"الجبهة" و"النهضة" في تونس: تحالف بلدي يفجّر أزمة مركزية

"الجبهة الشعبية" و"النهضة" في تونس: تحالف بلدي يفجّر أزمة مركزية

17 يونيو 2018
تسمح الانتخابات البلدية بالتوافق لخدمة المواطن(الشاذلي بن إبراهيم/Getty)
+ الخط -
أثار بيان توافقي بين حركة "النهضة" و"الجبهة الشعبية" اليسارية في بلدية العروسة من ولاية سليانة شمال غربي تونس، يتعلق بتركيبة المجلس البلدي، انقساماً بين مرحب بالمبادرة ورافض لها، خصوصاً في ظلّ إصرار "الجبهة" على رفضها للتحالف مع "النهضة" في البلديات، وتحميلها هي وشركائها في الحكومة مسؤولية الأزمة التي تمر بها تونس.

ولكن يبدو أنّ للانتخابات البلدية تصورات أخرى تتخطى إرادة الأحزاب التي لطالما أصرت على الحفاظ على قبول بعض العائلات الحزبية، ورفض أخرى.

ونشر ممثلو قائمتي "النهضة" و"الجبهة الشعبية" الفائزون في الانتخابات البلدية الأخيرة ببلدية العروسة، مسقط رأس زعيم " الشعبية" حمة الهمامي، بياناً أعلنوا فيه عن تحالفهم لإدارة المجلس البلدي بالجهة. وذكر البيان التوافقي أنه "بعد صدور النتائج النهائية للانتخابات البلدية، فإن الفائزين بمقاعد المجلس البلدي بالعروسة عن قائمتي النهضة والشعبية قرروا التوافق في ما بينهم في توزيع المهام، لتوفير كامل ظروف النجاح للمجلس البلدي، خدمة لمصلحة الجهة".

ولكن "الجبهة" سارعت إلى إعلان رفضها التوافق بين قائمتها وقائمة حركة "النهضة"، إذ أصدر مجلسها المركزي بياناً أكد فيه أن الاتفاق الحاصل بين أعضاء القائمتين حول توزيع المسؤوليات في المجلس البلدي بالعروسة "هو موقف أحادي تمّ من دون التشاور مع الهيئات القيادية للجبهة في أي مستوى كان''، مشيراً إلى أن هذا الموقف ''لا يلزم الجبهة الشعبية''.

وبيّن المجلس أنه سبق أن أصدر بياناً بتاريخ 11 مايو/أيار الماضي، أكد فيه أن الجبهة الشعبية لن تتحالف مع حركة "النهضة"  ولا مع حركة "نداء تونس" في تشكيل المجالس البلدية، نظرا لما وصلت إليه البلاد من تدهور إقتصادي واجتماعي وسياسي.

لكن المتابعين للوضع يرون أنّ الانتخابات البلدية تختلف في طبيعتها عن الانتخابات التشريعية، فهي موجهة أساساً لخدمة المواطن، ولهذا من الممكن رؤية تحالفات لم تكن ممكنة في السابق أو قد تأتي "رغم أنف" بعض الأحزاب.

وأكدّ كاتب عام حركة "النهضة" بالعروسة، وأحد الموقعين على الاتفاق، يوسف الوسلاتي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن التوافق "هو نتاج طبيعي للعلاقات الجيدة التي تجمع بين النهضة والجبهة في منطقة العروسة"، متحدثاً عن وجود تنسيق في مجالس التنمية التي كان يحضرها الحزبان  في الولاية، ونافياً وجود أي نوع من  العداء والكراهية بين الطرفين.

وفي هذا الصدد، لفت الوسلاتي إلى أن التوتر الموجود بين الحزبين على المستوى المركزي غير موجود في منطقتهم، لأن الطرفين "يلتقيان في نفس الفضاءات، وبالتالي يشتركان في الفرح والحزن"، مبينا أن التوافق كان نتيجة طبيعية للعلاقات الوطيدة التي تجمعهم، ومتسائلا "هل يريدون منا التناحر والتخاصم لكي يشعروا بالسعادة"؟

وأشار الى أن بيان "الجبهة" لن يؤثر في اتفاق العروسة، لأن "المهم هي الجهة الموقعة معنا، وليس ما تفكر فيه الإدارة المركزية".

وأكد الوسلاتي أن التوزيع الذي قاموا به في بلدية العروسة احترم القانون الانتخابي، فقد اعتمد على الكفاءة في توزيع المسؤوليات واختيار اللجان، مؤكداً "الانفتاح على الجميع، لأنه لا تزال  هناك لجان أخرى"، وأن الهدف من التنسيق "هو مصلحة منطقة العروسة وخدمة المواطن"، آملاً أن تسير بقية البلديات على منوال التوافق ذاته. 

وأشار إلى أنه رغم الرفض الحاصل من بعض الأطراف السياسية لهذا التوافق لن يشوش على الاتفاق وعلى اختيارهم، لتمسكهم واقتناعهم به.

من جهته، رأى المحلل السياسي محمد بوعود، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن ما حدث في بلدية العروسة سيحصل في البلديات أخرى، فالحكم المحلي وما يتخلله من تحالفات مناطقية وعشائرية مختلف في تفاصيله عن المفاهيم المركزية الجاهزة، مبيناً أن تجربة بلدية العروسة سبقها تحالف في بلدية سيدي علي بن عون في سيدي بوزيد بين مرشحي "نداء تونس" و"التيار الديمقراطي".

واعتبر بوعود هذه التوافقات بمثابة "مقياس حرارة لما يمكن أن يحصل في سائر البلديات، وربما في محطات سياسية أكبر، فالتوزيع الجديد للقوائم والمرشحين فرض على كل جهة سياسية التحالف مع غيرها رغم الاختلافات الكبرى، وأن تتعاطى مع خصومها لتتمكن من تحقيق تواجد لها في الحكم المحلي القادم". وقال إنه "رغم الرفض الرسمي للجبهة الشعبية، إلا أن التنسيق جاء منطقياً، لكنه قد لا يتجاوز تلك الدائرة البلدية، إذ لا يمكن لأي تنسيق أن يرتقي إلى مستوى أي تحالف مركزي في ظلّ العداء السائد".

المساهمون