الكويت ودعم فلسطين في مجلس الأمن: اعتبارات دولية وخليجية

الكويت ودعم فلسطين في مجلس الأمن: اعتبارات دولية وخليجية

11 يونيو 2018
استعراض العتيبي الخطابي أغضب السعودية والإمارات (أتيلغان أوزديل/ الأناضول)
+ الخط -

أدّت دولة الكويت، من خلال عضويتها في مجلس الأمن، التي بدأت مطلع العام الحالي ومن المفترض أن تستمر لعامين، دوراً جلياً في إبراز آخر تطورات القضية الفلسطينية داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، وما رافق ذلك من قمع إسرائيلي للمتظاهرين الفلسطينيين على السياج الحدودي في قطاع غزة. كذلك قامت الكويت، خلال العام الماضي، بتحركات عدة على الصعيد الدولي لتأييد القضية الفلسطينية، في مسار مغاير لتوجهات دول محور الرياض – أبو ظبي، التي تضغط على القيادة الفلسطينية من أجل تمرير "صفقة القرن" وطي ملف القضية الفلسطينية، في ظل وجود توافق أميركي إسرائيلي على هذا الأمر.

وتقدم المندوب الكويتي في مجلس الأمن، منصور العتيبي، أخيراً، بمشروع لحماية المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية. وحظي المشروع بموافقة دول مجلس الأمن، لكنه سقط بفعل "الفيتو" الأميركي عليه. كذلك ساهمت الكويت في إسقاط مشروع أميركي مضاد لتأييد إسرائيل، وإسقاط بيان إدانة لتصريحات الرئيس الفلسطيني، محمود عباس. كذلك هاجم قبلها رئيس مجلس الأمة الكويتي، مرزوق الغانم، الوفد الإسرائيلي بشكل غير مسبوق في مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي العام الماضي، وهو أمر لم يكن معهوداً من قبل الوفود الدبلوماسية الكويتية الخارجية من قبل. كما دعمت الكويت عدداً من المشاريع الإسكانية والاقتصادية في قطاع غزة والضفة الغربية، في مقابل وقف الدعم السعودي، بأمر من ولي العهد، محمد بن سلمان، لزيادة الضغط على القيادة الفلسطينية.

ما هو السبب؟

يمكن تفسير السياسة الكويتية تجاه القضية الفلسطينية منذ عام 2013، أي تاريخ افتتاح السفارة الفلسطينية في الكويت، بعد قطيعة تسبب بها الموقف الفلسطيني من غزو الكويت، بثلاثة أسباب، يتمثل أولها في كسر محاولة مصر والسعودية تكوين إجماع عربي حول القضية الفلسطينية، وما يرافقها من ضغوط على بقية الدول لتمرير ما عرف بـ"صفقة القرن" والاعتراف بقرية أبو ديس عاصمة لدولة فلسطين المستقبلية بدلاً من القدس المحتلة. ويمثل الموقف الكويتي في مجلس الأمن معارضة صريحة للموقف السعودي المصري عالمياً وإحراجاً لهما. ويدور السبب الثاني حول الصراع في منطقة الخليج العربي، إذ إن الموقف الكويتي يمثل رسالة واضحة للدولتين اللتين تحاولان السيطرة على منظومة مجلس التعاون الخليجي، الإمارات والسعودية، والرسالة هي أنكما لن تستطيعا جرّ المنطقة بأكملها للتطبيع، أو لاتخاذ أي قرار باسم الخليج حول القضية الفلسطينية من دون أي اعتبار لبقية الدول، وهي بالإضافة إلى الكويت، قطر وسلطنة عمان، أخذاً بعين الاعتبار أن قرارات البحرين الخارجية ليست بيدها.



وبرغم اعتبار السعودية والإمارات حركة "حماس" إرهابية، وملاحقة المتعاطفين معها والداعمين لها في بلديهما، واتهام قطر بدعم الإرهاب نتيجة موقفها من "حماس"، فإن الكويت تواصل دعم الحركة ودعم قطاع غزة، وسمحت بشكل كبير، خلال السنوات الأخيرة، للجمعيات الخيرية فيها بإقامة المشاريع داخل القطاع، وهو ما رآه المراقبون جزءًا من الرسالة المراد إيصالها. بينما يكمن السبب الثالث في الحصول على شعبية سياسية للبلاد التي تحاول أن تجعل نفسها عاصمة للدبلوماسية في المنطقة، بعد نحو عقدين من العزلة السياسية والانكفاء على نفسها نتيجة الغزو العراقي للبلاد في عام 1990، وهو أمر نجحت فيه القيادة السياسية للبلاد، إذ سرعان ما شوهدت أعلام الكويت ترفع في قطاع غزة أثناء التظاهرات على السياج الحدودي مع إسرائيل.

ويقول الأكاديمي والباحث السياسي الكويتي، الدكتور عبد الرحمن المطيري، لـ"العربي الجديد"، "يجب أن نعترف بأننا لسنا بملائكة. هل حققنا مكاسب سياسية من خلال مواقفنا في مجلس الأمن؟ بالطبع نعم. صورة الكويت التي كانت موجودة، في السبعينيات والثمانينيات، بمواقفها الداعمة للقضايا العربية، عادت من خلال المواقف في عضوية مجلس الأمن، إذ يمكن لنا أن نسميها حملة علاقات عامة ناجحة من دون دفع دولار واحد". ويضيف "على الصعيد الآخر، الإمارات والسعودية غاضبتان بالطبع. إنهم يتفهمون أن نقوم بالتصويت، لكن الاستعراض الخطابي الذي قام به مندوب الكويت لدى الأمم المتحدة، منصور العتيبي، أغضبهم، لأن الرسالة كانت واضحة لهم، لا يمكن لأحد أن يتحدث باسم مجلس التعاون (الخليجي) في أي قضية من دون مشاورة بقية الأعضاء. وإذا تحدث أحد، فإن المنظمات الدولية موجودة ويمكن استخدام منابرها لسرد خطاب مضاد. كما أن السماح للمنظمات الفلسطينية الشبابية بالعمل في الكويت يغضبهم أيضاً". وتسمح الكويت للمنظمات الفلسطينية، أو المتعاطفة مع القضية الفلسطينية، مثل حركة مقاطعة إسرائيل "BDS" وحركة شباب لأجل القدس، وبقية الحركات الطلابية الفلسطينية بالعمل بحرية تامة، بعد أن كان عمل هذه الحركات مقيداً عقب الغزو العراقي للكويت في عام 1990.

يذكر أن العلاقات الفلسطينية الكويتية لم تكن جيدة على الدوام، إذ مرت بالعديد من المنعطفات والاختلافات بين الكويت، التي كانت تتولى جزءاً كبيراً من تمويل المنظمات الفلسطينية، وبين المنظمات نفسها. وابتدأت العلاقة بشكل جيد، إذ إن حركة "فتح" قد تأسست في الكويت على يد الزعيم الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، ورفيقه أبو جهاد، كما احتضنت الكويت حركة "حماس" وعدداً من قادتها بداية تأسيسها. لكن هذه العلاقة انفرطت وعادت للقطيعة عقب موقف منظمة التحرير الفلسطينية وعرفات من دخول قوات نظام الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، إلى الكويت في عام 1990 ومعارضته تدخل التحالف الدولي لتحرير الكويت. وتسبب هذا الموقف بترحيل أكثر من 200 ألف فلسطيني ولدوا في الكويت وعاشوا فيها نحو الأردن، وهم الذين عرفوا فيما بعد بفلسطينيي الكويت، فيما هجّر الآخرون نحو بلدان خليجية وعربية أخرى.

وقدم الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، الذي كان عضواً في اللجنة التنفيذية للمنظمة، في عام 2004، اعتذاراً للكويت عن موقف المنظمة من الغزو العراقي، لكن التوتر في العلاقات استمر بين الكويت والمنظمة حتى 2013 حين افتتحت السفارة الفلسطينية في الكويت، وهو ما شكّل نقطة تحول كبيرة في العلاقات الثنائية بين البلدين، خصوصاً أنه جاء مرافقاً لاتفاقية الرياض في عام 2013، التي حاولت تكبيل دور قطر في دعم القضية الفلسطينية، إذ بدأت الكويت باستضافة قادة "فتح" و"حماس"، وزار الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة "حماس"، خالد مشعل، الكويت أكثر من مرة والتقى أمير البلاد، كما زار قادة فلسطينيون آخرون البلد للحصول على تمويل.