مساعٍ لتفادي كارثة إدلب: أرقام قياسية للنازحين

مساعٍ لتفادي كارثة إدلب: أرقام قياسية للنازحين

12 يونيو 2018
تستضيف إدلب العدد الأكبر من المهجرين (جورج أورفليان/فرانس برس)
+ الخط -
عاد النظام السوري للحديث عن استعداده لشنّ عملية عسكرية واسعة النطاق لاستعادة السيطرة على الجنوب السوري بشكل كامل، فيما تؤكد المعارضة أن لديها "تطمينات" أميركية بأن واشنطن لن تقف مكتوفة الأيدي في حال فتحت قوات النظام المعارك في ظل مؤشرات على أن روسيا لن توفر أي غطاء جوي لقوات النظام. وفيما يعتبر مراقبون التصعيد في الجنوب السوري "إعلامياً" حتى اللحظة، إلا أن طيران النظام يواصل ارتكاب المجازر بحق مدنيين في شمال غربي سورية، رغم دعوات متلاحقة من الأمم المتحدة تحضّ على وقف فوري للأعمال القتالية، لتفادي كارثة نزوح جديدة، لا سيما بعد تسجيل رقم غير مسبوق خلال أربعة أشهر فقط. وأعلنت الأمم المتحدة، أمس الاثنين، أن أكثر من 920 ألف شخص نزحوا في سورية في الأشهر الأربعة الأولى من العام 2018. وقال منسق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في سورية، بانوس مومتزيس، خلال مؤتمر صحافي في جنيف: "نشهد نزوحاً داخلياً كثيفاً في سورية... من يناير/ كانون الثاني إلى إبريل/ نيسان هناك 920 ألف نازح جديد". وأضاف "هذا أكبر عدد من النازحين خلال فترة قصيرة منذ بدء النزاع". ويرفع النزوح الأخير عدد الأشخاص الذين نزحوا في داخل سورية إلى 6.2 ملايين، في حين يعيش حوالي 5.6 ملايين لاجئ سوري في الدول المجاورة، بحسب أرقام الأمم المتحدة.


ودعا مومتزيس القوى الكبرى للتوسط من أجل التوصل إلى تسوية عبر التفاوض لإنهاء الحرب وتجنب إراقة الدماء في إدلب. وقال في إفادته الصحافية في جنيف "نحن قلقون من نزوح 2.5 مليون شخص صوب تركيا... ليس هناك مكان آخر ينتقلون إليه" في سورية.
كما دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس إلى التحقيق في مقتل مدنيين في إدلب، شمالي سورية، إثر الاشتباكات والهجمات العنيفة التي تشهدها المنطقة ومحاسبة المسؤولين عنها.
وأشار الأمين العام في بيان، إلى أن إدلب تعتبر جزءاً من اتفاق "خفض التوتر" الذي تم التوصل إليه في أستانة، ودعا ضامنيه إلى الوفاء بالتزاماتهم، مشدداً على المحنة الخطيرة التي يعاني منها قرابة 2.5 مليون شخص في محافظة إدلب، داعيا إلى "وقف فوري للأعمال القتالية وحث جميع الأطراف على احترام التزاماتهم بموجب القانون الإنساني الدولي، بما في ذلك حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية"، وفق الأمين العام.

ويواصل طيران النظام الحربي تصعيده بالغارات في محافظة إدلب، شمال غربي سورية، إذ قصف، أمس الاثنين، بلداتٍ عدة هناك، موقعاً ضحايا جدداً من المدنيين، بعد يومٍ من مقتل أكثر من 15 مدنياً بسلسلة غارات، دمرت إحداها مشفى في بلدة تفتناز، شمال شرق المحافظة.
وأدت غارات للطيران الحربي لإصابة مدنيين اثنين على الأقل في بلدة تفتناز. كما أصيب آخرون بهجوم مماثل في قرية رام حمدان، فيما طاول القصف الجوي أيضاً، محيط بلدة معرة مصرين ومزارع بروما، شمالي إدلب، وبنش في شمالها الشرقي.
وكان "الدفاع المدني السوري" قد كشف، مساء الأحد، عن حصيلة ضحايا تصعيد النظام بقصفه الجوي في إدلب، حيث قال في بيان، إن 12 شخصاً قتلوا في تفتناز، معظمهم أطفال، بقصف طاول مستشفى الأطفال الذي خرج عن الخدمة، كما قُتل ثلاثة آخرون في قصف مماثل بقرية رام حمدان، واثنان في مدينة أريحا، واثنان في بنش.
وفي هذا السياق، قال الدفاع المدني إن فرقه انتشلت جثث 48 قتيلاً، كانوا قد قضوا بالغارات العنيفة التي استهدفت قرية زردنا الواقعة شمالي إدلب، في السابع من هذا الشهر، من طائرات يُعتقد أنها روسية، رغم نفي موسكو لذلك.
وتسببت هذه الهجمات الجوية على زردنا، بفتح فصائل عسكرية لمعركةٍ ضد المليشيات التابعة للنظام في بلدتي كفريا والفوعة في ريف إدلب، وهو ما تبعه تصعيدُ النظام لقصفه الجوي في محافظة إدلب.

في غضون ذلك، نقلت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام، أمس الاثنين، عن مصادر وصفتها بـ"المطلعة" ترجيحها قيام قوات النظام بعمل عسكري في الجنوب السوري، مشيرة إلى "مؤشرات على إخفاق جهود الوساطة الروسية الأردنية الأميركية". كما قالت إن فصائل المعارضة السورية لا تزال ترفض ما وصفته بـ"المصالحة". وقالت المصادر نفسها إن محافظة درعا "شهدت خلال الأيام القليلة الماضية سلسلة اجتماعات هدفها التحضير لإجراءات احترازية استعداداً للعمل العسكري المتوقع"، مؤكدة أنه "جرت تسمية بعض المعابر الإنسانية وأعطيت أرقام من دون أن تحدد المناطق التي ستعمل بها"، موضحة أن هذه المعابر ستتولى إخراج المدنيين، كما جرت العادة في المعابر الإنسانية التي أنشأتها قوات النظام في معركة الغوطة الشرقية. وزعمت المصادر أن الاستعدادات "باتت شبه جاهزة تماماً من حيث العناصر التي ستقف على المعابر، وعناصر الدفاع المدني والإسعاف والصحة التي ستتولى استقبال الخارجين، إضافة إلى التحضير لأماكن كي يقيم الأهالي فيها"، مشيرة إلى أن "هذه الإجراءات هي احترازية وتحضيرية خدمية لأي عمل عسكري متوقع"، وفق المصادر.
وكان من المقرر عقد اجتماع ثلاثي (روسي، أميركي وأردني) في العاصمة الأردنية عمّان على المستوى الوزاري، لوضع خارطة طريق جديدة تنهي الجدل الحاصل حول مصير المنطقة الجنوبية في سورية، إلا أنه لم يعقد بعد، ما يؤكد وجود تباين رؤى بين أطراف الصراع في سورية.
في موازاة رسائل الترهيب للنظام، كان رئيس هيئة التفاوض التابعة للمعارضة، نصر الحريري، قد أعلن أن الأخيرة أخذت "تطمينات واضحة" من الجانب الأميركي مفادها أن واشنطن لن تسمح باندلاع معارك في الجنوب السوري، وأنه "سيكون لهم (الأميركيون) رد حاسم" في حال بدأت قوات النظام هذه المعارك. وأكد الحريري، خلال لقاء جمعه مع فعاليات مدنية سورية معارضة منذ أيام في مدينة غازي عينتاب التركية، أن الروس أكدوا أنهم لن يقدموا غطاء جوياً لقوات النظام في أي معارك في الجنوب السوري، مشيراً إلى أن موسكو قدمت مقترحات لاتفاق يحسم مصير الجنوب السوري، من بينها دخول قوات شيشانية للفصل بين قوات النظام وقوات المعارضة، وفتح معبر نصيب الحدودي مع الجانب الروسي بإدارة مشتركة من النظام والمعارضة السورية، مؤكداً أن الجانبين الأردني والإسرائيلي "مصران على ابتعاد المليشيات الإيرانية عن حدودهما مسافة 80 كيلومتراً شمالاً"، وفق الحريري.
وتعد محافظة درعا أبرز معاقل المعارضة السورية، إذ يمتلك الجيش السوري الحر قوة ضاربة قوامها آلاف المقاتلين المحترفين الذين خاضوا معارك كبرى مع قوات النظام ومليشيات إيرانية تساندها. ومن المرجح ألا تدخل قوات النظام أي معركة في الجنوب من دون غطاء جوي روسي، فهي تواجه فصائل محترفة في القتال تسيطر على نحو 80 في المائة من مساحة درعا، لذا من المرجح ألا يخرج التصعيد من قبل النظام عن النطاق الإعلامي في ظل تشابك إقليمي دولي يحول دون حسم مصير جنوب سورية. وأوضحت مصادر محلية، في حديث مع "العربي الجديد"، أن فصائل المعارضة تسيطر على ريف درعا الشرقي، من مدينة بصرى الشام وصولاً إلى بلدة صيدا، بالإضافة إلى سيطرتها على منطقة "درعا البلد" داخل مدينة درعا.
كذلك تسيطر المعارضة على أغلب ريف درعا الغربي، بما في ذلك مدن وبلدات تل شهاب، طفس، زيزون، اليادودة، والمزيريب، وصولاً إلى منطقة حوض اليرموك، إذ تبدأ مناطق سيطرة "جيش خالد" المبايع لتنظيم "داعش"، المتاخمة للجولان السوري المحتل والتي تضم بلدات وقرى صغيرة. وأكد القيادي في الجيش الحر في الجنوب السوري، إبراهيم الجباوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لا جديد بخصوص اتفاق يحسم مصير الجنوب السوري".

دلالات

المساهمون