار السابق لوزير العدل فضل بعجي، ونواب في البرلمان، رفضهم التخلي عن مناصبهم القيادية في الحزب، ووجهوا اتهامات إلى ولد عباس باستخدام اسم بوتفليقة لتصفية خصومه السياسيين في الحزب وتجاوز صلاحياته القانونية والسياسية.

وتعود تفاصيل الأزمة الجديدة إلى 30 مايو/ أيار الماضي، عندما أعلن ولد عباس بشكل مفاجئ عن قرارات نسبها إلى بوتفليقة، تخص استبعاد وعزل 15 عضواً من المكتب السياسي للحزب من أصل 19 عضواً، وتعيين 15 عضواً جديداً مكانهم. ووصفت القيادات الثمانية القرار بأنه "قرار خطير وغير شرعي وسابقة خطيرة في تاريخ الحزب، وتعدٍ صارخ ومصادرة لصلاحيات اللجنة المركزية". لكن هذه الأزمة سبقتها محاولات تمرد على القيادة الحالية للحزب قادها وزير الصناعة والتخطيط السابق، عبد السلام بلعيد، بهدف الإطاحة بجمال ولد عباس، الذي تولى زمام قيادة الحزب في أكتوبر/ تشرين الأول العام 2017، إذ سعى نحو 100 عضو من اللجنة المركزية إلى جمع التواقيع لإصدار لائحة لسحب الثقة منه في اجتماع اللجنة المركزية، الذي يعمل ولد عباس على تأخير انعقاده منذ أكتوبر 2017.

وبرغم أن جبهة التحرير الوطني فقدت بعض مكانتها قبل 20 سنة، عندما تبنت الجزائر نظام تعدد الأحزاب، إلا أنه ما زال ينظر إليها حتى الآن على أنها حزب السلطة الأول، وبوتفليقة هو رئيس الحزب، حتى وإن لم يباشر صلاحياته في الحزب بشكل مباشر، ومعظم الوزراء أعضاء فيها. وتذهب معظم التحليلات، التي ترصد خلفيات وملابسات الأزمة الجديدة داخل الحزب الحاكم، الذي يحوز على الأغلبية في الحكومة والبرلمان، إلى عدم الفصل بينها وبين إرهاصات الانتخابات الرئاسية المقررة في ربيع العام المقبل. ولا يتعلق الأمر بخلاف في المواقف من هذه الانتخابات أو مرشحيها، لكنه يتعلق برغبة كل مجموعة في الحزب الحاكم في أن تكون الطرف الفاعل الذي يقود الحملة الانتخابية للمرشح الذي تختاره السلطة، سواء تعلق الأمر بترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة أو قرر الدفع بخليفة له في هذه الانتخابات. ويعتقد الناشط السياسي نبيل سوامي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "ما يحدث في حزب السلطة، جبهة التحرير، ليس مستغرباً. الأحداث تعيد نفسها كل مرة، وأبرز المحطات وحالات التمرد تكون عادة عشية الاستحقاقات الرئاسية مثلما حدث في مرات سابقة، وما يحدث في الحزب الحاكم مؤشر على الرئاسيات المقبلة". ويضيف "أعتقد أنها مؤشرات أن خليفة بوتفليقة قد لا يكون بالضرورة منتمياً عضوياً إلى حزب جبهة التحرير، ولذلك فإن الاهتزاز السياسي والتنظيمي الذي يعرفه الحزب الحاكم يتعلق بوضع أعضاء الجبهة ومصالحهم وليس بمصلحة الجبهة كجهاز".



ويقول المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية عبد السلام عليلي، لـ"العربي الجديد"، إن "الأزمة داخل حزب جبهة التحرير الوطني مرتبطة بالانتخابات الرئاسية المقبلة. وما يشهده الحزب من تمرد في صفوفه، يدخل في سياق المناوشات المبكرة في معركة خلافة بوتفليقة، على اعتبار أن أبرز المؤشرات تتجه إلى عدم ترشحه باعتقادي، وهذا ما تؤكده محاولة جناح مؤثر داخل الحزب الإطاحة بجمال ولد عباس، ومحاولات السيطرة على مقاليد الحزب، والتي اقتربت أحياناً من حدود المهزلة على التقاليد المهيبة لجبهة التحرير الوطني". ووجه القيادي في الحزب ووزير الصناعة والتخطيط السابق، عبد الرحمن بلعياط، نداءً إلى بوتفليقة للتدخل لإنهاء أزمة الحزب ووقف ما يعتبره "متاجرة سياسية بالرئيس والحزب في آن واحد"، إلا أن اللافت أن بوتفليقة لم يحدث أن تدخل في مرات سابقة لفض أزمات الحزب الداخلية، إذ لا تبدو هذه الأزمات والخلافات بين قيادات الحزب ذات أهمية بالنسبة إليه، ما دامت كل الأطراف متوافقة على دعمه سياسياً في كل خياراته. ويعتقد الباحث في العلوم السياسية، مبروك كاحي، أن صمت بوتفليقة عما يحدث في حزب يفترض أنه رئيس له، هو الذي ساهم في تعفن الأوضاع السياسية، مشيراً إلى أن عدم حسم بوتفليقة مبكراً موضوع ترشحه للانتخابات الرئاسية من عدمه، لعب دوراً في إضفاء مزيد من الغموض السياسي ودفع القيادات للبحث عن مؤشرات سياسية ما عن المستقبل السياسي. ويقول لـ"العربي الجديد"، إن "الرئيس ومؤسسة الرئاسة لم يعطيا أي إشارة حول إمكانية ترشح بوتفليقة لولاية خامسة من عدمه، وقيادة جبهة التحرير لا تريد الوقوع في فخ التسرع، لذلك تحاول ضبط عناصرها. ولذلك تجد أن الفريقين المتنازعين في قيادة الحزب متمسكان ببوتفليقة، ومن جهة ثانية لأن لا أحد يعلم إن كان الرئيس سيترشح أم لا، فإن الجميع يرى أن يبقى في منصب قيادي يضعه على مقربة من مصادر القرار".

وتذهب قراءات سياسية إلى أن كل أزمة، مع اختلاف تفاصيلها، كانت تعكس صراعاً على النفوذ والمصالح داخل السلطة، ومحاولة كل طرف أن يكون اللاعب الأبرز في الانتخابات والأكثر قرباً من محيط المرشح الرئاسي، للاستفادة من ذلك في المرحلة التي تلي الانتخابات، ناهيك عن أن السلطة التي تملك جهازاً أمنياً مؤثراً ومتدخلاً في المشهد السياسي، وجهازاً إدارياً يشرف على تنظيم الاستحقاقات الانتخابية، تعطي الأولوية في ترتيب الاستحقاق الرئاسي لهذين الجهازين على حساب الجهاز السياسي الذي يمثله الحزب الحاكم، والذي يأتي دوره في الفترة المتأخرة من أي استحقاق سياسي. وبرأي الناشط السياسي نبيل سوامي، فإن "حزب جبهة التحرير الوطني هو الحزب الأيديولوجي للنظام في الجزائر، ولذلك يعكس الصراع الذي يحصل داخله دائماً وجود صراع بين عصب ومجموعات نفوذ في السلطة تحاول رسم مسار الانتخابات المقبلة"، مضيفاً أن "السلطة تعتمد على عدة معطيات لتسيير المشهد السياسي والانتخابات، هي التحاليل التي يوفرها الجهاز الأمني والجهاز الإداري الذي يشرف على الاقتراع، وحزب جبهة التحرير الوطني كمصدر أيديولوجي، والذي هو مجرد جهاز سيتبع التعليمات التي قدمتها الأجهزة الأمنية والسياسية الحاكمة".

يشار إلى أنه منذ العام 1995 لم تستقر أوضاع الحزب الحاكم في الجزائر. فعشية كل استحقاق رئاسي يشهد أزمات داخلية، كانت بدأت في العام 1995، عندما رفض أمينه العام الراحل، عبد الحميد مهري، دعم مرشح السلطة حينها لانتخابات الرئاسة الجنرال ليامين زروال. وفي أكتوبر 2003 شهد الحزب أزمة جديدة قبل الانتخابات الرئاسية التي جرت في إبريل/ نيسان 2004، بعد انقسام الحزب بين مؤيد للمرشح علي بن فليس، الذي كان يشغل حينها منصب أمين عام الحزب، وبوتفليقة. وتواصلت أزمة الحزب نهاية العام 2008، قبيل الانتخابات الرئاسية التي جرت في إبريل 2009، إذ شهد الحزب صراعاً حاداً على قيادته. وفي 2013 تجددت أزمة الحزب بفعل حالة تمرد على أمينه العام السابق، عبد العزيز بلخادم، الذي أطيح به في اجتماع عاصف، وتولى عمار سعداني قيادة الحزب حتى أكتوبر 2016، والذي استخدم للتشهير والإطاحة بالقائد الأسبق لجهاز الاستخبارات، الفريق محمد مدين، قبل أن يتنحى سعداني من منصبه في اجتماع مثير ووسط فوضى واحتجاجات وصدامات دامية بين قيادات الحزب. ولم تتح مجمل الأزمات الداخلية التي عاشها الحزب الحاكم بناء أية تصورات سياسية أو مرجعيات فكرية، كما تراجع دوره السياسي إلى حد بعيد، خصوصاً في الفترة التي تولى فيها الأمين العام الحالي جمال ولد عباس قيادته.

المساهمون