معركة درنة الليبية: واقع الأرض وحدود الدعم المصري

معركة درنة الليبية: واقع الأرض وحدود الدعم المصري

09 مايو 2018
ظهر حفتر أمام قواته مطلقاً معركة درنة(عبدالله دوما/فرانس برس)
+ الخط -
مع إعلان اللواء الليبي خليفة حفتر، رسمياً مساء الإثنين، انطلاق عملية السيطرة على مدينة درنة شرق بنغازي، يبرز الدور المصري في هذه المعركة، مع كشف معلومات أن نظام عبدالفتاح السيسي، يقدّم كل الدعم الممكن، خصوصاً العسكري، لحليفه حفتر في معارك درنة. وكان حفتر قد زار القاهرة في طريق عودته إلى ليبيا، بعد تلقّيه العلاج في فرنسا، على خلفية وعكة صحية شديدة، قبل العودة إلى ليبيا مرة أخرى، وسط شكوك في قدرته على استكمال مهامه كقائد للقوات التابعة لبرلمان طبرق بالشكل الذي كان عليه الحال قبل مرضه.
وأعلن حفتر مساء الاثنين، انطلاق عملية السيطرة على درنة، محذراً من الاقتراب من المدنيين خلال المعارك، بما يخالف ما اعتادت عليه قواته بقصف أهداف عشوائية تابعة لمدنيين في المدينة.

وكشفت مصادر قريبة من الملف الليبي، لـ"العربي الجديد"، عن سفر ضباط مصريين خلال الأيام القليلة الماضية إلى ليبيا، لمتابعة الوضع على الأرض في معارك درنة، وتحديداً عقب عودة حفتر من فرنسا، نافية أن يكون لهؤلاء دور عسكري على الأرض، فيما سيقتصر عملهم على التخطيط للعمليات. وقالت المصادر إن الإدارة المصرية تدعم بقوة عمليات قوات حفتر في درنة، مع تكثيف هذا الدعم لحسم المعركة بسرعة. وأضافت أن الدعم المصري لقوات حفتر غير محدود من أجل السيطرة على درنة، التي تُعتبر مدينة عصيّة حتى الآن، على الرغم من محاصرتها منذ أشهر طويلة، والقصف الجوي على أهداف هناك.

وكانت مصادر قريبة من المؤسسة العسكرية، كشفت في وقت سابق عن مشاركة ضباط من القوات المسلحة في وضع خطة السيطرة على درنة، قبل مرض حفتر. وتابعت أن الدعم المقدّم لقوات حفتر من الجانب المصري يتمثّل في محاور عدة، أبرزها القصف الجوي على أهداف محددة في درنة، بعد إجراء عمليات استطلاع من قِبل طائرات استطلاع مصرية، خرجت من الحدود الغربية باتجاه درنة وعادت مرة أخرى. وأشارت إلى أن عمليات الاستطلاع واجهت صعوبات شديدة خلال الفترة الماضية، بما قوّض من فاعلية الضربات الجوية، في ظل عدم القدرة على تحديد أهداف حيوية للمجموعات المسلحة، فضلاً عن التواجد وسط المدنيين، بما أفقد سلاح الطيران فاعليته في الحرب على درنة. وشددت على أن الخيار الأمثل بالنسبة للرؤية المصرية هو تنفيذ عمليات ميدانية بشكل منظم وفق خطة محددة، مع توفير غطاء جوي لتحركات قوات حفتر على الأرض. ولفتت إلى أن الدعم المقدّم لقوات حفتر تمثّل في إمدادها بأسلحة خفيفة ومتوسطة، والأهم الإمداد بالذخائر، في ظل حظر التسليح على ليبيا، المفروض من قبل مجلس الأمن، وبالتالي فإن هناك صعوبة في استيراد الأسلحة بشكل علني ورسمي. وبحسب تقارير أممية سابقة، فإن مصر والإمارات اخترقتا حظر التسليح المفروض، فضلاً عن إعلان إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، عن تنفيذ طيران مصري إماراتي ضربات في ليبيا.


وبدأت قوات حفتر الإثنين الاشتباك مع مقاتلي "مجلس شورى درنة"، في وقت ظهر فيه حفتر وسط ضباطه في ضاحية شرق بنغازي، يستعرض أرتالاً من قواته، معلناً "ساعة الصفر" للسيطرة على درنة، مؤكداً "فشل المساعي السلمية بوساطة العقلاء لتجنيب المدينة ويلات الحرب".
وفيما أعلنت قوات حفتر عن "تقدّم كبير نحو المدينة"، نفى المجلس المحلي لدرنة هذه الأنباء، مؤكداً أن قوات حفتر لا تزال بعيدة. وقال محمد القبائلي، أحد مسؤولي المكتب الإعلامي لقوات حفتر، إن "تقدّماً كبيراً حققته كتائب حفتر باتجاه المدينة"، موضحا في حديث لـ"العربي الجديد" أن "منطقة الفتائح الضاحية الشرقية للمدينة تكاد تكون تحت سيطرة قوات حفتر". وأشار القبائلي إلى أن "محور الظهر الحمر جنوب المدينة تجري فيه اشتباكات كبيرة باستخدام الأسلحة الثقيلة والدبابات"، معتبراً أنها "الجبهة الأصعب بالنسبة لقوات حفتر، حيث تتركز أغلب قوة مجلس شورى المدينة فيه". وعن سلامة المدنيين، قال القبائلي إن "خطة المعركة وضعت حسابات دقيقة لتجنيب المدنيين خطر القتال، من بينها سرعة السيطرة على الأحياء ليتفادى الأهالي ضغط استمرار الحصار عليهم".

في المقابل، أصدر "مجلس شورى درنة"، مساء الاثنين، بياناً أكد فيه استمراره في الدفاع عن المدينة، وأن "الحملة الغاشمة التي تعرضت لها بأكثر من 50 غارة جوية أجنبية مع محاولات فاشلة لم تزد أهل المدينة إلا إيماناً بنصر الله". وأشار البيان إلى أن قوات المجلس تقف وحدها ضد "طاغوت حفتر الطامح لعودة حكم العسكر"، مهاجماً حكومة الوفاق التي وصفها بـ"المتواطئة".

وكانت "العربي الجديد"، قد نشرت قبل أشهر، معلومات عن وجود استياء مصري من إدارة حفتر وقيادات قواته لمعركة السيطرة على درنة، على مدار نحو عامين، بما دفع إلى إلقاء ثقل كبير هذه المرة لتنفيذ ما فشل فيه حفتر. ولم تستبعد مصادر أن تكون القوات المسلحة المصرية خصصت غرفة عمليات لمتابعة الوضع في معارك درنة، بالاشتراك مع قوات حفتر. وكانت طائرات مجهولة قصفت أهدافاً في درنة قبل يومين تقريباً، وسط ترجيحات من مصادر ليبية، أن تكون مصرية، في إطار الدعم المقدّم لقوات حفتر. وعلّقت المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد" على هذه الترجيحات، بقولها: "هذه الطائرات بالتأكيد مصرية، خصوصاً مع الدعم الجوي الكبير المقدّم لقوات حفتر"، من دون أن تقدّم معلومات دقيقة عن الواقعة المشار إليها. وعن قدرة قوات حفتر على اقتحام مدينة درنة، اعترفت المصادر ذاتها، بصعوبة المعركة إلى حد كبير، خصوصاً مع تماسك المجموعات المسلحة المتواجدة هناك، وإحكام سيطرتها على مداخل ومخارج المدينة.