رسالة ترامب لكيم: عودة للزرّ النووي بلغة دبلوماسية

فك شيفرة رسالة ترامب لكيم: عودة للزرّ النووي بلغة دبلوماسية

25 مايو 2018
ألقى ترامب باللوم على كيم جونغ أون(Getty)
+ الخط -
بقدر ما كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب مُفاجِئاً، حين أعلن قراره عقد قمة استثنائية مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، بقدرِ ما أحدثت رسالته إلى كيم، أمس، حيث أخبره بإلغاء قمة سنغافورة بينهما، صدمةً أيضاً، لا سيما بالشكل. فالرسالة "الاستعراضية"، التي تشبه ترامب كثيراً، والتي كتب كل حرفٍ فيها، كان الغرض منها إحداث التأثير الذي يتقنه رجل الأعمال المُتحوّل إلى رئيس، وهو تأثير يلائم تلفزيون الواقع، ملعب سيد البيت الأبيض الحالي الذي يبرع فيه.

ولا شك أن قمة ترامب – كيم، كانت تملك حظوظاً في الانعقاد تساوي الأسباب التي تهددها في كل لحظة. وقد كان من الصعب تخيل عقود من الجفاء والعدائية بين بلدين وقوتين نوويتين، ومنطقة صراع، و"حكم" اسمه الصين، وغيرها من الملفات، أن تُمحى في عهدٍ أميركي يديره رجلٌ مثل ترامب، يسود خطاباته الوعيد والتهديد، والتشبث بـ"عظمةٍ" تبدو متعجرفةً حتى للأوروبيين، "أقرب الأقربين".

هكذا، قد يصبح منطقياً انكباب المحللين، اليوم، ليس على تحليل أسباب إلغاء القمة من قبل واشنطن، بل على "فك شيفرة رسالة ترامب"، ومحاولة الخروج بمغازيها. ولذلك، غصّ الإعلام الأميركي، من "نيويورك تايمز" إلى "واشنطن بوست" إلى موقع "بوليتيكو"، بعبارة "رسالة ترامب إلى كيم، مُفسرة"، مع إعادة نشر الرسالة التي كان البيت الأبيض قد نشرها، والتي تحمل في أسفلها توقيع الرئيس الأميركي.

"نيويورك تايمز"

ويرى ديفيد سانغر، في "نيويورك تايمز"، أولاً، أن مخاطبة ترامب لكيم جونغ أون بـ"عزيزي سيدي الرئيس"، هي عادة الإدارة الأميركية الحالية، خصوصاً وزير الخارجية مايك بومبيو، الذي اعتاد أن يقول "الرئيس كيم"، ما يحمل صدىً لـ"الرئيس ماو"، نسبة إلى الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ.

ويقول ترامب في الفقرة الأولى من الرسالة: "لقد أُبلغنا" أن اللقاء (بين ترامب وكيم) جاء بطلبٍ من كوريا الشمالية. وبنظر الكاتب الصحافي سانغر، فإن الرئيس الأميركي وكأنه يقول صراحةً لنظيره الكوري الشمالي "إن اللقاء ليس فكرتنا، بل فكرتكم أنتم".

وبنظر سانغر، فإن ترامب يكذب حين يقول في الرسالة إن شعوره بعدم ملاءمة الوقت لعقد القمة "نظراً إلى الغضب القوي والعدائية" التي أظهرتها بيونغ يانغ رداً على تصريحاتٍ لنائبه مايك بنس، لأن كوريا الشمالية "غالباً ما تخرج تصريحاتها على هذا النحو"، وهذا وحده "لن يكون سبباً لإلغاء" القمة.

أما حين يقول ترامب إنه "في هذا الوقت، أرى أنه من غير المناسب حصول هذا اللقاء الذي خطط له طويلاً"، فهذا يعني أن الرسالة بحدّ ذاتها هي في جزءٍ منها وثيقة دبلوماسية للفوز بلقاء في وقت آخر، بعد فترة تكون فيها كوريا الشمالية قد انقطعت عن التصريحات العدائية.

زرّي أكبر من زرّك

ويعود ترامب إلى "أصله"، برأي سانغر، وإلى تهديده الشهير "زري (النووي) أكبر من زرك"، والتي بصمت الأيام الأولى للعلاقة بينه وبينه كيم جونغ أون، حين يكتب في الرسالة أن كيم "يتحدث عن قدرات بلاده النووية، ولكن قدراتنا ضخمة وقوية لدرجة أنني أدعو الله ألا نحتاج يوماً لاستخدامها".


وهنا، يرى موقع "بوليتيكو" أن التهديد الترامبي الأخير "تصريح حربي في رسالة دبلوماسية"، و"خرق جديد لقواعد أميركية عمرها عهود، تقضي بعدم قيام الرؤساء الأميركيين بإصدار تهديدات نووية واضحة".

ويعود سانغر في "نيويورك تايمز" للتلميح إلى "كذب الرئيس"، أو على الأقل إلى نقطة غير مفهومة، حين يقول الأخير متوجهاً لكيم إنه كان له معه "حوار رائع"، علماً أن الرئيسين لم يتحاورا مباشرةً أبداً، بل دائماً عبر الوسيط الكوري الجنوبي، منذ بدء العمل على محاولة انفراجة في العلاقات بين بلديهما.

وبالنسبة إلى شكر ترامب لكيم على إطلاق سراح رهائن أميركيين، فهذا برأي الكاتب "اعترافٌ بلفتة كيم الإنسانية، من دون أي إشارة إلى آلاف السجناء الكوريين في سجون بيونغ يانغ".

ويطالب الرئيس الأميركي في ختام رسالته، كيم بـ"الكتابة إليه" أو "الاتصال به" إذا "غير رأيه في ما يتعلق بهذه القمة المهمة". وهنا، باعتقاد سانغر، فإن ترامب يرمي الكرة في ملعب كيم جونغ أون، محاولاً كذلك تصوير نفسه كـ"صانع سلام"، فيما نظيره الكوري الشمالي "مهدرٌ للفرص".

أما الحديث عن إضاعة كوريا الشمالية لـ"فرصة كبيرة للازدهار والانتعاش الاقتصادي"، فربما هي لاعتقاد ترامب أن المال هو دائماً ما يحرك نظراءه من زعماء الدول.