تباينات المواقف الخليجية من الاتفاق النووي: قادة المحور والقلقون

تباينات المواقف الخليجية من الاتفاق النووي: قادة المحور والقلقون

11 مايو 2018
تباينت مواقف دول "مجلس التعاون الخليجي" حول خطوة ترامب(Getty)
+ الخط -
بعد القرار الذي اتخذه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بانسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران، وإعادة فرض العقوبات عليها، تباينت مواقف دول "مجلس التعاون الخليجي" حول الخطوة، فأيدت المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين الموقف الأميركي من الانسحاب وطالبت بفرض مزيد من العقوبات على إيران، بينما جاء البيان الرسمي القطري وسطياً مركزاً على ضرورة حفظ الاستقرار في المنطقة، على أن تكون خالية من أسلحة الدمار الشامل، فيما قالت سلطنة عمان إنها "تتابع" التطورات وتقدر موقف الشركاء الآخرين في التمسك بالاتفاق. أمّا الكويت، فلم تعلّق بشكل رسمي إلا على لسان مصدر في الخارجية لوكالة الأنباء الرسمية. وكما كان متوقعاً، لم يصدر "مجلس التعاون الخليجي" بياناً رسمياً حول الخطوة الأميركية، بل اكتفى الأمين العام للمجلس، عبد اللطيف الزياني، والذي يميل موقفه الرسمي للسعودية، بالتصريح بصفته الشخصية، قائلاً إن موقف الرئيس الأميركي من الاتفاق النووي كان "موقفاً شجاعاً وجاء كرغبة منه بخلوّ منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، ورداً على السياسات الإيرانية العدائية التي تدعم المليشيات في المنطقة".

وفي تفاصيل المواقف الخليجية، جاء الموقف السعودي مؤيداً بشدة للقرار الأميركي، حتى أن السعودية أصدرت بياناً ترحيبياً بقرار ترامب بعد 36 ثانية فقط من الإعلان. ويرى السعوديون أن هذا القرار جاء رداً لاعتبارهم، "كأهم قوة إقليمية" موالية للولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، وخصوصاً أنّ الاتفاق النووي الذي جرى توقيعه عام 2015 قد تمّ بدون علمهم، وهو أمر أدى لاعتراض السعودية وتوتر العلاقات بين النظام الحاكم في المملكة وبين إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. وعملت السعودية منذ وصول ترامب إلى الحكم على حشد حملات العلاقات العامة ومحاولة استخدام كل تركتها الدبلوماسية لتنبيه العالم إلى ما وصفته بخطر الاتفاق النووي وقرار رفع العقوبات الذي مكّن إيران من الحصول على مليارات الدولارات المجمّدة والتي أعيد استخدامها لتمويل المليشيات الموالية لها في العراق واليمن وسورية ولبنان، وهو ما صرح به ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في لقاءاته المتكررة مع وسائل الإعلام الغربية.

أمّا الموقف الإماراتي الذي جاء منسجماً مع الموقف السعودي، فهو ينطلق من اعتبارين، داخلي وخارجي. فعلى الصعيد الداخلي، كانت واجهات الشركات الإماراتية المملوكة لتجار إيرانيين، معبراً للنظام الإيراني كي ينجو من العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليه ما قبل 2015، وهو ما يعني أن إيران قد تستخدم هذه الواجهة مرة أخرى، ما يكسب الإمارات نفوذاً تجارياً وإقليمياً جديداً. أمّا على الصعيد الخارجي، فموقف الإمارات أتى منسجماً مع تحالفها مع السعودية في محور يضمّ مصر ويسعى للسيطرة على المنطقة والتحكّم بقراراتها السياسية، وهو ما تمثّل جلياً في أزمة حصار قطر، وتجاهل دور "مجلس التعاون"، ومحاولة تدميره من الداخل.


ولا يعدو الموقف البحريني كونه تابعاً للسعودية، إذ لا تملك هذه الجزيرة الصغيرة التي باتت مفلسة ومنقسمة شعبياً بعد أحداث فبراير/ شباط 2011 ودخول قوات درع الجزيرة وإعلان قانون الطوارئ فيها، لا تملك رفاهية اتخاذ قرار مستقل في سياساتها الخارجية بسبب اعتمادها الكلي على السعودية.

وجاء البيان القطري الرسمي هادئاً، فقالت الخارجية القطرية إنها مثل بقية الدول الخليجية لم تكن طرفاً في هذا الاتفاق يوماً من الأيام، ولكنها بحكم الموقع الجغرافي وعلاقاتها السياسية والتاريخية مع أطراف الاتفاق كافة، معنية بشكل مباشر بأي تداعيات للقرارات المتخذة. ويأتي البيان القطري متوافقاً مع الظروف السياسية التي تمرّ بها منطقة الخليج العربي، وعلى رأسها أزمة حصار قطر.

ولم تصدر الكويت بياناً رسمياً على لسان وزير خارجيتها أو وكيله الذي اعتاد أن ينوب عنه في إطلاق التصريحات، بل عمدت إلى الحديث على لسان "مصدر في الخارجية الكويتية" لوكالة الأنباء الرسمية "كونا"، والذي قال إن الكويت "تحترم وتتفهم الموقف الأميركي من الانسحاب من المعاهدة"، مضيفاً أنّ الكويت وقت توقيع الاتفاق "رحّبت به وأكّدت أنّه قد يساهم في تعزيز الأمن والاستقرار، رغم إدراكها أنه لا يزيل قلق دول المنطقة جراء السلوك الإيراني السلبي في التعامل معها".

وعكست ظروف التصريح وإخفاء الخارجية الكويتية لشخصية المصرّح، المأزق الذي تعيشه الكويت وصعوبة تعاملها مع الملف الإيراني، إذ إنها لا تريد التصعيد مع نظام تسيطر مليشياته على المحافظات الجنوبية في العراق، والتي تتاخم حدوده الشمالية التي دخل منها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين إلى الكويت بسهولة عام 1990، نظراً لعدم وجود موانع جغرافية واتصال الأرض المنبسطة بين الحدين الكويتي والعراقي. في المقابل، تعتبر القيادة السياسية في الكويت أن لإيران مطامع في هذا البلد، وهي القناعة التي ترسّخت بعد اعتقال الكويت خلية تابعة لـ"حزب الله" اللبناني تعمل على أراضيها عام 2015.

من جهة أخرى، لا تريد الكويت الإيحاء للنظام السعودي بأنها قد تقف مترددة أو غير واثقة من إدانة إيران، خصوصاً في ظلّ السياسة الصدامية السعودية في التعامل مع الملفات الخارجية، وهو أمر قد استخدمه بن سلمان ضدّ حليفه سعد الحريري في لبنان، ولا يستبعد أن يستخدم في الكويت أيضاً.

أمّا عُمان، فتعرّضت لخسارة سياسية جراء انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، وذلك لأنها قامت برعاية جولات من المفاوضات بين الدول الخمس وإيران، بدون علم السعودية وبقية دول "مجلس التعاون الخليجي"، وهو أمر تسبّب بفتور العلاقات بين عُمان والسعودية، إلى حدّ رأت فيه الأخيرة أنّ عُمان "هي عضو مارق في منظومة دول مجلس التعاون الخليجي". وجاء تصريح الخارجية العمانية متزناً ومائلاً إلى الطرف الإيراني، إذ قالت إنها "تتابع تطورات الاتفاق، وتقدّر موقف الشركاء الخمسة بالتمسك به، بما يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار الدوليين". ويأتي الموقف العماني في تأييد الاتفاقية النووية والانفتاح على إيران، نابعاً من رغبتها في خلق توازن سياسي في المنطقة بين أقوى دولتين على ضفتي الخليج العربي، وضمان عدم استفراد أي دولة بموازين القوى.

إلى ذلك، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، الدكتور عايد المناع، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "موقف الدول الخليجية، عدا عُمان، جاء متوافقاً وموحداً في مضامينه، برغم الاختلافات في لغة البيانات تبعاً لظروف كل دولة"، موضحاً أن "المضمون الرئيسي هو أن الاتفاق النووي جرى بدون علم هذه البلدان، ولا بد أن يتم تعديله لضمان وقف السياسات الإيرانية التوسعية في المنطقة والتي حاولت من خلالها تدمير بلدان الخليج العربي".

وفصّل المناع مواقف كل بلد على حدة، قائلاً إن "السعودية والإمارات والبحرين يخوضون حرباً مكشوفة ومفتوحة ضد إيران، بينما لدى كل من الكويت وقطر مصالح واسعة من الصعب التفريط بها مرحلياً، لكن ضمن المبدأ العام فهم يقفون بشكل أو بآخر ضد التوسع الإيراني، فيما تعتبر عُمان هذا الاتفاق إنجازاً سياسياً لها، ولذلك هي تسعى لإنجاحه بكل السبل".