إحراق صناديق بغداد يهدد الانتخابات: أخطر محاولات تغطية التزوير

إحراق صناديق بغداد يهدد الانتخابات: أخطر محاولات تغطية التزوير

بغداد

سلام الجاف

avata
سلام الجاف
بغداد

محمد علي

avata
محمد علي
11 يونيو 2018
+ الخط -

وضعت عملية حرق مخازن مفوضية الانتخابات العراقية في بغداد، أمس الأحد، بعيد ساعات قليلة من فرض مجلس القضاء الأعلى في البلاد وصايته على مفوضية الانتخابات والإعلان عن انتداب قضاة لبدء عملية العد والفرز يدويًا لنتائج الانتخابات في عموم مدن البلاد، الأزمة السياسية في العراق على حافة منحدر جديد، إذ تؤكد تحقيقات أولية من مكان الحادث أن حريق مخازن المفوضية أتى على عدد كبير من صناديق الاقتراع بما فيها من أوراق انتخابية تتعلق بأصوات الناخبين من رصافة بغداد ومناطق شرق العاصمة والتصويت الخاص وتصويت السجناء ونزلاء المستشفيات والنازحين فضلا عن احتراق أجهزة التحقق الإلكتروني، وهو ما يجعل مهمة القضاء في التحقق من تزوير الانتخابات مستحيلة في العاصمة بغداد، كما أنه يؤكد اتهامات التزوير والتلاعب بالانتخابات.

وقال مسؤول في وزارة الداخلية العراقية، في حديث مع "العربي الجديد"، إن عدداً كبيراً من الصناديق احترق ولا يمكن خلال الوقت الحالي معرفة عددها لكن تم إنقاذ عدد غير قليل منها أيضا من قبل الدفاع المدني وسكان محليين من البيوت القريبة على المخازن ساهموا في الإنقاذ، مؤكدا أن صناديق كثيرة لم تحترق لكنها أتلفت بفعل المياه.
وأوضح المسؤول نفسه أن حرّاس المخازن اختفوا ويجري البحث عنهم حالياً. كما أن هناك عمليات عنف ظاهرة على الأبواب الخارجية للمخازن توضح أنها فتحت بمطارق حديد أو أي آلة أخرى وتم اقتحام المكان وافتعال الحريق.
بدوره، أعلن عضو مجلس محافظة بغداد محمد الربيعي عن "احتراق جميع صناديق الانتخابات البرلمانية لجانب الرصافة" وسط تأكيد مصادر أن "المخازن التي احترقت تحوي على أكثر من 3 ملايين استمارة ناخب". 
وقال في تسجيل صوتي له نقلته وسائل إعلام عراقية إن "مخازن وزارة التجارة التي تحتوي على صناديق المفوضية العليا للانتخابات في جانب الرصافة احترقت بالكامل"، وأضاف أن "فرق الدفاع المدني توجهت إلى المخازن لإخماد الحريق وإخراج صناديق الاقتراع السالمة منها".

من جهته، قال عضو لجنة تقصي الحقائق المكلفة بالتحقيق في التلاعب بنتائج الانتخابات، عادل النوري، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الحريق مفتعل ومن فعله أعضاء من داخل المفوضية التي تم تجميد عملها". ولفت إلى أن "المجرمين والمزورين أحرقوا آثار جريمتهم، جريمة تزويرهم لأننا نعلم والله يعلم قبلنا أن النتائج غير واقعية ومزورة، لذا قاموا بحرق الصناديق"، مؤكدا أن "هذه الجريمة ليست جريمة عابرة بل فضيحة ويجب ملاحقتها ونطلب من رئيس الوزراء والقضاء التعامل مع الموضوع كملف سيادي ومهدد للأمن الوطني والعملية السياسية بالعراق ككل".

من جهته، قال القيادي في تحالف الوطنية بزعامة إياد علاوي، كاظم الشمري، إن "الصناديق لم تحترق إلا بعد إقرار العد والفرز اليدوي وبعد ساعات من إجراءات مجلس القضاء"، وتابع "هذا يؤكد حقيقة أن الانتخابات مزورة وفيها تلاعب خطير ويجب على رئيس الوزراء حيدر العبادي أن يتعامل مع الحدث بجدية بالغة الخطورة".

في غضون ذلك، لم تستبعد اللجنة القانونية بالبرلمان العراقي الحالي ذهاب القضاء الى إلغاء العملية الانتخابية في عموم البلاد بسبب الحريق. وقال عضو اللجنة، زانا سعيد، إن القضاء يمتلك صلاحية إلغاء نتائج الصناديق المتعرضة لعملية الحريق في بغداد أو إلغاء نتائج محافظة كاملة، مرجحا إلغاء العملية الانتخابية بشكل كامل في حال نشوب حريق ثان في أحد مخازن المفوضية بعد حريق الكيلاني وسط بغداد. ولفت إلى أن "مجلس النواب لديه خيار جديد بعد تعديل قانون الانتخابات بدمج الانتخابات النيابية وإعادتها مع مجالس المحافظات نهاية العام الحالي". وأوضح في بيان صحافي أن عملية العد والفرز اليدوي ستكشف زيف الكثير من الكتل السياسية المشاركة في التنافس الانتخابي




وقبيل اندلاع الحريق سرّبت مصادر داخل مجلس القضاء الأعلى ببغداد بعد ساعات من فرض فريق قضائي وصايته على مقرات المفوضية العليا للانتخابات، عن "وجود ما لا يقل عن ربع مليون صوت تم حشوه في صناديق الاقتراع لا تتوفر فيها أي بيانات ولم يتم التحقق من هوية الناخبين لتلك الاستمارات إلكترونياً، متوقعة أن "تستغرق عملية العد والفرز أكثر من 15 يوماً في حال بدء العملية بشكل فعلي".


وجاء ذلك بالتزامن مع تقديم عدد من الأحزاب العراقية الفائزة بالانتخابات دعوى قضائية أمام المحكمة الاتحادية تطعن بقرار البرلمان الأخير، القاضي بتعديل قانون الانتخابات وإلزام المفوضية بعملية عد وفرز يدوية وإلغاء أصوات ناخبي المهجر والنازحين. في المقابل استمرت مماطلة المحكمة الاتحادية (أعلى سلطة بالبلاد) بالرد على استفسارات وطلبات بيان رأي وشكاوى قدمت لها حيال قانونية إلغاء أصوات الناخبين العراقيين بالخارج والنازحين وعملية إعادة العد والفرز للأصوات بشكل يدوي، بينها من رئيس الجمهورية فؤاد معصوم وأخرى من نواب وكتل سياسية، رغم مرور أكثر من أسبوع على الموعد المقرر للإجابة عن تلك الأسئلة التي حددها الدستور العراقي بثمانية وأربعين ساعة فقط ضمن خانة الدعاوى المستعجلة. ويظهر ذلك وجود خلاف حقيقي داخل المؤسسة القضائية العراقية حيال ملف الانتخابات والطعون المقدمة وإجراءات البرلمان.

ووفقاً لمصادر سياسية في بغداد فإن "الانقسام واضح بين أعضاء ومستشارين وقضاة في كل من مجلس القضاء الأعلى وكذلك رئاسة المحكمة الاتحادية، والسبب في ذلك وجود أكثر من وجه تأويل لمواد الدستور العراقية المتعلقة بالمشكلة مثل المادة 20 والمادة 78 و80 من الدستور العراقي، المتعلقة بصلاحيات البرلمان ورئيس الوزراء وكذلك عدم إمكانية إلغاء أو مصادرة حق المواطنين بالتصويت في الانتخابات". وأكدت المصادر ذاتها أن "الفريق الآخر يرى أن أدلة التزوير والتلاعب بالانتخابات باتت في ساحة القضاء ويجب أن يتخذ فيها قراراً نهائياً ويحيل المتورطين للقضاء وألا يسمح بولادة برلمان أو حكومة يكون جزء منها مزوراً".




ومع وجود ما لا يقل عن ربع مليون استمارة انتخابية تم حشوها في صناديق الاقتراع، ذكرت المصادر ذاتها أن "أعضاء المفوضية هم من قاموا بتسليم تلك الأوراق للفريق القضائي"، مؤكدة أنها "قامت بإلغائها وعزلها في مخازن المفوضية"، غير أن هناك ملفاً في حال ثبوته قد ينسف كل جهود تنقية الانتخابات وتشذيبها من التزوير وهو وجود تفاوت واضح بين نسب المشاركة التي أعلنت عنها المفوضية يوم 12 من الشهر الماضي (44.52 في المائة) وما موجود فعلا من أوراق اقتراع في المخازن التابعة لمفوضية الاقتراع"، متوقعة أن "تستغرق عملية العد والفرز أكثر من 15 يوماً".

ومن المقرر أن يشهد اليوم الاثنين مباشرة 18 قاضياً عراقياً مهامهم كمدراء عامين منتدبين على فروع مفوضية الانتخابات بعد تسمية 9 قضاة بدرجة مستشار كأعضاء مجلس مفوضين يشرفون على عملية إعادة العد والفرز يدوياً، وسط محاولات من كتل عديدة برفع فقرة إلغاء أصوات النازحين وعراقيي المهجر وشمولها هي أيضاً بالعدّ والفرز بدلاً من "إلغاء"، فضلاً عن إعادة عد وفرز 25 في المائة من الأصوات بدلا من 100 في المائة التي أقرّها البرلمان العراقي. ويسعى مجلس القضاء للاستعداد وإنهاء كافة محاور خطة إعادة العد والفرز حالما تصدر المحكمة الاتحادية قرارها الملزم لكل الأطراف ليكون مجلس القضاء كسلطة تنفيذية فقط.
وأمس أعلن مجلس القضاء الأعلى في العراق عن تسمية القضاة المرشحين للانتداب للقيام بصلاحيات مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والقضاة المرشحين لإشغال مهمة مدراء مكاتب المفوضية في المحافظات. وأوضح بيان للمجلس أن "المجلس عقد جلسته برئاسة القاضي فائق زيدان وبحضور جميع أعضائه واستضاف فيها كلاً من مدير دائرة العمليات ومدير عام الدائرة الإدارية ومدير الشكاوى في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات". ولفت إلى أن "استضافة بعض مسؤولي المفوضية العليا المستقلة للانتخابات جاءت للوقوف على طبيعة عمل المفوضية وموجز للشكاوى التي أثيرت بخصوص انتخابات مجلس النواب لسنة 2018".

ووسط توقعات بأن تسفر عمليات العد والفرز اليدوي عن تغيير بنتائج الانتخابات بنسبة تصل إلى 30 في المائة فإنه من غير المرجح بدء مجلس القضاء عملية العد والفرز قبل صدور قرار المحكمة الاتحادية حول الشكاوى والطعون التي قدمتها كتل فائزة معترضة على الخطوة. وهو ما يجعل العراقيين أمام لائحة طويلة من السيناريوهات السياسية حيال الأزمة الحالية التي تفجرت قبل شكاوى التلاعب والتزوير بالانتخابات العراقية.
في هذه الاثناء، قال مدير المكتب السياسي لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ضياء الأسدي إنه "يدعو القضاء لدعم التداول السلمي للسلطة وتحكيم القوانين النافذة". وأوضح في تغريدة على حسابه على موقع "تويتر"، إن "ثقتنا كبيرة بأن القضاء العراقي لن يكون طرفاً في المحاصصة المقيتة وفي سياسة التوافقات والمصالح المتبادلة". وأضاف أن "قراراته (القضاء) في هذه المرحلة ستعزز وبقوة مبادئ الفصل بين السلطات والتداول السلمي للسلطة وتحكيم الدستور والقوانين النافذة".

من جانبه، قال المتحدث باسم تحالف الفتح أحمد الأسدي، إن "تحالفه يرفض عمليات العد والفرز اليدوي بنسبة 100 في المائة"، مشيراً إلى أن "العملية ستستغرق فترة ثلاثة أسابيع". وأوضح أن "تحالف الفتح مع مقترح إجراء عملية العد والفرز اليدوي وبنسبة 25 في المائة وليس 100 في المائة". وأضاف أن "الجميع يترقب قرار المحكمة الاتحادية لقول كلمتها بشأن الانتخابات وقضية العد والفرز اليدوي والنسبة وقضية إلغاء انتخابات الخارج والنازحين. فالعد والفرز بحاجة إلى فترة ثلاثة أسابيع من أجل اتمام العملية".


رفض أميركي لإلغاء الانتخابات

في غضون ذلك،  كشف مسؤول عراقي بارز في بغداد لـ"العربي الجديد"، أن "ما لا يقل عن ست زعامات عراقية تلقت رسائل من الإدارة الأميركية تحذرها فيها من مغبة إلغاء الانتخابات بشكل كلي، وضرورة استمرار معالجة الطعون وتهم التزوير والتلاعب للوصول إلى حد مرضٍ من النزاهة بالعملية الديمقراطية".

وقال موظف رفيع المستوى في مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي لـ"العربي الجديد"، إن "الأخير تلقى مع خمس زعامات عراقية سنية وشيعية وكردية رسائل متزامنة من مسؤولين في البيت الأبيض حذروها من اللجوء إلى خيار إلغاء الانتخابات، معتبرين أنه سيكون خطراً على العراق من الناحية الأمنية". ووفقاً للمصدر ذاته فإن "حيدر العبادي وفؤاد معصوم وسليم الجبوري وعمار الحكيم ونوري المالكي وهادي العامري، تلقوا نفس الإشارات التي تضمنت بالوقت نفسه دعماً أميركياً للعراق واستعداداً للتعامل مع أي حكومة تنتج عنها المفاوضات وفقا لإرادة العراقيين"، في رسالة قد يفهم منها تطمين لخصوم الولاية الثانية للعبادي بأن "واشنطن ليست متمسكة بشكل نهائي بشخص رئيس الوزراء حيدر العبادي ويمكن التعامل مع شخص آخر غيره". وبيّن المصدر أن "الأميركيين يخشون من انهيار أمني جديد في العراق تكون نواته تنافس الأحزاب والكتل السياسية تتغذى عليها بالوقت نفسه بقايا وجيوب داعش وأطراف ومليشيات مسلحة". واعتبر أن "الولايات المتحدة مع تنقيح وتهذيب الانتخابات من التزوير والطعون، لكنها ليست مع الإلغاء الكامل".

ذات صلة

الصورة
أبو تقوى السعيدي (إكس)

سياسة

أسفر استهداف طائرة مسيّرة مقراً لفصائل "الحشد الشعبي" يتبع لـ"حركة النجباء"، عن مقتل المسؤول العسكري للحركة مشتاق طالب علي السعيدي المكنى "أبو تقوى".
الصورة
قاعة الأعراس في الحمدانية في نينوى في العراق 1 (فريد عبد الواحد/ أسوشييتد برس)

مجتمع

أعاد حريق قاعة الأعراس في محافظة نينوى العراقية الذي خلَّف مئات القتلى والمصابين، ليلة أمس الثلاثاء، مشهد الحرائق المتكرّرة التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة والتي خلّفت مئات القتلى والجرحى.
الصورة
صندوق من فاكهة الرمان (Getty)

مجتمع

أفاد تحقيق صحافي عراقي بأنّ بغداد تلقّت شحنة رمّان من بيروت تبيّن أنّها محشوّة مخدّرات، علماً أنّ هذه الشحنة جزء من سداد قيمة مستحقّات النفط العراقي المخصّص لبيروت.
الصورة

سياسة

يخشى بعض المرشحين للانتخابات المحلية في العاصمة بغداد، من أن يكون تسلسل أحدهم بالرقم 56، الذي يُطلق على المحتالين والنصابين في الشارع العراقي، وقد جاء نسبة إلى مادة قانونية في القانون العراقي، تخص جرائم النصب والاحتيال