الخلاف الروسي الإيراني فوق سورية: حسابات موسكو لطرد طهران

الخلاف الروسي الإيراني فوق سورية: حسابات موسكو لطرد طهران

26 مايو 2018
توافق دولي على عدم السماح بتمدد إيران(لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
تتزايد التساؤلات حول حقيقة الصراع الروسي الإيراني في سورية، مع تسريبات عن سعي موسكو لإخراج طهران من هناك، أجّجتها تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال لقائه الأخير برئيس النظام السوري بشار الأسد في سوتشي الروسية، حول ضرورة خروج القوات الأجنبية من سورية مع انطلاق الحل السياسي، قبل أن يعود المبعوث الروسي إلى سورية، ألكسندر لافرنتييف، لتوضيحها، قائلاً إن القصد هو إجلاء القوات الإيرانية وقوات "حزب الله" اللبناني الموجودة في سورية، فضلاً عن الأميركيين والأتراك.

وتدل المؤشرات على أن روسيا، وبعدما نجحت في إعادة تعويم نظام الأسد، وبسط سلطته على أجزاء كبيرة من البلاد، ومع سعيها لحل سياسي يحقق مصالحها هناك، لم تعد بحاجة للوجود الإيراني، الذي يزعج أطرافاً إقليمية ودولية، أبرزها الاحتلال الإسرائيلي، الذي وجّه على مرأى من موسكو ضربات عدة للقوات الإيرانية وحلفائها في سورية. وبالتالي فإن اقتراب مرحلة الحل السياسي، وفق الرؤية الروسية، يستدعي إنجاز تسوية تجد قبولاً غربياً، ويمكن لموسكو عبرها ترجمة نصرها العسكري بمكاسب على الأرض، بما يعني استبعاد طهران من المشهد.

وفي عودة إلى التدخّل الإيراني في الصراع السوري، فقد بدأ منذ انطلاق التظاهرات المناهضة للنظام والمطالبة بالحرية، وكان على شكل مدّ قوات الأسد بخبراء ومعدات مكافحة الشغب وتقنيات مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي والاتصالات والبريد الإلكتروني، بحسب إعلان مسؤولين إيرانيين حينها. وسرعان ما تحوّل إلى تدريب وتسليح مجموعات خاصة للقضاء على الحركة الاحتجاجية، لتكون طهران من بين داعمي الإفراط بالعنف مقابل سحق المتظاهرين، ناقلة آليات تعاملها مع الاحتجاجات التي تبعت الانتخابات الخاصة بها عام 2009.

ومع تطور الصراع في سورية إلى مسلح جراء العنف المبالغ به، بدأ النظام وإيران من خلفه، بالتراجع ميدانياً، على الرغم من زجّ عديد وعتاد عسكري ومليشيات من مختلف المناطق، بدءاً من "حزب الله" اللبناني، وصولاً إلى مليشيات العراقية وغيرها، إلى جانب قوات النظام، فسيطرت المعارضة على أكثر من 70 في المائة من الأراضي، ليأتي التدخّل الروسي نهاية شهر سبتمبر/ أيلول 2015، كمنقذ للوضع الكارثي الذي وصل إليه النظام وحلفاؤه الإيرانيون والمليشيات. وبدا أن روسيا وجدت التدخّل في سورية حينها فرصة للعودة إلى الساحة الدولية، وورقة تفاوض مهمة للتخلص من العزلة الجزئية المفروضة عليها من الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة، وإنهاء مسألة العقوبات الاقتصادية، إضافة إلى تخفيف الضغط عن موسكو في أزمة القرم والحفاظ على وجودها في مياه البحر المتوسط، والأهم من كل ذلك قطع الطريق على كل من يفكر من الخليج العربي وإيران بمد خطوط غاز باتجاه أوروبا.

وفي قراءة لهذا الواقع، تقول مصادر معارضة من دمشق، لـ"العربي الجديد"، إن "الصراع الروسي - الإيراني بدأ منذ بدء تدخّل موسكو، الذي جاء بناءً على تفاهمات دولية، خصوصاً مع الأميركيين والأوروبيين، وبشكل علني عبر اتفاقية وقّعتها مع النظام السوري وأخذت بموجبها قاعدة حميميم في ريف اللاذقية، في حين أن التدخّل الإيراني لم يكن يحمل شرعية دولية، فالإيرانيون ينكرون وجودهم وامتلاكهم لقواعد عسكرية على الأراضي السورية.

وتلفت المصادر إلى أن "هناك خلافاً عميقاً بفلسفة وآليات كل من روسيا وإيران بالتعامل مع الصراع السوري، فقد صبّت طهران كل جهدها على نقل تجربتها القائمة على العقيدة الدينية، ووجود مليشيا خارج المؤسسة العسكرية الرسمية، كالحرس الثوري الإيراني، فأوجدت قوات الدفاع الوطني وغيرها من المليشيات، لكنها فشلت في النهاية في تنظيمها عقائدياً بسبب التنوّع الطائفي في سورية، وبقيت مجموعات من المرتزقة تعيش على النهب والتعفيش والاتجار بالممنوعات، إضافة إلى اتّباع سياسات تغيير ديمغرافي بدت أول صورها في القلمون الغربي عندما قامت إلى جانب حزب الله بتهجير أهالي المنطقة في منتصف عام 2013". أما بالنسبة لروسيا، بحسب المصادر، "فكان توجّهها أن تتم إعادة تأهيل المؤسسة العسكرية الرسمية وعلى رأسها الجيش، لتكون القوة الفاعلة، وعملت على محاولة جذب الشبان السوريين للالتحاق بهذه المؤسسة، محاولةً تجاوز أزمة الثقة بها، عبر إقامة تشكيلات عسكرية جديدة تتبع للجيش، لكن بضمانات روسية، مثل الفيلق الخامس اقتحام، ولكن لم تكن موفقة إلى حد كبير، فبقي الاعتماد ميدانياً على المليشيات في ظل نقص عدد المقاتلين في الجيش".


أما بالنسبة للوضع الراهن، فترى المصادر أنه "بعدما كاد الروس يبسطون سيطرتهم الكاملة على منطقة النفوذ الخاصة بهم، والتي تمت تسميتها بسورية المفيدة، وتضم دمشق ووسط سورية مع مدينة حلب وريفها الجنوبي مع حماة والمدن الساحلية، ما سيتسبب بإلحاق عشرات آلاف الشبان بالخدمة العسكرية من دمشق وريفها وريف حمص، ومع تراجع المعارك وقلة الجبهات، يبدو أن موسكو أكثر استعداداً للاستغناء عن شراكتها مع الإيرانيين، وتنفيذ التزاماتها تجاه إسرائيل أولاً والغرب ثانياً"، موضحة أن "هناك توافقاً دولياً إقليمياً بما فيه مع روسيا حول عدم السماح لإيران بالتمدد في سورية، حتى أن الروس قالوا للمعارضة عام 2013 إنهم لن يسمحوا بالتمدد الإيراني". وتشير إلى أن "هذا الواقع ظهر في التواطؤ الروسي - الإسرائيلي ضد إيران، إذ غضّ الروس النظر عن استهداف الاحتلال الإسرائيلي لمواقع إيرانية، حتى أنهم لم ينبّهوا الإيرانيين"، مضيفة: "تفيد المعلومات بأنه بحجة الضغط الدولي والإسرائيلي، طلب بوتين من الأسد أن يشكر الإيرانيين والمليشيات التابعة لهم ويطلب منهم مغادرة أراضيه دعماً للحل السياسي، حتى أن هناك معلومات عن ضغط الروس على النظام لعدم توقيعه أي اتفاقية تشرعن الوجود الإيراني في سورية كتلك التي منحت الروس وجوداً لـ49 عاماً قابلة للتجديد لـ25 عاماً إضافية".

ولكن لماذا تسعى موسكو الآن لإخراج طهران من سورية؟ تشرح المصادر السورية، لـ"العربي الجديد"، أن الروس يعلمون أن الوجود الإيراني "لن يسمح لهم بتحويل نصرهم العسكري إلى إنجاز سياسي مقبول من الغرب، ما سيحرم موسكو من جني مكاسب كانت تعتقد أنها ستجنيها خلال ثلاثة أشهر، كما أعلنت يوم دخولها سورية، وها هي تجاوزت الثلاث سنوات ولا تزال تنتظر المكاسب، التي يبدو أنها لن تتحقق إلا بعد إخراج الإيرانيين وإنجاز الحل السياسي على أساس جنيف1 والقرار الأممي 2254"، مضيفة: "هذا كان مطلب بوتين الرئيسي من الأسد، إذ تعهّد الأخير بالالتزام بالحل السياسي وإرسال قائمة بممثليه في اللجنة الدستورية التي أقرت في مؤتمر سوتشي وتبنّاها المبعوث الدولي الخاص ستيفان دي ميستورا، حيث يُعتبر الدستور والانتخابات إحدى السلال الأربع المطروحة على طاولة مباحثات جنيف، والمدخل الرئيس لشرعنة الحل السياسي".

وحتى اقتصادياً، تقول المصادر: "يضيّق الروس على الإيرانيين، ويبدو أن وجود طهران في سورية قد يكون سبباً رئيسياً في تأخر تمويل إعادة الإعمار في سورية، والذي ربطه الغرب بإنجاز الحل السياسي، ما يعني أن كل العقود الاقتصادية التي وقّعها الروس مع النظام، ستبقى حبراً على ورق طالما أن ليس لها تمويل".

المساهمون