لجنة الدستور السوري... إرادة روسيا فوق الجميع

لجنة الدستور السوري... إرادة روسيا فوق الجميع

01 يونيو 2018
دي ميستورا سيتولّى حسم الأعضاء النهائيين للجنة (Getty)
+ الخط -
عادت قضية الدستور إلى واجهة الحدث السوري مرة أخرى، مع بدء خطوات من قبل النظام والمعارضة نحو ترشيح أسماء لتشكيل لجنة مهمتها وضع دستور جديد للبلاد، وهو ما يعد تطبيقاً لمخرجات مؤتمر سوتشي الذي رعته روسيا تحت مسمى مؤتمر "الحوار السوري السوري" الذي قاطعته المعارضة وأعلنت رفض الاعتراف بنتائجه، لكنه انتهى، كما تريد موسكو بإقرار اللجنة الدستورية، على أن تتكفل الأمم المتحدة بتشكيلها والإشراف عليها بمرجعية القرار الدولي الخاص بسورية رقم 2254.

وأكّد عضو هيئة التفاوض العليا التابعة للمعارضة السورية، أحمد العسراوي، أن الهيئة "بدأت في العمل على إعداد قائمة مرشحين لتقديمها إلى الموفد الأممي"، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن القائمة ستضمّ شخصيات من داخل الهيئة ومن خارجها، "لكن من الكتل المشكلة للهيئة". ولفت العسراوي إلى أنه "حتى اللحظة ليس هناك إيضاحات حول العدد النهائي للجنة الدستورية". وأوضح أنه يتم "التعامل مع القضية وفق التسريبات التي تصلنا، إذ لم تجب الأمم المتحدة عن التفاصيل المتعلقة بهذا الجانب".

وردّاً على سؤال حول مهمات اللجنة، وهل تتمحور حول وضع دستور جديد للبلاد أم تعديل دستور عام 2012 الذي وضعه النظام، قال العسراوي، في حديثه مع "العربي الجديد": "بمفهومنا مهمة اللجنة وضع دستور جديد للبلاد، أما المبادئ العامة الموجودة في كل دساتير العالم، لا أعتقد أنه سيكون خلاف حولها بين المعارضة والنظام".


لكن رئيس الدائرة الإعلامية في الائتلاف الوطني السوري، أحمد رمضان، أكد في حديث مع "العربي الجديد" أنه "لا جديد حول اللجنة الدستورية". ولفت إلى أن "الأسماء سترشح في حال إقرار ذلك عن طريق هيئة التفاوض، وإلى الآن لم يتخذ قرار بشأن ذلك".
بدوره نفى رئيس اللجنة العسكرية في وفد قوى الثورة إلى أستانة، العقيد فاتح حسون، في حديث مع "العربي الجديد"، الأنباء عن ترشيح أعضاء وفد المعارضة إلى مفاوضات أستانة لعضوية اللجنة الدستورية. وقال "ليس صحيحاً. لا شيء رسمياً بهذا الخصوص".

لكن القيادي في ما يُعرف بـ"المؤتمر الوطني الديمقراطي السوري"، هيثم مناع، قال إن ما سماها بـ "المعارضة السورية الديمقراطية" شكّلت لجنة متابعة لصياغة الدستور من 3 قوى أساسية: تيار الغد السوري، ومنصة موسكو، والمؤتمر الوطني الديمقراطي السوري، المقربة من موسكو. وأشار إلى أن هذه اللجنة "ستتوسع لاحقاً لتشمل جميع القوى الديمقراطية السورية"، وفق قوله.
وتحدّث مناع، في تصريحات لوسائل إعلام روسية، عن وجود "ورشتي عمل حالياً، إحداهما سياسية والأخرى سياسية تقنية مع الخبراء، ستشاركان في مؤتمر سوتشي الثاني المقرر عقده بعد انتهاء مونديال روسيا 2018". ويتهم مناع من المعارضة السورية بالتماهي تماماً مع الرؤية الروسية للحل السياسي في سورية، الذي يقوم على تثبيت النظام في السلطة.
وكان مؤتمر سوتشي الذي رعته موسكو، وعُقد يوم 30 يناير/ كانون الثاني الفائت، قد تبنى إنشاء لجنة للإصلاح الدستوري تتكوّن من وفد للنظام السوري ووفد معارض واسع التمثيل، "بغرض صياغة إصلاح دستوري يسهم في التسوية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 2254". وتضم اللجنة الدستورية أيضاً خبراء سوريين وممثلين للمجتمع المدني ومستقلين وقيادات قبلية ونساء.
وأكّدت مصادر إعلامية منذ أيام أن النظام رضخ أخيراً بعد ضغط روسي، وأرسل قائمة مرشحيه للجنة الدستورية إلى الموفد الأممي لسورية تضم نحو 50 اسماً من المفترض أن يختار دي ميستورا منها أعضاء في اللجنة الدستورية.
وأشارت مصادر مطلعة إلى أنه من المرجح أن يكون أعضاء اللجنة نحو 50 عضواً، ويسعى النظام إلى أن تكون له حصة تمنحه القدرة على وضع دستور يناسبه، وهو ما يبدو أنه سيحققه، إذ من المرجح أن تكون أصوات ما يُسمى بـ"المعارضة السورية الديمقراطية" إلى جانبه.
وبدأت حكاية السوريين مع الدستور قبل نحو 100 عام، إذ تم وضع أول دستور للبلاد في عام 1920، نُصب من خلاله فيصل بن الحسين ملكاً لسورية. وترأس اللجنة التي وضعت هذا الدستور هاشم الأتاسي الذي يعتبر "أبو الدستور" في سورية، لكن لم يصمد هذا الدستور طويلاً، إذ دخل الفرنسيون سورية محتلين في نفس العام. وجرى بعد ذلك وضع أكثر من دستور في سورية، حتى جاء دستور عام 1950، ملبيًا لطموح السوريين، لكن الانقلاب الذي قاده أديب الشيشكلي تبعه وضع دستور جديد ألغي هو الآخر بعد ذلك.

وبعد انقلاب حزب البعث في عام 1963 بقيت البلاد من دون دستور دائم، حتى تم وضع دستور من قبل حافظ الأسد في عام 1971، نصّ على سلطة مطلقة للرئيس، واعتبرت مادته الثامنة حزب البعث "قائداً للدولة والمجتمع"، حتى ألغي في عام 2012، مع اشتداد وتيرة الثورة السورية، إذ حاول رئيس النظام بشار الأسد تطويق الثورة من خلال الدستور الجديد، إلا أنه فشل في ذلك.
وطيلة مفاوضات جنيف بين النظام والمعارضة السورية بقيت الأخيرة ترفض مناقشة سلة الدستور قبل حسم التفاوض حول مسألة الانتقال السياسي. وتعتبر مناقشة سلة الدستور أولاً تجاوزاً للقرارات الدولية، لكن يبدو أنها قبلت الشروع في قضية الدستور إثر ضغوط إقليمية عليها.
وكانت المعارضة قد قدّمت رؤية شاملة للحل السياسي للأمم المتحدة والدول المعنية بالملف السوري، تدعو فيها للعودة إلى دستور عام 1950 في مرحلة انتقالية تجرى خلالها كتابة دستور للبلاد، أو وضع مبادئ دستورية تحكم المرحلة الانتقالية، لكن النظام رفض كلا الطرحين وظلّ متمسكاً بدستور عام 2012، لكن يبدو أن الضغوط أجبرت النظام والمعارضة على الجلوس معاً لوضع دستور جديد.
ولم يوضح المبعوث الأممي حتى اللحظة التفاصيل المتعلقة باللجنة الدستورية لجهة عدد الشخصيات التي ستضع مسودة الدستور، وحصة النظام، وحصة منصات وتيارات محسوبة على المعارضة من قبل الروس، إضافة إلى حصة المعارضة السورية المنضوية في هيئة التفاوض التي تمثل أبرز وأهم تيارات المعارضة، وهي الائتلاف الوطني السوري، وهيئة التنسيق الوطنية (معارضة الداخل)، ومنصة "القاهرة"، إضافة إلى الفصائل المسلحة، والمستقلين. ومن المرجح أن تعمل اللجنة الدستورية بالتوازي مع مفاوضات تتعلق بالحكم وفق قرارات الأمم المتحدة لتشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات تطرح الدستور للاستفتاء، ومن ثم تجرى انتخابات على أساسه. ولم تجتمع المعارضة والنظام على شيء من القضايا المطروحة للتفاوض من قبل الأمم المتحدة، ما خلا الاتفاق على رفض دستور وضعه خبراء روس حاولت موسكو فرضه على السوريين في مسار أستانة، إلا أنها فشلت في ذلك على الرغم من الضغوط. وأثارت الأنباء عن دستور روسي لسورية استياء السوريين، خصوصاً أنها أكدت عدم قدرتهم على تحديد مستقبل بلادهم.
ومن المرجّح أن يرفض الشارع السوري أي دستور، ما لم يكن مكتوباً من قبل سوريين موالين ومعارضين، ويحافظ على الهوية العربية الإسلامية للبلاد، ولا يترك أي ثغرة يمكن النفاذ منها للعبث بوحدة سورية. كذلك من المرجح أن يلقى الدستور المقبل رفضاً من قبل أحزاب كردية تسيطر على نحو ثلث سورية أبرزها حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يتخذ من الوحدات الكردية ذراعاً عسكرية له، في حال عدم وجود ممثلين لها في اللجنة الدستورية. ويدعو هذا الحزب إلى إقرار مبدأ الفيدرالية في الدستور المقبل، وهو ما ترفضه المعارضة والنظام معاً ويعتبرانه أساساً دستورياً يمكن البناء عليه مستقبلاً لتقسيم البلاد.