الشمال السوري عاصمة للمهجرين: قنبلة بشرية يتعمّد النظام تفجيرها

الشمال السوري عاصمة للمهجرين: قنبلة بشرية يتعمّد النظام تفجيرها

18 مايو 2018
أكثر من 100 ألف مواطن هُجروا أخيراً للشمال(محمود طه/الأناضول)
+ الخط -
يقترب الشمال السوري من أزمات إنسانية كبرى، عقب تعمّد النظام وحلفائه تهجير عشرات آلاف المدنيين السوريين إلى مدن الشمال وبلداته، والتي تعاني من وضع اقتصادي صعب، في ظل تراخٍ واضحٍ من قبل المنظمات الدولية المعنية بالشأن الإنساني لتقديم ما يمكنه تخفيف الأعباء عن كاهل هؤلاء المهجرين قسراً من بيوتهم، وهو ما يثير مخاوف من تبعات هذه الأزمات.

وأكد مكتب "منسقو الاستجابة" أن عدد المهجرين إلى الشمال السوري بلغ أكثر من 100 ألف خلال الفترة الممتدة من 15 إبريل/ نيسان الماضي وحتى 15 مايو/ أيار الحالي، ولا تزال عمليات التهجير قائمة، إذ من المقرر تهجير عدد من سكان سهل الحولة، شمال غربي حمص، أي أن العدد مرشح للارتفاع خلال الأيام المقبلة. وأوضح المكتب، وهو تجمّع يضم المنظمات الإنسانية الناشطة في الشمال السوري، ويهتم بشؤون المهجرين قسراً، أن عدد المهجرين من دمشق وريفها بلغ 83214 شخصاً، ومن ريف حمص الشمالي 24473، إلى منطقة الشمال السوري الممتدة من ريف إدلب وريف حلب الغربي، إلى ريف حلب الشمالي، والشمالي الشرقي.

وبلغت حملات التهجير ذروتها الشهر الماضي إثر اضطرار المعارضة السورية إلى إجراء عمليات تسوية مع روسيا في الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق، وفي منطقة القلمون الشرقي، وبلدات في جنوب دمشق، إضافة إلى ريف حمص الشمالي الذي كان أهم معقل للمعارضة السورية في وسط البلاد. وناشد "منسقو الاستجابة" في الشمال السوري، المجالس المحلية والمنظمات والهيئات الإنسانية، والفعاليات الشعبية في مناطق الشمال السوري، المشاركة في تأمين منازل لإيواء المهجرين الوافدين من ريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي.
وتداول ناشطون سوريون، يوم الإثنين الماضي، صوراً أظهرت افتراش عدد كبير من المهجرين من ريف حمص الشمالي الأرض بسبب عدم وجود مراكز إيواء جاهزة لاستقبالهم، خصوصاً بعد تهجير عشرات آلاف المدنيين خلال فترة زمنية قصيرة، وفي ظل تراخٍ من المنظمات الدولية المعنية بالملف الإنساني.

ومن الواضح أن تهجير هذا العدد غير المسبوق إلى منطقة جغرافية ضيقة غير مؤهلة أصلاً لاستقبال مهجرين، سيخلق أزمات إنسانية جمّة، خصوصاً في ظل عدم وجود فرص عمل كافية لهؤلاء المهجرين، وعدم وجود أماكن سكنية في منطقة هي بالأصل متخمة بالسكان، وتعاني من مشاكل اقتصادية بعد سبع سنوات من الحرب. واحتضنت محافظة إدلب، شمال غربي سورية، عدداً كبيراً من المهجرين قسراً، سواء من ريف دمشق أو من مناطق سورية أخرى، إضافة إلى وجود عشرات آلاف النازحين، وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن المحافظة باتت تضم ما يربو على مليوني مدني. أما منطقة ريف حلب الشمالي الشرقي، فهي منطقة مرهقة أصلاً، بعد وجود امتد سنوات لتنظيم "داعش"، لم ينته إلا بعملية "غصن الزيتون" التي قادها الجيش التركي والجيش السوري الحر انتهت بالسيطرة على مدينة الباب أوائل العام الماضي.

ويعاني الشمال السوري من إنهاك على مختلف الصعد، بات يطفو على السطح مع قدوم المهجرين من ريف دمشق وريف حمص الشمالي، من تدني مستوى التعليم، وغياب الخدمات الأساسية، إضافة إلى تراجع كبير في الحالة الأمنية، وعدم الاستقرار. فقد شهدت إدلب اقتتالاً بين "جبهة تحرير الشام" وفصائل تتبع للمعارضة السورية، فيما شهد شمال شرقي حلب أخيراً اقتتالاً دامياً بين فصائل في الجيش السوري الحر، ظاهره خلافات شخصية وباطنه نزاع على النفوذ.


ورأى الباحث في مركز "جسور" للدراسات، عبد الوهاب العاصي، أن هناك ثلاثة عوامل رئيسية تحكم مصير عشرات الآلاف من المهجرين في الشمال السوري، هي الأمان، الموارد المالية، والاندماج. وأضاف في حديث مع "العربي الجديد": "في حال فقدان المهجّرين لعاملين من هذه العوامل الثلاثة سيسهم ذلك إما بقيام جزء منهم بتسويات مع النظام السوري للعودة إلى بلداتهم وقراهم، مثلما حصل مع قسم من أهالي حي الوعر الحمصي، أو يؤدي ذلك إلى محاولة خروجهم نحو تركيا ومنها إلى أوروبا".

ولفت العاصي إلى أن التشديدات الأمنية على الحدود السورية التركية "ربما لن تمنع موجة جديدة من الهجرة قد تشهدها المنطقة"، مشيراً إلى أن وجود هذا العدد الكبير من المهجرين "له تداعيات أخرى محتملة مثل تفشي الفساد والفوضى". وحذر من فقدان تلك العوامل لدى المهاجرين، لأن ذلك "سيكون أرضية خصبة لانتشار الأفكار السلفية الجهادية واستثمارها من قبل تنظيم داعش أو غيره من التنظيمات المتطرفة، كما سيسهّل على النظام السوري اختراق المجتمع المحلي والمنطقة بشراء الولاءات، وسنكون أمام بيئة ملائمة لولادة ضفادع (إشارة إلى بسام ضفدع الذي سلّم بلدة حمورية في الغوطة الشرقية للنظام) تابعين للنظام السوري في أحد آخر معاقل المعارضة".

وفي السياق، أكدت مصادر محلية أن مدينة الباب، كبرى مدن منطقة "درع الفرات"، باتت مكتظّة بالمدنيين بعد وصول المهجرين من مناطق سورية عدة، مقدّرة عدد المدنيين داخل المدينة وحدها بنحو 150 ألف شخص، وهو ما يشكّل عبئاً كبيراً على مدينة تعرّض قسم كبير منها للتدمير إبان عملية تحريرها من تنظيم "داعش" في فبراير/ شباط من العام الماضي. وأشارت المصادر إلى أن المنطقة باتت بيئة مهيأة للاحتراب الداخلي "بسبب وجود عدد كبير من الفصائل المسلحة التي باتت بلا عمل بعد انتهاء المعارك مع قوات النظام والمليشيات التي تساندها، أو مع تنظيم داعش، وهو ما يدفعها للتدخّل في حياة المدنيين من أجل فرض سطوتها عليهم، ما يتجلّى بالحواجز المنتشرة في ريف حلب الشمالي الشرقي، والتدخّل بحياة المدنيين". ورجّحت المصادر أن يؤدي عدم التجانس المجتمعي بعد قدوم مهجّرين من مناطق مختلفة بالعادات والطبائع إلى ريف حلب إلى احتقان، خصوصاً "أن الوضع الاقتصادي السيئ يدفع باتجاه تصادم ما في المستقبل"، وفق المصادر.

وتبدو الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف السوري المعارض، شبه عاجزة عن القيام بمبادرات من شأنها تخفيف العبء الكبير عن كاهل ملايين السوريين في الشمال السوري، على الرغم من قيام الحكومة التركية أخيراً بمحاولات على هذا الصعيد، تحديداً لجهة بناء مستشفيات ومراكز صحية، خصوصاً في ريف حلب الشمالي الشرقي. ويقع الشمال السوري تحت النفوذ التركي المباشر إثر اتفاقات وتفاهمات مع روسيا، ولكن وصول عشرات آلاف المهجّرين قسراً خلال فترة زمنية قصيرة خلق أعباء كبيرة أضيفت إلى أعباء كانت موجودة قبيل وصولهم.
ومن الواضح أن النظام وحلفاءه الروس والإيرانيين تعمّدوا تحويل الشمال السوري إلى "قنبلة بشرية" من خلال إجبار هذا العدد الكبير من السوريين على التوجّه إليه، كي يتحوّل هذا الشمال إلى ميدان اقتتال داخلي، وأزمات إنسانية وفوضى، ليعود النظام إلى هذه المنطقة باعتباره الخيار الأخير أمام سكانها من أجل إرساء الأمن والاستقرار، وبذلك يحقق مسعاه باستعادة السيطرة على هذا الشمال الذي خرج عن سيطرته الفعلية منذ عام 2012.