العمال البريطاني وشعبية الأسد: صدى روسياً في لندن

العمال البريطاني وشعبية الأسد: صدى روسياً في لندن

18 مايو 2018
تجنّبت ثورنبيري مراراً اتهام الأسد (أدريان دينيس/فرانس برس)
+ الخط -

خرجت وزيرة الخارجية في حكومة الظل العمالية المعارضة في بريطانيا، إيميلي ثورنبيري، بتصريحات مثيرة للجدل، وإن لم تكن مفاجئة، عن مقاربة حزبها للثورة السورية. فقد قالت في مقابلة مع صحيفة "بروسبكت"، إن "الغرب يقلل من شعبية بشار الأسد، وأنه لولا هذه الشعبية لما كان في منصبه". وأضافت الشخصية العمالية المقربة من رئيس الحزب، جيريمي كوربن، في المقابلة، أن "الأسد ما كان ليكون رئيساً لو أن أغلبية السوريين لا تريده، كما قال المتمردون للغرب منذ البداية. إن هناك عمقاً للتأييد للأسد أكبر مما يقره الغرب". وطالبت ثورنبيري جميع القوى الخارجية بـ"الانسحاب من سورية"، قائلة "إنهم لا يقاتلون لصالح السوريين. أي منهم". وتابعت في حديثها الصحافي، أن "الحل السياسي هو الوحيد لإنهاء الحرب الأهلية"، مبدية اعتقادها بأنه "باستطاعة روسيا إحضار الأسد إلى طاولة المفاوضات في جنيف". وقالت النائبة العمالية إنه "يجب على بريطانيا دعم العملية السياسية التي تقودها روسيا في أستانة وسوتشي، إلى جانب تلك التي تديرها الأمم المتحدة في جنيف، وأعتقد أننا يجب أن نعمل مع أي مبادرة يمكن لها أن تنجح، لصالح الأطفال السوريين. لا شيء ثورياً حيال ذلك".

وفي استمرار لموقف زعامة حزب العمال الحالية، رفضت ثورنبيري إدانة الدور الروسي المعرقل لقرارات مجلس الأمن المتعلقة بسورية والهادفة إلى وضع حد للأعمال العسكرية فيها، أو تلك المتعلقة بتقصي الهجمات الكيميائية في البلاد بالقول: "دائماً ما يلجأ الناس لعرقلة القرارات. إذا نظرت إلى عدد القرارات التي عرقلتها الولايات المتحدة، أعني أن هذه هي حال السياسة". مع العلم أن قيادة حزب العمال شدّدت دائماً على أنها "ضد التدخل العسكري الخارجي"، وفقاً للخطوط العريضة للسياسة الخارجية التي وضعها رئيس الحزب في كلمة ألقاها نهاية العام الماضي، مفضلاً العمل من أجل الحل السياسي في الأزمات الدولية. وترجمت القيادة العمالية هذا الموقف بخصوص سورية بـ"التزام الحياد التام من دون دعم أي من أطراف الصراع السوري".



إلا أن هذا الحياد المزعوم كشفت حقيقته طبيعة تصريحات ثورنبيري، حالياً وفي تصريحاتها منذ وصولها إلى حكومة الظل المعارضة عام 2016، عندما أطاح كوربن بهيلاري بن من زعامة السياسة الخارجية لحزب العمال. فثورنبيري تجنبت توجيه اللوم إلى نظام الأسد عندما أثبت استخدام نظامه للأسلحة الكيميائية مراراً وتكراراً، ولطالما اقتصرت تصريحاتها على الإعراب عن أسفها لسقوط الضحايا المدنيين، بينما وصف المجتمع الدولي الاعتداءات بأنها "جرائم حرب". كما تجاهلت حقيقة فشل الجهود الرامية للحل السياسي بسبب تعنت نظام الأسد وإصراره على الحل العسكري، وبدعم روسي. لكن ثورنبيري لم توفر لوماً للأطراف الأخرى، فلدى مطالبتها القوى الخارجية بالرحيل عن سورية عددت الدول المطلوب منها الرحيل "الإمارات والسعودية وإسرائيل وإيران وتركيا وأميركا وبريطانيا – هل نسيت أحداً ما؟"، قبل أن تستدرك على عجل "والروس"، كما نقل الصحافي ستيف بلومفيلد، الذي أجرى الحوار معها.

ولكن كيف أصبح حزب يعتنق عقيدة يفترض أنها تدافع عن حقوق المظلومين في العالم، مدافعاً عن دكتاتورية تبطش بشعبها، وشنت حرباً لم توفر فيها أي نوع من أنواع الأسلحة ضدهم. تكمن النقطة الأولى في معارضة حزب العمال لسياسات الحكومة الحالية المحافظة، والتي يعد الموقف حيال سورية فيها جزءاً من جدل أوسع حول قضايا أخرى، مثل بريكست والنظام الصحي والمهاجرين وغيرها. وبالفعل فإن ثورنبيري لا ترى أنها تدافع عن نظام الأسد، ولكنها ترى دورها وحزبها في تحدي المقاربة الحكومية للوضع في سورية.

كما أن النقاش الداخلي في حزب العمال الذي تلا غزو العراق والفشل في الانتخابات منذ عام 2015، وصل بزمرة عمالية إلى الحكم تلتزم خطاباً شعبوياً عماده السياسة الخارجية المعادية للإمبريالية، أو الإمبريالية الغربية على وجه الدقة. وتمكن كوربن مع مرور الوقت من التخلص من معارضيه وإحكام سيطرته الفكرية والسياسية على حزب العمال. وجاء التخلص من هيلاري بن عام 2016 وتعيين ثورنبيري تكريساً لنجاح كوربن.

ويقول كيلي ستروم، الناشط في حملة التضامن مع سورية في بريطانيا ومحرر نشرة شهرية للنواب البريطانيين عن سورية، لـ"العربي الجديد"، إن "وصول كوربن والمقربين منه لزعامة حزب العمال جلب تياراً عتيقاً من معاداة الغرب والمؤمن بدعم المعسكر الآخر عقائدياً. إلا أن الأمر ليس واضحاً بالنسبة لإيميلي ثورنبيري، فهل موقفها هذا هو إيمان عقائدي مماثل لما يمتلكه كوربن، أم هو محاولة منها لرسم نفسها خليفة لكوربن في زعامة حزب العمال؟".



ويتابع ستروم "والآن مع تأمين كوربن لنفسه، نرى موقف العمال أقرب إلى الموقف الروسي. فهذا الموقف أبعد من مجرد معاداة خط (رئيس الحزب الأسبق توني) بلير أو معاداة التدخل الخارجي، وإنما هو موقف يتناغم كلياً مع أهداف (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين في سورية. وهو ما يمكن مقارنته مع موقف الحزب القومي الإسكتلندي المعارض والذي رفض التدخل الخارجي في سورية ولكنه أيضاً يعارض التدخل الروسي". ولا يقتصر دعم ثورنبيري للخط الروسي على سورية، بل تبنّت الرؤية الروسية في ما يتعلق بتوسع حلف شمال الأطلسي إلى دول البلطيق: إستونيا وليتوانيا ولاتفيا. فعند سؤالها عن رأيها بتوسع الحلف، أجابت "هناك شعور في روسيا بأنهم ليسوا مسرورين بالوضع الحالي". وأضافت "ويستغل بوتين هذا الوضع من خلال لغته وتصرفه الميال للمواجهة".

ورغم إقرارها بأن هذه الدول عانت من احتلال روسي لخمسين عاماً، إلا أنها رفضت أن تدعم نشر حلف الأطلسي لقواته فيها، والتي تضم 800 جندي بريطاني، لحمايتها من أي اعتداء روسي مستقبلي. ويتوافق هذا الموقف مع خط كوربن الذي يدين حلف الأطلسي ويطالب بتفكيكه.

ولكن تصريحات ثورنبيري في نهاية الأمر ما هي إلا خلط للحابل بالنابل، فإدانة التدخل الغربي الإمبريالي أمر، وتأييد رواية إمبريالية روسية تدعم نظاماً يبطش بالسوريين أمر آخر. وما القفزة النوعية في استنتاجات النائبة العمالية من معارضة التدخل الغربي الخارجي إلى تبني رواية الأسد وداعميه من الروس عما يجري في سورية، إلا دليل على منطق أعوج لدى زعامة حزب العمال في أحسن تقدير، أو شراكة في الجريمة ضد السوريين في أسواً حال.

وهو ما دفع كريستيان بينيدكت، مدير الحملات في منظمة العفو الدولية في لندن، للتعليق على تصريحات ثورنبيري لـ"العربي الجديد"، بأنه "ربما تعتقد ثورنبيري أن الانتخابات في سورية حرة ونزيهة وتؤمن بالأرقام السخيفة التي يحصدها الأسد". وأضاف "أنصحها بتوسيع معرفتها والتحدث مع ناشطي حقوق الإنسان السوريين الذين فروا من سورية لأنهم تجرأوا على المطالبة بانتخابات وديمقراطية حقيقية". واختتم بقوله "المهم الآن أن تبين حقيقة تصريحاتها من دون لبس وأن تقر بصعوبة تقييم الشعبية الحقيقية في دولة سجن، حيث يتم سحق المعارضة ويتم تزوير الانتخابات التي يجريها النظام بشكل مستمر".