الهدف التالي للنظام السوري وروسيا... درعا أم ريف حلب؟

الهدف التالي للنظام السوري وروسيا... درعا أم ريف حلب؟

22 مايو 2018
استعدادات لنقل "قوات النمر" لريفي حلب وحماة(لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -


مع خروج آخر دفعات المهجرين من مناطق ريف حمص الشمالي وريف حماة الجنوبي، تثار تساؤلات حول الهدف التالي لقوات النظام السوري وروسيا وسط تلميحات وتسريبات عدة تشير إلى الشمال أو الجنوب السوري، فيما يبدو أنها محاولات لجس النبض قبل البت في الهدف التالي، أو ربما أكثر من هدف في آن واحد.

وفي حين صدرت تصريحات متناقضة عن مسؤولين روس تشير إلى الجنوب السوري، ومحافظة درعا تحديداً، فقد علمت، "العربي الجديد"، من مصادر مقربة من النظام أن الهدف التالي لقوات النظام قد يكون ريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي في الشمال السوري. وأوضحت المصادر أن القادة العسكريين في "قوات النمر"، إحدى أبرز المليشيات التابعة للنظام، أبلغوا عناصرهم بأن وجهتهم التالية بعد ريف حمص الشمالي  ستكون نحو ريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي، حيث تسيطر فصائل من المعارضة السورية، و"هيئة تحرير الشام". وأضافت المصادر أن "الاستعدادات بدأت لنقل قوات النمر خلال الأيام المقبلة إلى تلك المناطق"، معتبرة أن "قوة حملة النمر تأتي من حزم قائدها سهيل الحسن، وإشرافه المباشر على إدارة المعركة، واهتمامه بالمقاتلين الذين يقاتلون معه، إضافة إلى الدعم الروسي العسكري غير المحدود له". وقالت "إننا في الحملة لا نتقدم إلا بعد أن تكون المنطقة المقرر التقدم فيها قد حرقت بشكل كامل، وتم مسحها عبر طائرات الاستطلاع. وعقب إعطاء أوامر التقدم، يتم التقدم خطوة خطوة. وفي حال اكتشاف هدف معاد يتم التعامل معه عبر تطبيق خاص، إذ يتم رصده وقصفه عبر الطيران أو المدفعية خلال 3 دقائق كحد أقصى، وغالباً يتم قصفه في الدقيقة الأولى. خلال عمليات الغوطة الشرقية لم يقتل أي من مقاتلينا جراء الاشتباك مع العدو، ومن قتلوا، وعددهم لا يتجاوز أصابع اليدين، قضوا جراء العبوات الناسفة".

من جهته، لم يستبعد عضو وفد المعارضة السورية إلى مفاوضات أستانة، العقيد فاتح حسون، هذا الاحتمال، قائلاً إن "الروس لا عهد لهم ولا ذمة، ولا يلتزمون بأي تعهد أو ميثاق، ولا تتأمل منهم الكثير ولا القليل". وأوضح، لـ"العربي الجديد"، أنه لم يحضر اجتماع أستانة الأخير، ولا يعلم ما إذا كان تم التطرق إلى هذه الأمور خلال الاجتماع. غير أن عضو وفد المعارضة السورية إلى أستانة، أيمن العاسمي، قال، لـ"العربي الجديد"، إن "اللقاء في أستانة تركز على تجنيب إدلب والمنطقة الجنوبية أية معارك ومنع النظام والمليشيات الإيرانية من اجتياحهما تحت حجج واهية، بغية دفع مسار جنيف حتى يكون أكثر فاعلية خلال أشهر قليلة". وعما إذا كان الروس تعهدوا ألا يكون هناك عمليات عسكرية جديدة في المناطق الخاضعة لاتفاق "خفض التصعيد"، قال العاسمي إن الروس "لا يريدون عمليات عسكرية، لكنهم يريدون الوصول إلى اتفاق بشأن معبر نصيب الحدودي مع الأردن"، مشيراً إلى أن "الغياب الأميركي عن اجتماع أستانة الأخير تسبب في حالة عصبية لدى الروس، وقرروا نقل الاجتماعات المقبلة إلى سوتشي الروسية، وهو ما رفضته المعارضة".


وحول عدم احترام روسيا لاتفاق "خفض التصعيد" الذي وقعت عليه، قال العاسمي إن "الوضع في مناطق الغوطة وريف حمص الشمالي وحماة الجنوبي، يختلف بعض الشيء عن إدلب وريف حلب الغربي وجنوب سورية. ذلك أنه في المناطق الأولى لم يكن هناك شريك خارجي للضامن الروسي، أي أن روسيا تولت وحدها تفسير وتطبيق اتفاق خفض التصعيد، بينما في الحالة الثانية هناك شريك إقليمي (تركيا)  كما هو الحال في إدلب وريف حلب الغربي، أو شريك إقليمي ودولي، متمثل في الولايات المتحدة والأردن، كما هو الحال في الجنوب السوري، وبالتالي فإن روسيا لا تستطيع تفسير الأمور على هواها في هذه الحالة". ورأى أن الأمر الملح اليوم هو المحافظة على إدلب ودرعا، و"هذا الأمر هناك اتفاق حوله مع الأتراك والأردنيين، والروس أيضاً وافقوا، وقالوا إنهم سيساعدون على تجنيب المنطقة أية عمليات عسكرية، ويساعدون الجيش التركي على تثبيت الاستقرار".

غير أن مصدراً عسكرياً قريباً من المعارضة رأى، في حديث مع "العربي الجديد"، أن من المنطقي الافتراض أن النظام وروسيا سيتوجهان إلى الشمال السوري في المرحلة المقبلة، حيث هناك اليوم أربع مناطق رئيسية، اثنتان منها ربما تغريان النظام لضمهما، وهما ريف حماة الشمالي وريف حلب الغربي، حيث حاول النظام بالفعل، مدعوماً من روسيا والمليشيات الإيرانية، خلال الفترة الماضية، تحقيق تقدم في هاتين المنطقتين، لكنه أحرز نجاحاً محدوداً في الأولى، وأقل منه في الثانية. وأوضح المصدر أن هاتين المنطقتين، وإن كان من المفترض أنهما تدخلان في اتفاق "خفض التصعيد" وقد نشرت تركيا أخيراً نقاط مراقبة بالقرب منهما، إلا أن النظام، وبدعم مراوغ من روسيا، لن يتوقف على الأرجح عن محاولاته ضم هاتين المنطقتين، ونجاحه يعتمد على مدى الحزم التركي في مواجهة ذلك.

من جانبه، قال الناشط الإعلامي في ريف حلب الجنوبي، عمر الجنوبي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن النظام "يسيطر على غالبية الريف الجنوبي من ناحية الحاضر وتل ضمان وحاجب وبنان الحص، في حين ما زالت ناحية الزربة خارج سيطرته، وهي قريبة من الطريق الدولي". وأوضح أن ما تبقى من ريف حلب الجنوبي، وهو تضم قرابة 16 قرية تسيطر عليها "هيئة تحرير الشام" بشكل شبه كامل، وهي قرى مفتوحة على ريف حلب الغربي وريف إدلب الشرقي، ويعيش بها نحو 100 ألف شخص يعملون في الزراعة والرعي، في ظل أوضاع اقتصادية وإنسانية سيئة بشكل عام. وينتشر الجيش التركي حالياً في جبل العيس، وهو أعلى نقطة في المنطقة، وهو يبعد عن مناطق تمركز النظام نحو 3 كيلومترات، حيث تتواجد قوات لـ"حزب الله" وأخرى إيرانية في جبل عزام ومحطة وقود عزام. وقد شهدت المنطقة خلال الفترة الماضية قصفا مدفعياً، إلا أنه توقف الآن، وفتح النظام معبراً تجارياً في المنطقة. ورأى الناشط الإعلامي أن وجود الجيش التركي يمنح الأهالي بشكل عام شعوراً بالأمان وعدم وجود خطر التهجير "إلا أنه في حال كان هناك تفاهم دولي وانسحب الأتراك فقد نكون معرضين للتهجير كما حدث في مناطق الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي وغيرها".

ورأى مراقبون أن نقطة المراقبة الأخيرة للجيش التركي في قرية اشتبرق في ريف إدلب الغربي، تحظى بأهمية جغرافية كبيرة، كونها تشرف على سهل الغاب في ريف حماة وسط سورية، وتطل على مدينة جسر الشغور في ريف إدلب، وقد تمنع محاولة قوات النظام السوري التقدم نحو المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية في ريف إدلب الجنوبي. وكذلك الأمر في ريف حماة الشمالي، مع نشر نقاط لمراقبة اتفاق "خفض التصعيد" من جانب تركيا في مناطق سيطرة المعارضة، ومن جانب روسيا في مناطق سيطرة النظام. ولعل من بين التطورات التي تظهر ملامحها في محافظة إدلب، هي التجهيز لفتح طريقين استراتيجيين في الشمال السوري، الأول هو طريق دمشق- حلب الدولي، والثاني طريق حلب- غازي عنتاب، الذي يمر عبر مناطق تسيطر عليها فصائل المعارضة المتمركزة في الريف الشمالي، وصولًا إلى الأراضي التركية.



وبالنسبة للجنوب السوري، والذي يعيش حالة مد وجزر مع التهديدات المتكررة من جانب مصادر تابعة للنظام وروسيا بعملية عسكرية في المنطقة، لا تبدو التطمينات التي تلقاها وفد المعارضة في أستانة، كما أوضح أيمن العاسمي، كافية لتبديد المخاوف من عملية عسكرية وشيكة في الجنوب. وقد ترددت أنباء مفادها أن روسيا وقوات النظام أمهلا فصائل المعارضة في بلدة محجة بريف درعا الجنوبي يومين لتشكيل وفد لمناقشة وضع البلدة، من دون إبلاغهم ماهية الاجتماع المقترح. وتوقعت مصادر أن يكون هدف النظام "جس النبض" بشأن عملية مصالحة مشابهة لما حصل في المناطق الأخرى. وأفاد "تجمع أحرار حوران" أن الروس أبلغوا مجلس محجة المحلي بالطلب عن طريق رئيس بلدية محجة السابق الموالي للنظام، بعد اجتماعهم معه في مدينة درعا. وكان مصدر عسكري من بلدة محجة قال، في وقت سابق، إن الفصائل "رفضت إبرام اتفاق مصالحة" مع قوات النظام، برعاية روسية. وقال ناشطون إن الروس يحاولون الاستفراد بالبلدة المحاطة بمواقع عسكرية تابعة للنظام، عبر التلويح بعمل عسكري قد ينجم عنه تهجير نحو 30 ألف مدني يقطنون البلدة. وأكدوا أن تهديداً مماثلاً تم توجيهه أيضاً إلى قرية النجيح في ريف درعا الشرقي. وجاء هذا بعد يوم من إلقاء مروحيات النظام مناشير على سكان درعا، حضتهم فيها على المصالحة، ولوحت بالتدخل العسكري. وعادة ما تعمد قوات النظام إلى إلقاء المناشير في المناطق السورية، قبل بدء عملية عسكرية. ويرى النظام، ومعه روسيا، أن مناطق "خفض التصعيد" لا تعني تخلي النظام نهائياً عن هذه المناطق، بل هو تدبير مؤقت لتخفيف العنف والتوتر. يأتي هذا في وقت أعلن المبعوث الأممي الخاص إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، أن الأمم المتحدة تخشى المزيد من التصعيد في سورية، خصوصاً في إدلب ودرعا، وهو ما "يجعل ليس فقط المدنيين السوريين في خطر، ولكن المجتمع الدولي ككل"، مشيراً إلى أنه يدرس تقديم خيارات من أجل تحديث العملية السياسية في جنيف.

المساهمون