أزمة "نزاهة الانتخابات" تهدد بفصل جديد من الخلافات العراقية

أزمة "نزاهة الانتخابات" تهدد بفصل جديد من الخلافات العراقية

18 مايو 2018
تظاهرات في كركوك رفضاً لنتائج الانتخابات (علي مكرم غريب/الأناضول)
+ الخط -
على الرغم من عدم إعلان نتائج الانتخابات التشريعية العراقية رسمياً، تصاعدت وتيرة الدعوات لإعادة عملية العد والفرز إلكترونياً، أو إعادة جزئية للانتخابات في المحافظات التي سجلت أكبر قدر من المخالفات والخروقات الانتخابية، وصولاً إلى مطالبات بإلغاء الانتخابات بشكل كامل واعتبار حكومة حيدر العبادي حكومة تصريف أعمال، قبل أن يتم الإعلان، عصر أمس، عن دعوة البرلمان إلى عقد جلسة طارئة، غداً السبت، من أجل مناقشة ملف الانتخابات واتهامات التلاعب والتزوير.

ويستبق ذلك إعلان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عن النتائج النهائية في وقت لاحق من اليوم، الجمعة، كما أعلنت ذلك في وقت سابق بعد تأخير استمر خمسة أيام، خالطته شكاوى بلغت، حتى مساء أمس الخميس، 482 شكوى، بينها مصنّفة على أنها حمراء تتعلق بعمليات تزوير وتلاعب بنتائج الانتخابات في بابل والأنبار وصلاح الدين وكركوك ونينوى، وعمليات عرقلة وصول ناخبين وترهيب آخرين، وافتعال مشاكل في أجهزة التحقق الإلكترونية، وتحيّز موظفي ومدراء مراكز اقتراع لصالح كيانات وأحزاب معينة.

في المقابل، فإن الحراك القائم حول الانتخابات ونزاهتها يبدو بعيداً عن الحراك السياسي حول التحالفات لتشكيل الحكومة الجديدة بين الكتل الرئيسية التي حصدت أعلى عدد مقاعد، وفق النتائج الأولية، وهي "النصر" و"سائرون" و"الفتح" و"الوطنية" و"الديمقراطي الكردستاني".
وكشف مسؤول عراقي رفيع في بغداد لـ"العربي الجديد"، أن الأمم المتحدة دخلت على خط الأزمة العراقية بعد مطالبة عدد من الكتل السياسية لها بإبداء رأي حول الاتهامات الموجهة بتزوير أو تلاعب بنتائج الانتخابات، لافتاً إلى أن بعثة الأمم المتحدة لم تصدر كعادتها أي تقرير ميداني عن سير العملية الانتخابية حتى الآن. وأشار إلى أن هيئة النزاهة باشرت عملها أيضاً، الخميس، في التحقيق، وزارت عدداً من مخازن مفوضية الانتخابات وسجّلت لقاءات مع موظفين وحققت مع آخرين من اللجنة الفنية المسؤولة عن أجهزة العد والفرز الإلكترونية، لافتاً إلى توقعات بحصول اعتقالات لمتورطين في خروقات انتخابية خطيرة.


ومع انقضاء المهلة القانونية لإعلان نتائج الانتخابات، وهي 48 ساعة بعد الانتخابات، من دون الإعلان عنها، اندفعت أحزاب وتحالفات عديدة للتشكيك بنزاهة مفوضية الانتخابات، والمطالبة بالعودة إلى نظام "العد والفرز اليدوي"، خصوصاً مع تسرب مقاطع فيديو تظهر أشخاصاً داخل أحد المراكز الانتخابية وهم يصوّتون على عشرات الاستمارات الانتخابية لصالح أحد الأحزاب. عدا عن أن غالبية هذه الأحزاب والقوى شككت بنسبة المصوّتين واعتبرتها مبالغاً بها بعد إعلان المفوضية مشاركة ما يزيد عن 44 في المائة من العراقيين بالانتخابات.

ويطالب تحالف "الفتح"، وهو الممثل السياسي لمليشيا "الحشد الشعبي"، بالعودة إلى "العد اليدوي"، بعدما تعرّض إلى ما اعتبره نكسة غير متوقعة في الانتخابات، إذ كان يأمل بحصد أصوات غالبية الناخبين العراقيين في الجنوب والوسط. وقال القيادي في "الفتح"، رزاق الحيدري، لـ"العربي الجديد"، إن "الانتخابات التي جرت لم تكن نزيهة، وحصلت فيها خروقات فاضحة، ولاحظ مراقبونا للعملية الانتخابية من خلال مشاهدات حقيقية، حالات تزوير كثيرة، فضلاً عن الضغوط التي مارستها بعض الجهات المشاركة في الانتخابات على عراقيين من مكوّنات تُعتبر من الأقليات في بعض مدن البلاد، لانتخاب شخصيات وأحزاب معينة". وأضاف: "كنا نعتقد أن استخدام جهاز العد والفرز الإلكتروني سيُسهّل العملية، ويجعلها ذات شفافية ونزاهة، إلا أن ما حدث هو العكس تماماً، الأمر الذي دفع الكثير من العراقيين إلى العزوف عن الانتخابات".

ولفت الحيدري إلى أن "المطالبة بالعودة إلى نظام عدّ الأصوات يدوياً، وإخضاع مفوضية الانتخابات لهذا الأمر، سيكشف عن حقائق مخزية عما حدث في الانتخابات من عمليات سرقة للأصوات من قبل جهات تريد أن تكون في الصدارة بين الأحزاب والتحالفات". وأشار إلى أن "الجهات التي أجبرت الناس على انتخاب شخصيات معينة وأحزاب محددة في بعض مناطق العراق، تمتلك القوة والسلاح، كما أن بعض العشائر أجبرت مواطنيها والمنتسبين إليها على انتخاب أحزاب معينة بعد تعاون بعض الوجهاء مع هذه الجهات المتنفذة، ومن المؤسف القول إن الديمقراطية في العراق بدأت بالانحدار".

رفض نتائج الانتخابات، تطور إلى خروج متظاهرين في محافظة كركوك. وحاصر المتظاهرون من المكوّن العربي والتركماني، وغالبيتهم من "الحشد الشعبي"، وهم جماهير تحالف "الفتح"، مقر المفوضية العليا للانتخابات، السبت والأحد، متهمين إياها بالتحيّز لصالح الكتل والأحزاب الكردية في المدينة، ومطالبين بوقف العد الإلكتروني لأصوات الناخبين، وإجراء عد وفرز يدوي. فيما حذّر مسؤولون من حالة فوضى في كركوك، في حال عدم حل أزمة نتائج الانتخابات فيها. في المقابل، دعت مفوضية الانتخابات، الأحزاب والتحالفات السياسية إلى احترام نتائج الانتخابات والمحافظة على السلم الداخلي، مطالبة المعترضين على النتائج بتقديم الطعون الخاصة بشكل رسمي، واتّباع النهج القانوني في ذلك.


لكن القيادي في "ائتلاف دولة القانون" سعد المطلبي، طالب بإعادة الانتخابات بكاملها في حال عدم الوصول إلى أجوبة مقنعة من قبل المفوضية بملفات التزوير الذي حصل والخروقات العديدة والتلاعب بالنتائج. وقال المطلبي لـ"العربي الجديد"، إن "مطالبتنا بالعودة إلى نظام الفرز اليدوي جاءت بعد فشل المفوضية بإدارة العملية الانتخابية، وفشل الجهاز الإلكتروني الذي استُخدم، فضلاً عن عدم تدريب المفوضية للعاملين لديها على الأجهزة".

وأضاف: "من غير المعقول أن تُعلن المفوضية نتائج 95 في المائة من نتائج الانتخابات خلال اليوم الأول، فيما تبقى نتيجة 5 في المائة فقط لأربعة أيام، هذا يدل على وجود تلاعب"، لافتاً إلى "وجود مافيات داخل المفوضية وذلك بالاعتماد على اعتراف أحد أعضائها". وتابع: "توجد نصف مليون ورقة انتخابية تم إهمالها، وبعضها تم استغلالها، ما يعني وجود نصف مليون عراقي حُرموا من حق المشاركة بالانتخابات، وهذه فضيحة كبيرة".
وأعلن أنه "إذا لم يصدر من المفوضية خلال الأيام الحالية توضيح رسمي بشأن التلاعب الذي حصل بالانتخابات، ولم تتم الإجابة على الطعون القانونية المقدّمة من قبل أحزاب غير راضية على أداء المفوضية، فإن إعادة الانتخابات بالكامل ستكون خيارنا بعد موافقة الأحزاب الباقية... وإذا اعترض تحالف سائرون، وهو الرابح حتى الآن بالنتائج، فاعتراضه غير مهم، لأنه لا يمثل الأغلبية".

أما "ائتلاف الوطنية"، بزعامة نائب رئيس الجمهورية إياد علاوي، فهاجم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، متهماً اياها بأنها "ركيكة ومخترقة". وقال الائتلاف في مؤتمر صحافي عقده مسؤول فيه في بغداد أمس الخميس، إن "مراكز الاقتراع كانت مخترقة من الكيانات السياسية المهيمنة على السلطة". وأضاف أن "الائتلاف لديه العديد من الخروقات والملاحظات التي تم تسجيلها، منها عدم السماح لمحدثي بطاقاتهم بالتصويت في مراكز الاقتراع، إضافة إلى تعمّد تعطيل الأجهزة الإلكترونية، كما لم يتم السماح للمهجرين بالإدلاء بأصواتهم، فضلاً عن عدم السماح لمراقبينا باستلام النتائج". ولفت إلى أن "العديد من المناطق في بغداد وغيرها من المحافظات التي نملك فيها شعبية، لم يُسمح فيها للمواطنين بالإدلاء بأصواتهم، كما أن التصويت في الخارج شهد عمليات تزوير، ولدينا أدلة على ذلك في اقتراع العراقيين في الإمارات"، مضيفاً "النتائج الحالية غير حقيقية، وهي باطلة". وشدد على أن "نسبة المشاركة، وفق إحصاءات عالمية، هي 20 في المائة، لكنها رُفعت بقدرة قادر إلى 44.5 في المائة"، مطالباً بإعادة الانتخابات وبإلغاء نتائجها، وتشكيل حكومة تصريف أعمال.

في المقابل، يرفض تحالف "سائرون" الذي يقوده زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، وحقق المرتبة الأولى في الانتخابات، وفق النتائج الأولية، العودة إلى نظام فرز الأصوات يدوياً، معتبراً أن الأحزاب التي لم تكن حظوظها في الانتخابات البرلمانية جيدة، فشلت أمام جماهيرها.
وقال القيادي الصدري صباح الساعدي، لـ"العربي الجديد"، إن "الأصوات التي تشكك في نتائج الانتخابات، لا سيما الأحزاب التي خسرت ولم تحصل على نتيجة مُرضية، من المتوقع أن تُطالب، وعلى المفوضية أن تقوم بإجراءاتها القانونية، وتطبيق التعليمات النافذة حتى نستطيع وإياها أن نمضي قدماً وفق الاستحقاقات الدستورية بتشكيل الهيئات السياسية للدولة".
وأضاف أن "القوى السياسية التي لم تحصل على النتائج التي كانت تتوقعها، لا بد أن تتقبل النتائج وتُراجع سياساتها التي أدت إلى عزوف الناس عن انتخابها"، لافتاً إلى أن "السخط الشعبي الكبير من الأحزاب الحاكمة خلال الفترة الماضية، هو السبب وراء خسارتها للأصوات، وليس التلاعب والتشكيك بالعملية الانتخابية، فالخسارة سببها الفشل الحزبي وإدارة شؤون البلاد، وليست مفوضية الانتخابات".

لكن عضواً في مجلس المفوضين في المفوضية العليا للانتخابات، أكد عدم الانصياع لمطالبة بعض الأحزاب الخاسرة في الانتخابات، واحتساب الأصوات من البداية من خلال العد اليدوي. وقال لـ"العربي الجديد"، إن "المطالبين بنظام العد والفرز اليدوي، لا يدركون أن مطالبهم تقفز على قانون الانتخابات للعام 2018"، مشيراً إلى أن "العد الإلكتروني أثبت نجاحه على الرغم من المشاكل الفنية الكثيرة التي حصلت، والتزوير الذي تتحدث عنه بعض القوى السياسية يحدث بنسب مختلفة في كل دول العالم". وأوضح أن "الحكومة العراقية أنفقت على الأجهزة الإلكترونية 290 مليون دولار، والتي حدّت من عمليات التزوير بشكل كبير، وليس من المنطقي أن نخسر كل هذا المال والجهد والوقت لكي نرضي الأحزاب التي خسرت أصواتها بسبب سياساتها الفاشلة".