إيران تيأس من توحيد "الدعوة": الأولوية لتفكيك خصوم حلفائها

إيران تيأس من توحيد "الدعوة": الأولوية لتفكيك خصوم حلفائها

28 مايو 2018
مقتدى الصدر بعد لقائه عمار الحكيم بالنجف أخيراً(فرانس برس)
+ الخط -

كشف مسؤولون عراقيون بارزون في بغداد، أن عدداً غير قليل من النواب الفائزين في الانتخابات العراقية غادروا العاصمة ومناطق سكنهم في المحافظات، تجنباً لضغوط كبيرة تمارَس عليهم منذ يومين، من أجل سحبهم من تحالفاتهم الأمّ إلى تحالفات أخرى، وذلك بعد تعثّر جهود إيرانية بُذلت خلال الأسبوعين الماضيين لتوحيد جناحي "حزب الدعوة الإسلامية" مجدداً، ودمج قوائم "النصر" و"دولة القانون" بـ"الفتح" في تحالف واحد، لتكوين الكتلة الأكبر. وأكد المسؤولون الذين تحدثوا لـ"العربي الجديد"، في هذا الإطار، أنّ شخصيات إيرانية بارزة من بينها قائد فيلق القدس، الجنرال قاسم سليماني، والسفير الإيراني لدى العراق، إيرج مسجدي، والقائد البارز في الحرس الثوري، علي رضا آزادي (شارك في معركة تكريت عام 2015)، فضلاً عن رجل الدين البارز، محمود الشاهرودي، يقودون حراكاً قوياً يستهدف عددا غير قليل من مرشحي كتل "النصر" و"سائرون" و"الوطنية" والفائزين عن الأقليات والتركمان، بهدف إقناعهم بإعلان تخليهم عن تحالفاتهم والانضمام إلى تحالف "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، أو "الفتح" بزعامة هادي العامري.

ويأتي ذلك بالتزامن مع تسريبات حصلت عليها "العربي الجديد"، من مصادر داخل الحوزة الدينية في النجف، تؤكّد أن زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، حصل على دعم وافر من أبرز مرجعين دينيين في النجف، وهما علي السيستاني ومحمد سعيد محسن الحكيم، في حراكه الحالي لتشكيل حكومة جديدة.

وعلى الرغم من مرور 16 يوماً على إجراء الانتخابات التشريعية في البلاد، إلا أنّ مفوضية الانتخابات لم ترسل حتى الآن، أسماء النواب الجدد الفائزين إلى القضاء للمصادقة عليها، إذ تواجه مئات الطعون والشكاوى بشأن نزاهة الانتخابات، فضلاً عن تهم التلاعب والتزوير، وهو ما يؤخر المشاورات السياسية ويؤجل موعد انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان، والتي يُعلن فيها التحالف الأكبر المكلّف بتشكيل الحكومة.

وأمس الأحد، أصدر مجلس القضاء الأعلى في العراق بيانين منفصلين، قال في الأول إنه "لا يمكن للقضاء أن يكون خصماً أو طرفاً"، وذلك رداً على مطالبات بعدم قبول تصديقه نتائج الانتخابات في حال أرسلت إليه، فيما أوضح في بيان آخر أنه "تم قبول النظر بشكاوى وطعون مقدمة من مرشحين بالانتخابات ليتسنى التحقيق فيها".

إلى ذلك، أبلغ وزير عراقي فاز أخيراً بمقعد نيابي، "العربي الجديد"، بأنّ "ما لا يقل عن 30 شخصية فائزة أغلقت هواتفها وغيّرت مكان إقامتها، سواء في بغداد أو في المحافظات الأخرى بفعل الضغط الهائل الذي تتعرض له"، مبيناً أن "شخصيات إيرانية في بغداد أبرزها سليماني والشاهرودي ومسجدي وآزادي، تحاول تفكيك تحالفات أو سحب أعضاء منها، بحيث تقل قوتها البرلمانية". ولفت الوزير ــ النائب المنتخب، الذي رفض الكشف عن هويته، إلى أنّ "تحالف النصر بزعامة حيدر العبادي وحلفائه، خصوصاً حزب الفضيلة وتيار الإصلاح والمكوّن التركماني، يتعرّضون لضغوط هائلة لسحب أعضاء فائزين من تلك القوائم، وخلعهم عن تحالف النصر وضمهم إلى الفتح"، مشيراً إلى أنّ "إيران تعتبر تشكيل الحكومة العراقية هذه المرة كأنه حرب، وتحاول فرض أجندتها بأي شكل من الأشكال، وهو ما يجعل بوادر ولادة الحكومة في وقت قريب، بعيدة من الواقع".

ولفت الوزير ذاته إلى أنّ "الإعلان عن انسحاب هذا العضو أو ذاك من تحالف العبادي والانضمام إلى التحالف الآخر، لا ينبغي أن يكون مفاجئاً، وهناك ضغوط مشابهة على قوائم كردية وأخرى على الأقليات الدينية، إلى جانب مفاوضات مع كتلة ذات صبغة عربية سنية للانضمام إلى معسكر المالكي-العامري، مقابل مناصب ووزارات مهمة".

ووفقا للوزير، فإنّ الحديث عن التحالف الوطني الموحد الذي تأسّس في العراق عقب الاحتلال الأميركي للبلاد ويضم القوى الشيعية كافة، "بات من التاريخ، ولا فرصة لعودته، إذ أظهرت مفاوضات الأيام الماضية خلافات كبيرة في هذا الإطار"، محملاً المالكي "مسؤولية تفكك هذا التحالف الذي بدأ بالتصدع منذ عام 2010".

وتخضع الحوارات السياسية لجبهتين واسعتي الجماهيرية، الأولى تتمثّل في تحالف "سائرون" الذي يقوده الصدر، الرافع شعار الإرادة الوطنية العراقية واتباع منهج "الإصلاح" في ترميم الدولة، والثانية تتمثّل في تحالف "الفتح" الذي يضم القوى السياسية لمليشيات "الحشد الشعبي"، التي تميل غالبيتها لمحور طهران وتوالي المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، وهو ما يرفضه الصدر.

ومن المقرّر أن تنتهي ولاية البرلمان العراقي الحالي مطلع يونيو/حزيران المقبل، فيما لم يتم إلى الآن حسم ملف الانتخابات التشريعية والاتهامات بالتلاعب التي رافقتها، كما لم يتسنّ للبرلمان الجديد عقد جلسته الأولى، ليعلن انطلاق الدورة البرلمانية الجديدة، الأمر الذي دفع مراقبين إلى الخشية من دخول العراق في "فراغ تشريعي"، يتزامن مع التدهور الأمني الذي بدأ يضرب مناطق متفرّقة من البلاد.


وفي هذا الإطار، قال القيادي في ائتلاف "دولة القانون"، سعد المطلبي، لـ"العربي الجديد"، إن "المشهد السياسي العراقي لا يزال ضبابياً، وغير واضح، فالحوارات ما زالت مستمرة بين التحالفات الرابحة في الانتخابات، لكن من دون إعلان أو توقيع أي ورقة رسمية بين طرفين أو مجموعة أطراف تتفق في ما بينها"، مبيناً أنّ "تحالف سائرون، كان قد وضع شروطاً تعجيزية للحوار معنا، مثل اعتذار المالكي من أهالي الموصل، بسبب احتلال تنظيم داعش الإرهابي مدينتهم. لذلك، لا توجد حوارات مع سائرون، وهذا خيارهم، فهم أرادوا الابتعاد منا ولسنا نحن من ابتعد".

وأضاف المطلبي أنّ "الحوارات مع كل الكتل السياسية والدخول في تفاصيل الحكومة الجديدة، مستمرة، ونحن أعلنّا منذ اليوم الأول بعد إعلان النتائج أنّ أبوابنا مفتوحة للجميع ولم نضع أي شرط لإجراء الحوار"، لافتاً إلى أنه "إذا تشكّلت الكتلة الأكبر خارج حدود ائتلاف دولة القانون، سنكون خارجها". وتابع أن "بعض الكتل السياسية التي تتكلم عن نفسها بأنها بعيدة من المحاصصة، هي في الواقع تبحث عنها لتقاسم السلطة والثروة".

أمّا تحالف "الفتح"، فأكّد أن منصب "رئيس الحكومة" هو الإشكالية الأبرز في حوارات الكتل السياسية الرابحة في الانتخابات. وفي هذا السياق، قال القيادي في التحالف، عامر الفايز، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الفتح لم يختلف مع أي كيان سياسي يحمل منهجاً يشابه منهجه ويتفق معه في الأهداف، فما زال التحالف يرفض حكومة المحاصصة وتقسيم الكعكة، وهو عازم على بناء حكومة كفاءات"، مبيناً أنّ "تأخّر الوصول إلى نتيجة خلال الحوارات التي جرت، يحصل لعدم التوصّل إلى اتفاق، وعلى الأغلب هو بسبب منصب رئيس الوزراء الجديد".

ولفت الفايز إلى "وجود كتل سياسية ترفض تجديد الولاية الثانية لحيدر العبادي، أبرزها الحزب الديمقراطي الكردستاني، كذلك ائتلاف دولة القانون، بسبب الخلاف الذي يعدّ شخصياً بين المالكي والعبادي، أكثر منه سياسياً"، مضيفاً "أعتقد أنه سيتم طرح أكثر من مرشح لرئاسة الحكومة، والذي يحظى بمقبولية بين أكثر الكتل هو من سيكون رئيس الوزراء".

من جهته، أوضح النائب المنتخب عن التيار المدني العراقي، فائق الشيخ علي، أنه "بغض النظر عمّن سيتمكن من تشكيل الكتلة الأكبر، فإن الحكومات بالعراق منذ 2003 ولحد الآن، أظهرت أن المشروع الإيراني هو الذي ينتصر في النهاية، وهو المهيمن على المشهد العراقي. فإذا لم تحظ الحكومة المقبلة بمباركة إيران، فلن تكون هناك أي حكومة عراقية". وأضاف الشيخ علي في تصريح صحافي له أمس: "معياري ليس الانتصار أو الهزيمة، لكن الذين مع إيران هم من سيشكّلون الحكومة في النهاية، والصدر وتحالف سائرون ها الفائزان في الانتخابات، وحصدا أعلى نتائج، وبالتالي نحن هنا أمام منعطف خطير، فلا يمكن عدم إرضاء الصدر في تشكيل الحكومة المقبلة لأنه يمتلك كتلة كبيرة وفائز بالانتخابات، وقبل كل شيء يمتلك الشارع وسيحرّكه، مما قد يؤدي إلى اضطراب الوضع في العراق بشكل كبير".

بدوره، بيّن المحلل السياسي العراقي، محمد شفيق، لـ"العربي الجديد"، أن اقتراب عدد المقاعد التي فازت بها غالبية الأحزاب الرابحة في الانتخابات من بعضها، تسبب بمشكلة حقيقية. وقال إن "تساوي مقاعد أغلب الكتل السياسية جعل من عقْد تحالف في ما بينها أمراً صعباً للغاية، خصوصاً في ظلّ حالة التشظي والانقسام والخلافات الكبيرة بين بعض الكتل"، موضحاً أنّ "حالة الحرج التي يشهدها الوضع السياسي تجعل الكثير من الكتل السياسية في حالة تأنٍ وترقّب، وحرص على عدم اتخاذ موقف نهائي في ما يخص التحالفات قبل غيرها".

المساهمون