نفط سورية بعهدة مرتزقة إيطاليين... و"داعش" يخوض حربين

نفط سورية بعهدة مرتزقة إيطاليين... و"داعش" يخوض حربين

14 يونيو 2018
تسيطر "قسد" على أغلب مناطق شرقي الفرات (فرانس برس)
+ الخط -
تتجه الأوضاع في الشرق السوري إلى مزيد من التعقيد والتأزيم مع اشتداد وتيرة المعارك بين قوات النظام ومليشيات إيرانية من جهة، وبين تنظيم "داعش" من جهة أخرى، و"داعش" يخوض بالتزامن، معارك مع "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) التي يدعمها "التحالف الدولي". ولهذا الغرض، استقدم الأخير خبراء عسكريين إيطاليين لينضموا إلى قوات فرنسية وأميركية وبريطانية تنتشر في المناطق التي تسيطر عليها "قسد" التي يتخذ منها التحالف ذراعاً برية له في سورية.

وأفاد "المرصد السوري لحقوق الإنسان" بأنّ وتيرة القتال بين "داعش" و"قوات سورية الديمقراطية" التي تشكّل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي، تصاعدت في القطاع الجنوبي من ريف الحسكة، حيث يتمركز مسلحون للتنظيم، مشيراً إلى مشاركة قوات فرنسية وإيطالية وأميركية وقوات أخرى من دول غربية ضمن "التحالف الدولي" في الاشتباكات.

وتدور الاشتباكات، وفق المصدر نفسه، على محاور بالقرب من بلدة دشيشة التي تبعد نحو 6 كيلومترات عن الحدود السورية – العراقية، في ريف الحسكة الجنوبي، في إطار المحاولات المستمرة من قبل "التحالف الدولي" و"قوات سورية الديمقراطية" لإنهاء وجود التنظيم في المنطقة، عبر حصره في كل هجوم ضمن نطاق أضيق، تمهيداً لإنهاء تواجده بشكل كامل. ولا يزال تنظيم "داعش" يحتفظ بوجود له في ريف الحسكة الجنوبي شمالي نهر الفرات، إضافة إلى وجوده في ريف دير الزور الشرقي على مسافة نحو 30 كيلومتراً على الطرف الشمالي لنهر الفرات، ويمتد من قرية البحرة حتى قرية السوسة على أطراف مدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية.

وفشلت محاولات متكررة من قبل "قسد" لاقتحام بلدة هجين التي باتت المعقل الأخير لـ"داعش" في شرق سورية، حيث يتبع التنظيم أساليب قتال تكبّد "قوات سورية الديمقراطية" خسائر، وخصوصاً عبر الدراجات المفخخة، والكمائن. وبرز خلال الأيام القليلة الفائتة تطوّر جديد، بعد أن قالت وكالة "الأناضول" التركية، إن عدداً من الجنود الإيطاليين وصلوا إلى مناطق سيطرة تنظيم "حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي الذي يتخذ من الوحدات الكردية ذراعاً عسكرية له، وتمركزوا في محافظة دير الزور، شرقي سورية.

وأشارت الوكالة إلى أن الجنود الإيطاليين وصلوا الأسبوع الماضي إلى مدينة الحسكة (أقصى شمال شرق سورية)، قادمين من العراق، وتوجهوا جنوباً إلى دير الزور، مشيرةً إلى أنّ عددهم لا يتجاوز 20 فرداً، بينهم مستشارون عسكريون. وأوضحت الوكالة أنّ الجنود الإيطاليين تمركزوا في حقل العمر النفطي بدير الزور، الذي يعدّ من أهم حقول النفط في سورية، وتتخذ القوات الأميركية منه قاعدة لها شرقي البلاد.


وباتت مناطق "قوات سورية الديمقراطية" مقصداً لقوات دول غربية، إذ وصلت قوات فرنسية خلال الأشهر الثلاثة الماضية إلى مناطق سيطرة "حزب الاتحاد الديمقراطي"، وانتشرت في عدد من النقاط فيها، وشاركت إلى جانب القوات الأميركية وعناصر "قسد" في المعارك ضد تنظيم "داعش" في البادية السورية.

وتسيطر "قوات سورية الديمقراطية" على أغلب مناطق شرقي الفرات، التي تشكّل نحو ربع مساحة سورية، حيث أقام "التحالف الدولي" العديد من القواعد العسكرية في ظلّ مساع حثيثة لتطوير وتوسيع هذه القواعد. وتخضع أغلب محافظة الرقة، وكامل ريف دير الزور شمال نهر الفرات، لـ"قوات سورية الديمقراطية"، إضافة إلى أغلب محافظة الحسكة، باستثناء مربعين أمنيين للنظام في مدينتي القامشلي والحسكة. كما تسيطر على ريف حلب الشمالي الشرقي شرقي نهر الفرات، وسلسلة قرى جنوب نهر الفرات وتمتد من مدينة الطبقة ذات الأهمية الاستراتيجية غرباً وحتى مدينة الرقة شرقاً، على مسافة أكثر من 60 كيلومتراً.

وكان توعّد رأس النظام السوري بشار الأسد أخيراً، المقاتلين الأكراد الذين تدعمهم الولايات المتحدة الأميركية، بالحرب، في حال فشلت المفاوضات معهم لتسليم شرقي نهر الفرات لقوات النظام. ولكن وجود قوات غربية في سورية يدفع الموقف إلى مزيد من التعقيد والتأزيم، في ظلّ مؤشرات على عدم نية أميركا الانسحاب قبل التوصّل لحل سياسي دائم في البلاد.

وبالتزامن مع معارك "داعش" مع "قوات سورية الديمقراطية" شمال نهر الفرات، تستمرّ الاشتباكات بين التنظيم وقوات النظام ومليشيات إيرانية تابعة لها جنوب النهر، حيث استقدمت هذه القوات تعزيزات لتحصين مواقعها في بادية دير الزور المترامية الأطراف. وأكّد "المرصد السوري" أنّ قوات النظام استقدمت عشرات الآليات العسكرية التي تحمل معدات وأسلحة وذخيرة وعلى متنها المئات من عناصر قوات الأسد وحلفائها السوريين وغير السوريين.

ويتمركز عناصر "داعش" في مثلث السخنة – جبل أبو رجيم – الطيبة في غرب طريق تدمر – السخنة – دير الزور، ويسعى إلى توسيع نطاق سيطرته في البادية السورية من خلال استنزاف قوات النظام وخصوصاً في جنوب دير الزور، التي تعد خاصرة رخوة بسبب اتساعها واتصالها مع بادية الأنبار غربي العراق. وتشكل هذه المنطقة أهمية قصوى للإيرانيين الساعين إلى فتح طريق بري من طهران إلى سواحل المتوسط، مروراً بالبادية السورية التي تشكّل نحو نصف مساحة سورية.

إلى ذلك، تستمرّ معارك الكرّ والفرّ بين التنظيم وقوات النظام والمليشيات المساندة لها في محيط مدينة البوكمال، حيث أكّدت مصادر محلية أنّ التنظيم نفّذ أمس الثلاثاء هجوماً استهدف قوات النظام وحلفاءها في المحطة الثانية في بادية البوكمال الجنوبية، عند الحدود الإدارية مع ريف حمص الشرقي، دارت على إثره اشتباكات أفضت إلى مقتل عدد من قوات النظام ومليشيات إيرانية تساندها. ويشنّ التنظيم هجمات متلاحقة على قوات النظام في مدينة البوكمال بغية إعادة السيطرة عليها وخلط أوراق الصراع مرة أخرى، وقد نجح منذ أيام بالسيطرة على قسم كبير منها.

وفي هذا الإطار، رأى الباحث في مركز "جسور" للدراسات، عبد الوهاب عاصي، أنّ التنظيم "استفاد من تجميد المعارك في منطقة ملائمة لإعادة تجميع نفسه"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد" أنّ "البادية تعدّ ملاذاً آمناً لعناصر "داعش"، وفيها يصعب على النظام وروسيا وإيران من طرف، وقسد والتحالف الدولي من طرف آخر، مراقبة خطوط التماس، وبالتالي فإنّ تدفّق عناصر التنظيم نحو جيوب البادية الصحراوية سيكون سهلاً نسبياً".

ورأى عاصي أنّ عدم قدرة الأطراف المحاربة للتنظيم على تغطية جميع الجبهات "يسهل على مجموعاته شنّ هجمات استنزاف في الخواصر الضعيفة، ومن ثمّ الانسحاب لإعادة تجميع قوته". وأشار إلى أنّ داعش "لا يعمد إلى السيطرة على مدينة تكون مركزاً له"، موضحاً أنّه "قادر على دخول البوكمال أو الميادين أو حتى السخنة، وإحجامه عن ذلك ربّما يعود لاستراتيجيته المتعلقة بالوفرة العددية والأسلحة النوعية والبنية التنظيمية، إذ تختلف جميعها في الوقت الحالي عمّا سبق، إبان سلطته على ما يعرف بدولة الخلافة".