السيادة الإسرائيلية على الجولان: وجه لصفقة القرن أم ابتزاز؟

السيادة الإسرائيلية على الجولان: الوجه الآخر لصفقة القرن أم ورقة ضغط؟

26 مايو 2018
تتمسك إسرائيل بإبقاء الجولان تحت سيادتها (جلاء ماري/فرانس برس)
+ الخط -


تثير تصريحات لوزير الاستخبارات في حكومة الاحتلال، يسرائيل كاتس، أول من أمس، بشأن احتمال اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان المحتلة، خلافاً للموقف التقليدي للولايات المتحدة، تساؤلات حول أسباب هذه التصريحات في هذا الوقت بالذات، وما إذا كان ذلك مرتبطاً أيضاً بتوجيه رسائل إضافية من دولة الاحتلال للنظام السوري، في إطار محاولة إسرائيل القضاء على الوجود الإيراني في سورية، من خلال معادلات جديدة، كانت أولاها، قبل أكثر من أسبوعين، عندما هددت إسرائيل، بما في ذلك عبر رسائل تحذير لروسيا، من أن مواصلة الوجود العسكري لإيران في سورية من شأنه أن يدفع الاحتلال إلى معادلة جديدة ووقف "عدم تدخله في سورية" لجهة إسقاط النظام السوري.

ومع أن روسيا والنظام ردا بداية أن هذا الوجود "هو شرعي" وبناء على طلب من النظام السوري، إلا أن الأسبوعين الأخيرين حملا تحولاً لافتاً في الموقف الروسي لجهة مطالبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مطلع الأسبوع الحالي، بمغادرة كافة القوات الأجنبية من الأراضي السورية، من دون أن يرد النظام السوري بشكل قاطع لصالح إيران، فيما بدا أن إيران دخلت على مسار تصادم مصالحها مع روسيا. وبالرغم من أن تصريحات كاتس، من حيث الموقف، ليست جديدة، فقد سبقتها تصريحات إسرائيلية مماثلة، إلا أنه لا بد من الإشارة إلى ما حرص كاتس على قوله في تفسيره للتصريحات المقتضبة التي أدلى بها لوكالة "رويترز"، في المقابلة مع "يديعوت أحرونوت" أول من أمس. فقد قال كاتس إن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، يعمل على هذا الموضوع مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في إشارة إلى انتقال الموضوع من مستوى التصريحات والعروض الأولية للمطالب الإسرائيلية من الولايات المتحدة، إلى وجود تقبّل أميركي، ولو على مستوى القبول بمناقشة الفكرة الإسرائيلية، خصوصاً في ظل الموازين الحالية، وبوجود إدارة أميركية مناصرة، ليس فقط لإسرائيل كدولة حليفة للولايات المتحدة وإنما أيضاً تتبنى أيديولوجية اليمين الاستيطاني الذي تمثله حكومة نتنياهو الحالية.

وقد أشار كاتس إلى هذا الجانب أيضاً عند قوله لموقع "يديعوت أحرونوت"، إنه "على أثر الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، وخصوصاً بعد إلغاء الاتفاق النووي مع إيران ووقوف الولايات المتحدة بشكل استراتيجي ضد إيران وضد توسعها في المنطقة، فإن اعترافاً أميركياً بالسيادة الإسرائيلية على الجولان هو الرد الأفضل على محاولة إيران تكريس وجودها العسكري مقابل إسرائيل". وتعكس الجملة الأخيرة، وتأكيد كاتس على أن تصريحاته هي رسائل واضحة، حقيقة ما يمكن أن تحمله هذه التصريحات من مقايضة، وربما تهديد إضافي للنظام السوري في حال أصر على بقاء الوجود العسكري الإيراني في سورية، بأن ذلك قد يكلفه خسارة نهائية لهضبة الجولان المحتلة، دون أي أمل في أن تقبل فيه دولة الاحتلال مستقبلاً في التفاوض حول مصير الجولان والانسحاب منه ولو جزئياً.

ولعل ما يزيد من خطورة هذه التصريحات والرسائل هو ما نشر عن تأييد أميركي في الكونغرس لتشريع قانون اعتراف أميركي بالجولان تحت السيادة الإسرائيلية، وفق اقتراح عضو مجلس النواب الأميركي المناصر لإسرائيل، رون ديسانتيس، بإقرار إعلان بروتوكولي يحدد كون الجولان جزءاً لا يتجزأ من إسرائيل من خلال طرح الاقتراح المذكور على لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي. وعملياً يمكن القول إن تصريحات كاتس تشكل امتداداً لمحاولات دولة الاحتلال الاستفادة من الأوضاع السائدة في سورية لجهة سد الطريق مستقبلاً أمام أي تسوية تفرض على حكومة الاحتلال الانسحاب من هضبة الجولان. ويمكن تحديد 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 نقطة التحول في هذا الاتجاه إسرائيلياً، وتحت قيادة نتنياهو، من الاستعداد للانسحاب من الجولان مقابل تسوية سلمية مع سورية، وفق المفاوضات التي أدارها نتنياهو مع نظام الأسد الأب، في ولاية نتنياهو الأولى، بوساطة تركية وأميركية قادها رون لاودر، ومن ثم في ولايته الثانية بين عامي 2009 و2013، حيث برر نتنياهو المفاوضات مع نظام بشار الأسد بأنه على استعداد للانسحاب من الجولان مقابل اتفاق سلام مع سورية يبعد إيران ويضعف نفوذها في دمشق. وفي نوفمبر 2011 طرح نتنياهو، للمرة الأولى، على الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، فكرة إعادة النظر في الموقف الأميركي التقليدي الرافض، آنذاك، لقرار حكومة إسرائيل في عهد مناحيم بيغن من العام 1981 بفرض وتطبيق القانون الإسرائيلي على هضبة الجولان. ورد البيت الأبيض على طرح نتنياهو ببيان، صدر بعد اللقاء، أكدت فيه إدارة أوباما أنها لم تغير موقفها من الجولان ومن القرار الإسرائيلي المذكور.

وفي 16 إبريل/ نيسان 2016 عقدت حكومة الاحتلال جلستها الأسبوعية في إحدى مستوطنات الجولان، حيث أعلن نتنياهو خلالها أنه أبلغ وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، "لن نعارض أي تسوية سياسية في سورية شرط ألا يأتي ذلك على حساب الأمن الإسرائيلي، أي أن يتم في نهاية المطاف طرد قوات إيران وحزب الله وداعش من الأراضي السورية، وأنه آن الأوان لأن يعترف المجتمع الدولي بالواقع. بحقيقتين أساسيتين. الأولى أنه مهما حدث وراء خط الحدود فإن خط الحدود القائم لن يتغير، والثاني أنه آن الأوان بعد 50 عاماً لأن يعترف المجتمع الدولي بأن الجولان سيبقى للأبد تحت سيادة إسرائيل".

وأعاد وصول ترامب إلى البيت الأبيض في نوفمبر 2016، الأمل لحكومة نتنياهو بإمكان تحريك مشروع تكريس السيادة الإسرائيلية على الجولان كجزء من أي تسوية قادمة في سورية، بحيث يتم الاعتراف بالضم الإسرائيلي للجولان كجزء من هذه التسوية. وقد حاول نتنياهو، خلال العامين الماضيين، عبر لقاءاته المتكررة مع بوتين الحصول على موافقة روسية على هذا الطرح، إلا أن مثل هذه الموافقة لم تصدر عن الكرملين، الذي يبدو أنه يقترب كثيراً، في الأسابيع الأخيرة، من التجاوب مع المصالح الأمنية والعسكرية الإسرائيلية في سورية، بدءاً من التراجع عن تزويد النظام منظومات الصواريخ المتطورة "أس 400" ولغاية إعلان بوتين الأخير بوجوب مغادرة كافة القوات الأجنبية (بما فيها الإيرانية) من سورية. ويبدو في المرحلة الحالية على الأقل أن التلويح بورقة اعتراف أميركي بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان موجه أساساً لنظام بشار الأسد والضغط عليه لإنهاء الوجود العسكري الإيراني في سورية، وإن كان لا ينفي، في الوقت ذاته، تقدم المباحثات بين نتنياهو وترامب لضم هضبة الجولان كبند آخر في "صفقة القرن".

المساهمون