الهلال النفطي في أتون الصراع الليبي

الهلال النفطي في أتون الصراع الليبي

20 يونيو 2018
لطالما كان الصراع محتدماً على منطقة النفط (فرانس برس)
+ الخط -
عادت منطقة الهلال النفطي في ليبيا إلى دائرة الحدث، بعد هجوم شنّته قوات قائد حرس المنشآت النفطية السابق إبراهيم الجضران على المنطقة التي تضم أهم موانئ تصدير النفط الليبي، لينجح في انتزاع أجزاء منها من سيطرة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر. ويحيي هذا التطور الصراع على النفط في ليبيا، وهي ورقة لطالما سعت الأطراف المتخاصمة للفوز بها بعد الإطاحة بالعقيد معمر القذافي عام 2011.

هجوم الجضران
بدأت التطورات الجديدة عبر إعلان الجضران، الخميس الماضي، استعداد قواته لشن هجوم على منطقة الهلال النفطي لـ"رفع الظلم عن أهل المنطقة"، لتتضارب بعدها الأنباء حول ما يجري في المنطقة، قبل أن تصدر المؤسسة الوطنية للنفط، يوم السبت، بياناً طالبت فيه قوات الجضران بـ"الخروج الفوري غير المشروط من ميناءي السدرة ورأس لانوف"، ليؤكد ذلك سيطرة قوات الجضران على نصف منطقة الهلال (تتكوّن منطقة الهلال النفطي من أربعة موانئ هي السدرة ورأس لانوف والبريقة والزويتينة).

في هذه الأثناء، توالت بيانات الشجب والاستنكار المحلية، لا سيما من قبل مجلس النواب وحكومته شرق البلاد، التي اتهمت الجضران بالاستعانة بمرتزقة من المعارضة التشادية في هجومه على المنطقة ووقوف قوى خارجية وراء الهجوم، مقابل صمت رسمي من قبل المجلس الأعلى للدولة، وبيان بدت عليه لهجة الحياد لحكومة الوفاق طالبت فيه بوقف التصعيد في منطقة الهلال وتجنيب البلاد "حرباً أهلية"، مؤكدة أنها لم تُصدر أمراً لأي قوة بالتوجّه نحو "منطقة الهلال"، في إشارة لعدم تبعية الجضران وقواته لها.

وفي سياق متصل، استنكر عدد من الدول الكبرى الهجوم على منطقة الهلال، فبريطانيا وإيطاليا والولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا، دانت عبر سفاراتها في ليبيا الهجوم وطالبت بوقف فوري لإطلاق النار وإخلاء المنطقة من السلاح لتجنبيها ويلات الحرب. فيما اعتبرت البعثة الأممية أن "هذا التصعيد الخطير في منطقة الهلال النفطي يعرّض اقتصاد ليبيا للخطر، ويهدد بإشعال مواجهة واسعة النطاق في البلاد".

أما حفتر، فقد أعلن المتحدث العسكري باسم قواته، العميد أحمد المسماري، يوم السبت، عن بدء حملة جوية لـ"طرد المليشيات الإرهابية" من منطقة الهلال. وذكرت وسائل إعلام في اليوم التالي أن عدد غارات تلك الحملة وصل إلى 19 غارة، دُمرت فيها آليات وقُتل جنود من قوات الجضران. ولكن لم ينجح أي من الطرفين حتى اليوم بتحقيق نصر حاسم على الآخر، فالسيطرة تبدو مناصفة في منطقة الهلال النفطي، كما أن الغارات الجوية التي أعلنت عنها قوات حفتر لم تتجاوز استهداف الخطوط الخلفية لقوات الجضران، وتحديداً في منطقة النوفلية الواقعة خارج منطقة الهلال غرباً، من دون أن تتمكن من استهدافها داخل السدرة ورأس لانوف.

ما وراء الهجوم؟
ويرى مراقبون للشأن الليبي أن الحملة الجديدة تستهدف إضعاف قوات حفتر وتشتيتها بين جبهتي درنة والهلال، إضافة لأهداف سياسية، من بينها الغضب الدولي على حفتر بسبب رفضه مبادرة باريس، وما تبعها من مؤشرات تدل على تراجع بعض العواصم العربية كالرياض، والأوروبية كباريس، عن دعمها له ولو على الصعيد السياسي، وجنوحها الظاهر للتقارب مع حكومة الوفاق في طرابلس، الخصم غير المباشر لحفتر.
وفي كل الأحوال، نجح الجضران في تسويق أهدافه عبر بيانين، الأول الخميس الماضي، أظهر فيه لأول مرة للرأي العام المحلي والدولي انتهاكات مارستها قوات حفتر بحق المدنيين في المنطقة، معلناً عن وجود حوالي 150 أسرة تم تهجيرها على يد قوات حفتر من مناطقها في الهلال وأجدابيا. كما أنه أعلن عن جملة من الإجراءات حسّنت من صورته، كإطلاقه سراح أسرى قوات حفتر وتسليم جثث القتلى ومعالجة الجرحى، بالإضافة لجهود سيارات الإطفاء التابعة له في إخماد حريق اندلع في أحد خزانات النفط في ميناء السدرة، ودعوته حكومة الوفاق ومؤسسة النفط للمسارعة باستلام المنشآت النفطية واستعداده لتأمين حركة التصدير والعمل.

أما بيانه الثاني، الذي أصدره يوم الإثنين، فقد اتهم فيه قوات حفتر بقصف خزانات النفط بالبراميل المتفجرة، مشيراً إلى أنه متحصن داخل تلك المنشآت فكيف يعرّض سلامة قواته للخطر بتفجير تلك الخزانات، وهو ما وضع حفتر في موقف حرج. بالإضافة إلى بروز ضعف قوات الأخير التي لا تزال ترابط عند البريقة القريبة من رأس لانوف من دون أن تتمكن من التقدّم لطرد قوات الجضران، كما أن حملتها الجوية التي أعلنت عنها السبت الماضي، لم تحقق أي نتيجة ملموسة حتى اليوم.

وترافق بيانا الجضران مع بيان آخر لقبيلة المغاربة التي ينتمي إليها لا يقل أهمية، إذ أكد المجلس الاجتماعي للقبيلة أن أفراد حرس المنشآت النفطية هم "من أبناء القبيلة"، مضيفاً أن لهم "دوراً مشهوداً في مكافحة الإرهاب ضد تنظيم داعش الذي كان موجوداً في مناطق النوفلية وبن جواد، وفي المنطقة الوسطى على وجه العموم". وفيما استنكر البيان وصف وسائل الإعلام "الحرب الدائرة في منطقة الهلال بأنها بين الجيش الليبي وإرهابيين"، حذر من "مغبة الانزلاق إلى أتون حرب أهلية". وهو البيان الذي قابله حفتر بحملة واسعة من الاعتقالات في صفوف القبيلة في مناطق أجدابيا والبريقة.


الهلال ورقة سياسية

وبرزت منطقة الهلال النفطي كورقة مهمة في أيدي الأطراف الليبية المتخاصمة للفوز بها، مع إطلاق عملية "الشروق" من قبل المؤتمر الوطني السابق مطلع عام 2015، الذي سعى لتعزيز موقعه قبل جلسات الحوار السياسي، لكن تلك الحملة التي لم تدم أكثر من أسابيع واجهتها قوات قبلية مؤلفة من أبناء الشرق الليبي، وقادها رئيس حرس المنشآت النفطية وقتها، إبراهيم الجضران، وكان حفتر يومها منشغلاً في حروبه في بنغازي.

ثاني القوى الليبية التي سعت لاستثمار ورقة النفط، كانت حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج، التي تمكّنت من دخول طرابلس في مارس/ آذار 2016، وشرعنت قوات الجضران واعتبرته آمراً شرعياً لحرس منشآت النفط، وطالبته بإعادة فتح الموانئ أمام حركة التصدير. جنوح الجضران لحكومة الوفاق واعترافه بها كحكومة شرعية، دفع حفتر، الذي كان حينها قد فرغ من السيطرة على أغلب بنغازي وكامل أجدابيا الواقعة على تخوم منطقة الهلال النفطي والمركز الرئيس لقبيلة المغاربة التي ينتمي إليها الجضران، للاتجاه إلى منطقة الهلال والسيطرة عليها في سبتمبر/ أيلول 2016 بعدما عقد صفقة مع شيوخ القبيلة للتخلي عن رئيس حرس المنشآت والخضوع لسلطة حفتر. وعلى الرغم من معارضة حكومة الوفاق لسيطرته، إلا أن تفاهمات جرت بينهما انتهت بالقبول ببقائه في منشآت النفط مقابل عودة عائداتها المالية للبنك المركزي في طرابلس.

بعد مضي ستة أشهر، وتحديداً في مارس 2017، حاولت "سرايا الدفاع عن بنغازي" بقيادة العميد مصطفى الشركسي، السيطرة على منطقة الهلال، لكن تقدّمها توقف عند منشأتي السدرة ورأس لانوف، معلنة أنها لا تنوي السيطرة على المنطقة، لكنها كانت في طريق عودتها برفقة مهجري بنغازي إلى مدينتهم. واعتبر مراقبون وقتها أن الحملة كانت تهدف لتخفيف الضغط الذي كان يعانيه مسلحو "شورى بنغازي" في الأجزاء الأخيرة من المدينة. لكن حفتر وبعد أسبوعين من دخول قوات السرايا، تمكّن بمعاونة جوية مصرية وفرنسية من إعادة بسط سيطرته مجدداً على كامل الهلال.

من هو الجضران؟
بحملته الجديدة على منطقة الهلال النفطي، يبرز اسم إبراهيم الجضران مجدداً على الساحة الليبية. والجضران هو من مدينة أجدابيا وينتمي لقبيلة المغاربة، أكبر قبائل وسط البلاد، مارس حياته كمدني قبل أن يشارك في أحداث الثورة التي أطاحت بحكم العقيد معمر القذافي عام 2011، وبرز كقائد لإحدى الفصائل المسلحة.
في سبتمبر/ أيلول من عام 2012، أوقف الجضران تصدير النفط عبر الموانئ، متهماً الحكومة المؤقتة بقيادة علي زيدان بالتلاعب في عدادات الموانئ ومحاولة رشوته. وبسبب سيطرته على شريان الحياة في ليبيا المتمثل في النفط، التقت حوله القوى الفيدرالية شرق البلاد لمحاولة تأسيس حكومة إقليمية، انتهت بالإعلان، نهاية أكتوبر/ تشرين الأول من العام نفسه، عن تأسيس المكتب السياسي لإقليم برقة ومحاولة تشكيل حكومة تابعة له، ورفض التعامل مع الحكومة في طرابلس، لكن تلك المحاولات لم تتجاوز حد البيانات.

وبرز اسم الجضران مجدداً إثر محاولته بيع النفط بعيداً عن سلطة الحكومة في طرابلس في مارس/ آذار 2014، في ما عُرف وقتها بحادث السفينة "مورننغ غلوري" التي حملت شحنة من ميناء السدرة قبل أن توقفها البحرية الأميركية وترجع الناقلة لإفراغ شحنتها في أحد موانئ طرابلس بطلب من الحكومة المؤقتة. بعدها بقي الجضران بعيداً عن الأحداث الدائرة في البلاد مكتفياً بسيطرته على منطقة الهلال، حتى الإعلان عن توقيع الاتفاق السياسي في الصخيرات المغربية نهاية 2015، ليُعلن انحيازه للاتفاق، ومن ثم تبعته حكومة الوفاق لتعلن عن توصلها لاتفاق لإعادة فتح الموانئ أمام حركة التصدير، وهو ما زاد من حدة الخلافات المبطنة بينه وبين حفتر، ورفض الجضران أكثر من مرة عروضاً من حفتر للانضمام إلى قواته المقاتلة في بنغازي.

وتوجّت تلك الخلافات بسيطرة حفتر كلياً على منطقة الهلال وطرد الجضران منها في سبتمبر/ أيلول من العام 2016، بعد انشقاقات حدثت في صفوف قبيلة المغاربة، إذ تخلّت عنه قيادات القبيلة على خلفية صفقة بينها وبين حفتر تم بموجبها تسليم الهلال لقواته مقابل أن يتولى أحد أبناء القبيلة ترؤس المؤسسة الوطنية للنفط، وهو الوعد الذي لم يحققه حفتر.

المساهمون