استرضاء إماراتي للحكومة اليمنية: تفاهمات أمنية لعدن تنتظر التطبيق

استرضاء إماراتي للحكومة اليمنية: تفاهمات أمنية لعدن تنتظر التطبيق

11 يونيو 2018
دعمت الإمارات أجهزة خارجة عن سلطة الشرعية(صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -

بعد الخلافات الشديدة التي طبعت العلاقة بين الإمارات والحكومة اليمنية لما يقرب من عامين، ووصلت أكثر من مرة إلى اشتباكات مسلحة بين قوات موالية للطرفين في مدينة عدن، حيث "العاصمة المؤقتة" للشرعية، تعود الأنظار مجدداً إلى الأزمة، ولكن من بوابة مختلفة، وهي جهود احتواء الخلافات المرتبطة بملفات عدة، على امتداد المناطق الجنوبية والشرقية للبلاد، في ظل تساؤلات تُثار عن مدى جدية أبو ظبي في مراجعة العلاقة، وما تقتضيه من إجراءات بالتراجع عن ممارسات وسياسات، ساهمت في تقويض سيطرة الشرعية خلال الفترة الماضية.

وأكدت مصادر محلية في عدن، لـ"العربي الجديد"، أن نائب رئيس الوزراء، وزير الداخلية في الحكومة الشرعية، أحمد الميسري، الذي قام أخيراً بزيارة مثيرة للجدل إلى أبو ظبي، عاد محملاً بالوعود من قبل المسؤولين الإماراتيين، بإعادة النظر بالممارسات التي كانت سبباً في تدهور العلاقات مع الشرعية، وفي المقدمة منها، ما يتعلق بالجانب الأمني، الذي يعد ملفاً محورياً في الخلافات، على خلفية دعم أبوظبي أجهزة أمنية وعسكرية خارجة عن سلطة وسيطرة الشرعية، بما فيها قوات "الحزام الأمني" و"النخبة الحضرمية" و"النخبة الشبوانية"، وهي أذرع أمنية تتبع إلى أبوظبي.

ووفقاً للمصادر، تتضمن نتائج الزيارة، التي وصفها الوزير اليمني بـ"المثمرة"، الاتفاق على إيجاد حالة من التعاون والتنسيق بين الداخلية اليمنية والجهات الحكومية ذات العلاقة مع التحالف، بواجهته الإماراتية، في عدن خصوصاً، ما من شأنه توحيد عمل الأجهزة الأمنية وفقاً لما تطالب به الحكومة اليمنية ولكن بما يحقق في الوقت ذاته، مصالح الجانب الإماراتي. وأشار الميسري، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الحكومية اليمنية، إلى أن الجانب الإماراتي وعد بـ"تقديم أوجه الدعم اللازم والمفتوح للأجهزة الأمنية المختلفة في المحافظات المحررة عبر وزارة الداخلية وترميم منشآتها ومقراتها الأمنية"، وهو ما يعني الاعتراف بالحكومة، بعد أن كان الإماراتيون يعوقون عملها ويدعمون تكوينات مسلحة لا تخضع للشرعية.

وبالتزامن مع زيارة الميسري، تراجعت إلى حد كبير حالة الاتهامات والهجوم الإعلامي المتبادل، الذي كان سائداً في الفترة الماضية. وتحدثت مصادر مقربة من الحكومة عن خطوات مرتقبة في سبيل إصلاح العلاقة، أبرزها احتمال زيارة الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، أبوظبي. وكانت صدرت، خلال الأشهر الماضية، تصريحات من مسؤولين يمنيين رفيعي المستوى، بمن فيهم الميسري، تتهم الإمارات، بمنع هادي من العودة إلى عدن، إذ قال رئيس الحكومة، أحمد عبيد بن دغر، في يناير/كانون الثاني الماضي، إن الإمارات صاحبة القرار الأول في المدينة، كواجهة لقوات التحالف الذي تقوده السعودية، في المناطق الجنوبية للبلاد.



وعلى الجانب العملي، فإن تطورات الأسبوعين الأخيرين، على صعيد العلاقة بين الحكومة اليمنية والجانب الإماراتي، تمثل تحولاً كبيراً، بالنسبة لسياسة أبوظبي، التي استخدمت سياسة تقوض سلطة وسيطرة الحكومة الشرعية في المناطق الجنوبية والشرقية وترفض الاعتراف بوجودها إلى حد كبير. ومن شواهد ذلك، مثلاً، ما شهدته عدن، في فبراير/شباط 2017، حيث رفض قائد حماية المطار، الموالي لأبوظبي، قراراً حكومياً بتغييره، وتبع ذلك اشتباكات محدودة، انتهت بمغادرة الرئيس اليمني لعدن متوجهاً إلى الإمارات، التي كان من المقرر أن يعقد فيها لقاءً مع ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، لكنه غادرها دون لقاء إلى الرياض، وهو التطور الذي يعد مثالاً على الطريقة التي تعامل بها الإماراتيون مع الشرعية اليمنية.

وعلى الرغم من المحاولات التي تهدف إلى مراجعة العلاقة وإنهاء الصراع بين الإماراتيين والشرعية، إلا أن الخطوات لا تزال محصورة بالوعود وإبداء أبوظبي حرصاً على تحسين علاقتها مع الحكومة الشرعية والاعتراف بوجودها كطرف لا يمكن تجاوزه. وفي المقابل، فإن مقتضيات ترميم العلاقة لا تزال تنتظر اختبار التنفيذ، لمعرفة ما إذا كانت هناك جدية لدى الإمارات، بإلحاق الأجهزة الأمنية والعسكرية التي دعمت إنشاءها  (الحزام الأمني، وقوات النخبة الحضرمية والشبوانية) بالهيئات الرسمية اليمنية، وكذلك التوقف عن دعم الكيانات الانفصالية، وتحديداً ما يُعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، الذي كان تأسيسه بمثابة انقلاب على الشرعية في عدن، بدعم إماراتي مباشر. ومن دون ذلك، فإن المراجعة الإماراتية تقتصر على محاولات إصلاح العلاقة مع الشرعية بجوانب محدودة، تتصل بأمن عدن، بصورة أساسية، لكنها قد لا تنعكس بالشكل المطلوب، على ما يتعلق بتمكين الحكومة اليمنية من إدارة المناطق الجنوبية والشرقية والسماح لها بممارسة مهامها من دون معوقات.

الجدير بالذكر، أن هذه التطورات جاءت، بعدما وصلت الأزمة بين اليمن والإمارات، خلال الأشهر الماضية، إلى أوجها، من خلال الاتهامات العلنية التي أطلقها المسؤولون اليمنيون لأبوظبي بإعاقة عمل الحكومة الشرعية ومنع هادي من العودة إلى عدن، وكان من مظاهرها المواجهات المسلحة التي تفجرت في "العاصمة المؤقتة" بين الفصائل الانفصالية المدعومة إماراتياً، والتي أعلنت أنها تسعى لإسقاط الحكومة وبين القوات الموالية للأخيرة، قبل أن تهدأ بتدخل سعودي فرض حالة من التهدئة. لكن التحول الأبرز، في مايو/أيار الماضي، والذي سبق المراجعات، كان إعلان الحكومة بشكل رسمي رفضها لقيام القوات الإماراتية باحتلال ميناء ومطار جزيرة سقطرى الاستراتيجية، وتقديم شكوى بذلك إلى مجلس الأمن، وهي إجراءات بدا واضحاً أنها دفعت الإمارات لأن تحني رأسها، وتغير أسلوب تعاملها مع الحكومة اليمنية على الأقل. لكن إصلاح العلاقة يتطلب ما هو أكثر من زيارة وزير في الحكومة الشرعية عارض سياسة الإمارات (في السابق) إلى أبوظبي، أو الترتيب لزيارة لهادي، بل يتطلب تمكين الحكومة اليمنية بشكل فعلي من القيام بمهامها في مختلف المناطق.

المساهمون