الصحافة الإسرائيلية: غياب سياسة حكومية للتعامل مع غزة

الصحافة الإسرائيلية: غياب سياسة واضحة لحكومة الاحتلال للتعامل مع غزة و"حماس"

16 مايو 2018
الصحافة: لا يمكن نفي المسؤولية الأخلاقية لإسرائيل عما حدث(Getty)
+ الخط -

انتقلت الصحافة الإسرائيلية الصادرة، اليوم الأربعاء، بعد أن وقفت كليا أمس الأول إلى جانب الجيش وبررت مجزرة الاثنين الأسود، على الحدود الشرقية لقطاع غزة، إلى التساؤل عن المرحلة القادمة في المواجهات وأفق العلاقة بين "حماس" وبين دولة الاحتلال.

واتفق محللون في الشؤون العسكرية والسياسية، على أن الكرة تعود الآن "بعد أن قام الجيش بواجبه"، وهو التعبير المستخدم إسرائيليا لوصف عمليات القنص والقتل في مجزرة الاثنين على الحدود مع غزة، إلى المستوى السياسي والحكومة لتحدد الأخيرة، سياستها تجاه قطاع غزة بشكل واضح ومحدد.

وفي هذا السياق، كرر الكاتب الإسرائيلي عاموس هرئيل في "هآرتس" مقولته بأن الحكومة الإسرائيلية تفيد بأن حركة "حماس" لا تتجه وغير معنية بمواجهة عسكرية، لكنها، أي حكومة الاحتلال لا تملك خطة فعلية لتحسين الأوضاع في القطاع، وهي تفتقر عمليا لسياسة واضحة باستثناء رفضها مطالب حماس.

وكان هرئيل أول من نشر مساء أمس الأول "تبادل رسائل غير مباشرة بين حماس وحكومة الاحتلال، عبر المخابرات المصرية، وربما أيضا بوساطة قطرية، تخللتها تهديدات من حكومة الاحتلال باستهداف قيادات "حماس"، في حال تواصلت المظاهرات عند الحدود الشرقية لقطاع غزة، فيما نقل أن "حماس" أبدت أمس الأول ميلا لتغيير سياسة المظاهرات، مشيرا إلى أن الحكومة الإسرائيلية لم تكن واثقة من صحة نوايا الحركة بهذا الخصوص.

ومع أن الكاتب يقر بأن فحوى هذه التفاهمات ليلة أمس ظلت غير واضحة لأنه أعتبر أن قرار وزير الأمن في حكومة الاحتلال أفيغدرو ليبرمان بفتح معبر كرم أبو سالم، وقيام حكومة مصر بفتح معبر رفح لنقل وتقديم العلاج للمصابين الفلسطينيين هي خطوات يبدو أنه تم تنسيقها بين مختلف الأطراف بهدف تهدئة الأوضاع.

ويشير هرئيل في السياق إلى أن تحرك "حماس" وخطواتها خلال الأسابيع السبع الأخيرة، منذ الثلاثين من آذار تؤكد أن الحركة بقيادة يحيى سنوار وإسماعيل هنية تسيطر سيطرة كاملة على ما يحدث في القطاع.

ويصل هرئيل إلى القول إن الاستخبارات الإسرائيلية تعتقد اليوم أن حركة "حماس" لا تتجه نحو التصعيد، وأن الحركة أرادت من وراء الحراك الأخير في "مسيرات العودة" تحقيق أهداف عينية أهمها إعادة الاعتبار لحق المقاومة الشعبية وإرغام الاحتلال عبر المظاهرات وسقوط الشهداء على القبول بتقديم تسهيلات اقتصادية للقطاع وتسهيلات على حرية الحركة والتنقل للفلسطينيين، بما يساهم في تخفيف ظروف الحصار والأزمة الإنسانية في القطاع.

الأجهزة الأمنية والعسكرية بما فيها الشاباك وقيادة الجيش تدرك حجم تدهور الأوضاع في غزة، بينما يرفض المستوى السياسي تصديق هذه التقديرات، وربما يبدو عاجزا عن القدرة على إحداث تغيير في هذا المجال".

واتفق يوسي يهوشواع في "يديعوت أحرونوت"، مع ما ذهب إليه هرئيل بشأن غياب سياسة واضحة عند حكومة الاحتلال بشأن كيفية التعامل مع غزة ومع سلطة "حماس"، ويقول بالحرف الواحد، بعد منح التأييد الكامل للجيش والمجزرة التي ارتكبها باعتبار ذلك أمرا مفهوما ضمنا: "والآن بعد أن أدى الجيش مهمته وصد المظاهرات تعود الكرة للمستوى السياسي، الذي سيكون عليه أن يبلور سياسة واضحة بشأن غزة، وفي القضايا الإنسانية لرفع الضغط عن السكان المدنيين على المدى القصير والمباشر".



أما المحلل الاقتصادي المخضرم، سيفر بلوتسكر فذهب في "يديعوت أحرونوت" هو الآخر إلى القول إن على إسرائيل الآن، أن تتوجه إلى المجتمع الدولي والعالم العربي ودول الاتحاد الأوروبي ودعوة هذه الدول إلى إطلاق مبادرة شاملة تتضمن اتفاقاً لوقف إطلاق النار، ورفع الحصار، ونزع سلاح "حماس" وفتح المعابر بين غزة ومصر وإعادة السلطة الفلسطينية للقطاع باعتبارها الحكم الشرعي الوحيد في القطاع.

ويرى الكاتب الإسرائيلي أنه بدون ذلك لن يقبل أي طرف كان في حال استمر بقاء "حماس" في السلطة وبقاء الحصار، مع لامبالاة من طرف مصر والسلطة الفلسطينية، بالاستثمار في القطاع استثمارات ضرورية لتطويره وزرع الأمل لسكانه وتبديد اليأس وتهدئة المشاعر".

من جانبه، اعتبر البروفيسور مردخاي كريمنتير في سياق مقال له عن مسؤولية دولة الاحتلال، أنه "حتى لو فرضنا جدلا أن قتل المتظاهرين كان عملية دفاع عن النفس، فإنه لا يمكن إغفال أو نفي المسؤولية الأخلاقية لإسرائيل عما حدث".

وأضاف:" من ناحية المسؤولية الأخلاقية، فقد كان الأمر معروفا مسبقا وبحسب التعبير العبري (العنوان على الحائط)، أي أمام الجميع ولا مجال لتجاهله، أو تجاهل الإدراك المسبق للحكومة لما سيحدث. وبالتالي فإنه لا يمكن القبول بالرواية الرسمية التي تدعي أن التفسير الوحيد للسلوك الخطير الذي عرض الآلاف للخطر يكمن بتحريضهم من قبل حماس".

ويرى الكاتب أن "تأثير حماس قائم بالفعل ولكنه ليس كافيا لدفع الناس لرمي أنفسهم إلى التهلكة. هناك حاجة لوضع مسبق من اليأس العميق حتى يأتي تأثير حماس على آذان صاغية".

وعلى غرار اليسار الإسرائيلي فإن كريمنتسير يسعى إلى توزيع وتقسيم المسؤولية عما يحدث في القطاع بقوله: إن إسرائيل ليست المسؤول الوحيد عن وضع سكان قطاع غزة بل هي أحد الأطراف الذين يتشاطرون هذه المسؤولية. هناك تداعيات وإرهاصات ناجمة عن فشلها على أوضاع الغزيين، فحكومة إسرائيل لم تفعل شيئا لتخفيف مشاعر اليأس لدرجة أن اقتراح الوزير يسرائيل كاتس ببناء ميناء عائم في غزة لم يلق آذانا صاغية في الحكومة".

وختم بالقول "يمكن طبعا توجيه أصابع الاتهام لأطراف أخرى مثل حماس، لكن ذلك لا يلغي مسؤولية إسرائيل، فنحن أمام اختبار لموقف إسرائيل الأساسي من حياة الإنسان لمجرد كونه إنسان بما في ذلك من يناصبونها العداء".

المساهمون