المشاريع القومية للجيش المصري: السرعة لا تستر كوارث الإنشاءات

المشاريع القومية للجيش المصري: السرعة لا تستر كوارث الإنشاءات

21 يونيو 2018
الهيئة الهندسية لا تنفذ المشاريع بنفسها(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
توسعت الحكومة المصرية أخيراً في إضفاء صفة "المشاريع القومية" على المشاريع التي تخلت عن تنفيذها لمصلحة الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، أو تلك التي أنشأت لتنفيذها وإدارتها شركات بين الجهات الحكومية (هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة مثلاً) وبين الجيش ممثلاً في الهيئة الهندسية. وأبرز تلك المشاريع، تنفذها الهيئة الهندسية في العاصمة الإدارية الجديدة، وهي في تشكل الواقع 80 في المائة من أعمال المدينة الجديدة، التي تُدار بواسطة شركة بين هيئة المجتمعات والهيئة الهندسية، بما في ذلك المقار الحكومية الجديدة لرئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء ومجلس النواب والمدينة القضائية والمحكمة الدستورية العليا.

والملاحظ أن معظم تلك المشاريع اتضح فيها القصور الإنشائي والتنفيذي بشكل ظاهر، بعد شهور معدودة من تدشينها أو افتتاحها، تارة ببروز مشاكل هندسية، كالتصدعات والانخفاضات الأرضية، كما حدث في العديد من الطرق والجسور والتجمعات السكنية التي أنشئت على عجل، وتارة بظهور مشاكل تقنية تتعلق بانخفاض جودة "التشطيب الداخلي والخارجي" كما حدث في مدينة الأسمرات التي خصصت لاستيعاب سكان العشوائيات والمناطق التي انتزعت لإعادة استغلالها أو تأهيلها.

وكشف مصدر حكومي مطلع أن السبب الرئيسي وراء ما وصفه بـ"فوضى الإنشاء والتشطيب" هو في الأصل اعتبارها مشاريع قومية، وذلك في إطار تنفيذ أحكام قانون البناء الصادر في العام 2008. فهذا القانون يتضمن مادة تستثني "المشاريع القومية"، الصادر بها قرار من مجلس الوزراء، والتي أقامتها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، من الحصول على تراخيص بسلامتها من الجهات الإدارية والمحلية المختصة، والاكتفاء بشهادة تصدرها الهيئة الهندسية نفسها، مثبت بها سلامتها الإنشائية ومطابقتها للشروط التخطيطية والبنائية المعتمدة، واعتبار هذه الشهادة بمثابة ترخيص منتج لآثاره. وبالتالي فإن جميع المشاريع المسماة "قومية"، التي تنفذها الهيئة الهندسية للجيش أو تساهم فيها، لا تمر بالمراحل المعتادة لتطبيق المعايير المصرية للبناء والتأكد من سلامتها الإنشائية وجودة تشطيبها، فضلاً عن عدم وجود صلاحية لأي جهة حكومية لمراجعة صلاحية المباني قبل تسلمها، بما في ذلك الجهات التي قد تكون الهيئة الهندسية للجيش قد نفذت المشروع لحسابها.

ولا تطبق على المشاريع "القومية" المزعومة المادة 39 من قانون البناء التي تحظر إنشاء مبانٍ أو منشآت، أو إقامة أعمال أو توسيعها أو تعديلها أو تدعيمها أو ترميمها، أو هدم المباني غير الخاضعة لقانون هدم المباني غير الآيلة للسقوط جزئياً أو كلياً، أو إجراء أي تشطيبات خارجية من دون الحصول على ترخيص في ذلك من الجهة الإدارية المختصة بشؤون التخطيط والتنظيم وفقاً للاشتراطات البنائية وقت إصدار الترخيص، ولما تبينه اللائحة التنفيذية لهذا القانون. ووفقاً لهذه المادة، يصدر الترخيص بالمباني أو الأعمال في الحالات العادية، إذا كانت مطابقة لأحكام هذا القانون والشروط التخطيطية والبنائية المعتمدة وأسس التصميم وشروط التنفيذ بالمعايير المصرية، ومتفقة مع الأصول الفنية والمواصفات العامة ومقتضيات الأمان والسلامة والقواعد الصحية وأحكام الإضاءة والتهوئة وشروط تأمين المبنى وشاغليه ضد أخطار الحريق.

وشرح المصدر الحكومي الموقف بأن الحكومة وجدت نفسها مضطرة لإعفاء العديد من المشاريع من شروط الجودة والسلامة بسبب رغبة الرئيس عبد الفتاح السيسي في تدشينها بسرعة فائقة لضمها لقائمة إنجازاته، وبما لا يسمح بممارسة سلطات المراقبة في قانون البناء عليها. وبالتالي أصبح الحل الوحيد هو إسناد تنفيذها للجيش واعتبارها مشاريع قومية للتخفف من الشروط التي يتطلب التأكد منها وقتاً طويلاً ومباشرة الجهات الحكومية للرقابة على مراحل الإنشاء والتشطيب خلال تنفيذها، وليس فقط في تقييم المنتج النهائي. وأضاف المصدر، الذي يعمل في إحدى هيئات وزارة الإسكان التي تتعامل مع الهيئة الهندسية للجيش لإتمام بعض المشاريع المسماة "قومية" في مجالات مرفقية مختلفة، أن المشكلة الكبرى هي أن الهيئة الهندسية لا تتولى تنفيذ أي مشاريع بنفسها، بل تستعين بالمئات من شركات المقاولات الكبيرة، والتي تستعين بدورها بمقاولين صغار لإتمام المشاريع، وبالتالي تتحول الهيئة الهندسية إلى مجرد ستار للانتهاء من المشاريع بسرعة غير عادية وبجودة وكفاءة ضعيفة، وفي النهاية تحوز شهادة الترخيص من الهيئة الهندسية نفسها، بمعزل عن أي مراقبة لأي جهة إدارية أخرى.

لكن المشاكل لا تقتصر على جودة العمل، بل تمتد إلى تفاصيل إنجازه. وتحدث مصدر آخر، سبق وارتبط مع الهيئة الهندسية للجيش في عقد مقاولة من الباطن، عن شروط قاسية تضعها الهيئة للتعامل معها، منها الفحص الأمني لجميع العاملين، بمن في ذلك المؤقتون منهم، ما اضطر أصحاب الشركات لتوظيف العديد من الضباط السابقين كمديرين لضمان الحصول على التراخيص الأمنية، بالإضافة للحصول على المستحقات المالية بالتقسيط "المريح"، نظير ما تصفه الهيئة بالدعم الذي تقدمه للمقاولين من تخفيض أسعار مستلزمات البناء لهم أو ضمان تدفقها مجاناً في بعض المشاريع من مصانع الجيش أو مصانع متفق معها، ما يؤدي في النهاية لعدم تحقيق المقاولين الأرباح المنتظرة، انتهاء إلى صعوبة فك ارتباط الشركات مع الهيئة الهندسية خوفاً من تعطيل مصالح تلك الشركات وعدم الاستعانة بها في مشاريع كبيرة مستقبلاً. وأضاف المصدر أن الطريقة التي أدارت بها الدولة أزمة صرف الفروق المالية لمستحقات شركات المقاولات، بعد تحرير سعر الصرف نهاية 2016، أدت لتخوف الشركات الصغيرة من الانخراط في مشاريع الجيش، نتيجة تأخر صرف المستحقات، وإرجاء تطبيق القانون الذي صدر لتعويضهم لشهور طويلة بحجة عدم توافر سيولة مالية، بل وتهديد المقاولين المعترضين بسحب تراخيصهم.

المساهمون