فرص إنقاذ ميناء الحديدة تتضاءل: المجاعة تقترب

فرص إنقاذ ميناء الحديدة تتضاءل: المجاعة تقترب

17 يونيو 2018
قوات من ألوية "العمالقة" تتقدم شرق الحديدة(نبيل حسان/فرانس برس)
+ الخط -


تقترب المجاعة رويداً رويداً من ملايين اليمنيين، مع اقتراب المعارك بين الحوثيين والقوات اليمنية، المدعومة من التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات، من مرفأ الحديدة، ما سيقطع شريان الحياة الوحيد لنحو 600 ألف يمني، نصفهم من الأطفال، يعيشون في المحافظة، وملايين اليمنيين خلفهم، الذين يعتمدون على المساعدات الإنسانية التي تمر عبر هذا المرفأ.

ويقوم المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، في صنعاء، بمحاولة أخيرة لتجنيب المدينة والمرفأ الدمار، فيما تخشى منظمات الإغاثة الدولية والأمم المتحدة من أن يؤدي القتال الذي طال أمده إلى توقف إغلاق ميناء الحديدة، في وقت يتسبب توقف المساعدات في مواجهة الملايين خطر المجاعة. ويدخل نحو 70 في المائة من الغذاء في اليمن عبر الميناء، فضلاً عن الجزء الأكبر من المساعدات الإنسانية والإمدادات من الوقود. ويعتمد نحو ثلثي سكان البلاد، البالغ عددهم 27 مليون نسمة، على المعونات و8.4 ملايين شخص معرضون بالفعل لخطر المجاعة. وكان التحالف أغلق معظم الموانئ، حيث سمح بإدخال الإمدادات إلى الحديدة بالتنسيق مع الأمم المتحدة.

ويخوض مبعوث الأمم المتحدة لليمن، مارتن غريفيث، في صنعاء مهمة حاسمة، قد تكون آخر الفرص الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق حيال ميناء الحديدة وتجنيب المدينة حرباً دامية في شوارعها، فيما تحتدم المعارك عند مدخلها الجنوبي. وبينما يلتقي غريفيث الحوثيين في صنعاء، تضاربت التقارير بشأن سيطرة القوات التابعة للشرعية، التي تشن منذ الأربعاء الماضي، هجوماً كبيراً باتجاه الحديدة، على مطارها. ولم يدل المبعوث الدولي بأي تصريح لدى وصوله إلى صنعاء، وغادر المطار فوراً متوجهاً إلى المدينة للاجتماع بقادة الحوثيين. وذكرت وسائل إعلام تابعة للتحالف، أن المبعوث الدولي، يسعى إلى إقناع الحوثيين بالانسحاب من الحديدة لتجنيبها المواجهات العسكرية، وهو ما لم يتسن على الفور، الحصول على تعليق حوله من الجانب الأممي أو من الحوثيين. ونقلت قناة "المسيرة" الناطقة بلسان الحوثيين عن المتحدث باسم جماعة "أنصار الله"، محمد عبد السلام، قوله: "المبعوث الأممي لم يعمل شيئاً حتى الآن وهو يمثل غطاء لاستمرار العدوان ودوره لا يختلف عن سابقه". وكانت الأمم المتحدة، وعبر مبعوثها السابق، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، قدمت العام الماضي مقترحاً يقضي بتسليم الحوثيين ميناء الحديدة الاستراتيجي إلى طرف ثالث، إلا أن الجماعة رفضت المقترح، وعاد الحديث عن المبادرة أخيراً، بالتزامن مع تقدم قوات الشرعية جنوب المدينة.



وستمثل السيطرة على مدينة الحديدة التي يسكنها نحو 600 ألف شخص، نحو نصفهم من الأطفال، في حال تحققت، أكبر انتصار عسكري للقوات التابعة للحكومة الشرعية في مواجهة الحوثيين، منذ استعادة هذه القوات خمس محافظات من أيدي الحوثيين في 2015. وتبعد مدينة الحديدة نحو 230 كيلومتراً من صنعاء. وأعلن المركز الإعلامي للقوات المهاجمة، على حسابه على "تويتر"، أن هذه القوات تمكنت من "تحرير" مطار الحديدة "والفرق الهندسية تباشر تطهير المطار ومحيطه من الألغام والعبوات الناسفة". إلا أن مصادر في هذه القوات لم تؤكد هذا التطور العسكري. وقال المتحدث باسم قوات الحرس الجمهوري الموالية للحكومة اليمنية، صادق داود، إن القوات الحكومية تخوض معارك حول منشآت المطار. وأضاف، لوكالة "أسوشييتد برس"، أن "عمليات الجيش لتحرير مدينة الحديدة لن تتوقف حتى نتمكن من تأمين المدينة ومينائها الاستراتيجي، ولن يستمر ذلك طويلاً". ويقع مطار الحديدة في جنوب المدينة، ويبعد نحو عشرة كيلومترات من مينائها. وقال مسؤولون يمنيون وشهود عيان إن قوات من ألوية "العمالقة" تتقدم، بدعم إماراتي، شرق محافظة الحديدة في محاولة لقطع الطريق الرئيسي الذي يربط المحافظة بالعاصمة صنعاء. وأشار المسؤولون إلى أنه في حال تمكُن قوات الحكومة من السيطرة على الكيلو 16 فستحاصر الحوثيين في الحديدة والساحل الغربي وتمنعهم من تلقي إمدادات من العاصمة. ومن المتوقع ألا يكون أمام الحوثيين خيار سوى التوجه إلى محافظة حجة شمال اليمن.

وتدعم بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة التحالف وتمده بأنواع مختلفة من المساعدة. ونقلت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، أمس السبت، عن مصدرين عسكريين أن هناك قوات فرنسية خاصة على الأرض في اليمن إلى جانب القوات الإماراتية. وكانت وزارة الدفاع الفرنسية أعلنت، أول من أمس، أنها لا تجري عمليات عسكرية في منطقة الحديدة في هذه المرحلة وليست جزءا من التحالف بقيادة السعودية. وقتل في المعارك قرب مدينة الحديدة منذ بداية الهجوم، الأربعاء الماضي، 139 مقاتلاً على الأقل من الطرفين. وقالت مصادر في القوات الموالية للحكومة إن هذه القوات أسرت 75 حوثياً أثناء محاولتهم تنفيذ هجوم جنوب الحديدة. وأعلن الحوثيون، عبر قناة "المسيرة" المتحدثة باسمهم، عن غارات شنتها طائرات التحالف على عدة مناطق، أمس السبت، وعن إطلاق صاروخ بالستي على تجمع للقوات الموالية للحكومة في الساحل الغربي، أول من أمس.
ودعا حزب "التجمع اليمني للإصلاح"، أمس السبت، أعضاءه في محافظة الحديدة إلى "انتفاضة" في وجه مسلحي جماعة "أنصار الله" (الحوثيين). وقال "الإصلاح"، في بيان، إنه يوجه دعوة إلى "أبناء الحديدة كافة، وأعضاء الإصلاح خصوصاً، للانتفاض في وجه مليشيات الحوثي، واستقبال أبطال الجيش بكل تشكيلاته العسكرية استقبال الفاتحين المحررين". ودعا من وصفهم بـ"المغرر بهم إلى إلقاء السلاح، وتسليم أنفسهم للجيش، وعدم الانجرار خلف القيادات الانقلابية، التي تزج بهم وبأبنائهم في الموت وتفر نحو صنعاء".

وبينما تقترب المعارك من مدينة الحديدة، بدأت عائلات بالانتقال نحو مناطق أكثر أمناً في الداخل، أو المغادرة نحو مدن أخرى، بينها صنعاء. وقال أحد السكان: "نحن نسكن قرب المطار، تركنا منزلنا واتجهنا إلى وسط المدينة. لدينا بيت قديم هناك ونقيم فيه الآن". وأشار إلى أن أسرته تفكر في مغادرة المدينة، التي قال إنها أصبحت "ميتة لا مكان مفتوحاً فيها. كل شيء مغلق من الصيدليات إلى متاجر المواد الغذائية". وحث برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أطراف الصراع في اليمن على الحفاظ على تدفق الغذاء بحرية عبر ميناء الحديدة. وقال المسؤول في برنامج الأغذية العالمي، ستيفن أندرسون، لوكالة "أسوشييتد برس"، إن الوكالة الأممية تدعو إلى "الحفاظ على التدفق الحر للأغذية والوقود والمساعدات الإنسانية والتجارية للأشخاص الذين هم في أمسّ الحاجة إليها". وأضاف: "هذا نداء قوي للعالم بأسره". وذكر أندرسون أن الحصار المفروض على ميناء الحديدة يمكن أن يكون له "تأثير كبير" في المدنيين في اليمن. وقال والد شاب أصيب في ضربة جوية بميناء الحديدة في اليمن، إنه ظل محاصراً في حي المنظر من دون طعام أو ماء ثلاثة أيام، واضطر إلى علاج ابنه في حافلة. وقال علي عمر الذي استطاع أخيراً الوصول إلى مستشفى الثورة في الحديدة ومعه ابنه المصاب:"الضرب من فوقنا. من هنا ومن هنا". وأضاف: "نحنا وأطفالنا وشيوخنا ونسواننا مبهدلين. مجاعة. ثلاثة أيام لا أكل لا شرب".

وكانت منظمات الإغاثة والأمم المتحدة أجلت الموظفين الدوليين من المدينة قبل الهجوم. وقالت منظمة أطباء بلا حدود إن بعض الجرحى الذين تمكنوا من الفرار توجهوا إلى عدن على بعد 315 كيلومتراً بعد تلقي العلاج في مستشفى بالمخا. وقالت المنظمة إن المستشفى المحلي في الحديدة يكافح بالفعل لمساعدة الجرحى. وما زال الآلاف محاصرين في المدينة وحول المطار بسبب القتال. وقال عامل الإغاثة، صابر واصل إن "العائلات محاصرة في الداخل ومن الصعب المغادرة، حيث إنهم يتعرضون لضربات جوية وقصف من جانب طرفي الحرب. كانت ليلة صعبة بالنسبة للمواطنين بسبب كثافة الضربات وإطلاق النار". وذكرت منظمة "المجلس النرويجي للاجئين"، في تقرير أمس السبت، أن المنظمات الإنسانية عاجزة عن الوصول إلى المناطق الواقعة جنوب المدينة "التي من المرجح أن يكون الناس فيها قد تأثروا أو جُرحوا أو نزحوا". وأكدت أن المنظمات الإنسانية اضطرت "إلى وقف جميع العمليات تقريباً في مدينة الحديدة، حيث تقترب الاشتباكات على طول الحدود بين منطقتي الدريهيمي والحوك من المناطق السكنية ذات الكثافة السكانية العالية". وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أعلنت، أول من أمس، أن "على الأطراف المتحاربة بموجب القانون الإنساني الدولي، أو قوانين الحرب، اتخاذ خطوات فورية لتوفير ممر آمن ودعم مناسب للمدنيين الفارين من القتال، وتسهيل تدفق المساعدات والإمدادات التجارية إلى شريحة أوسع من السكان، ووصول الوكالات الإنسانية".
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز، أسوشييتد برس)