انتخابات 2018: من يحكم جبل لبنان يحكم لبنان

انتخابات 2018: من يحكم جبل لبنان يحكم لبنان

02 مايو 2018
معركة بعبدا مفصلية في الجبل (حسين بيضون)
+ الخط -
"من يحكم جبل لبنان يحكم لبنان"، عبارة طالما ردّدها رئيس الجمهورية الراحل، كميل شمعون (1952 ـ 1958)، للدلالة على أهمية منطقة جبل لبنان في التركيبة اللبنانية، سواء في العامل الجغرافي، لإحاطتها إدارياً العاصمة بيروت، أو في الثقل الديمغرافي، أو الاقتصادي. والمعركة الانتخابية الحالية المقررة في 6 مايو/أيار الحالي، تبقى بالغة الأهمية في كل قضاء أو محافظة (استُحدثت محافظة كسروان ـ جبيل بعد إقرار القانون الانتخابي، لكنها بقيت ضمن دائرة جبل لبنان) فيها، لعدد النواب "الدسم" هناك، إذ تضمّ جبل لبنان بأقضيتها الشوف وعاليه وبعبدا والمتن ومحافظة كسروان ـ جبيل، 35 مقعداً نيابياً من أصل 128 في البرلمان، أي نحو 27 في المائة من المقاعد.

في دائرة جبل لبنان الأولى (جبيل ــ كسروان)، التي تتضمّن 8 مقاعد، 5 للموارنة في كسروان، واثنين للموارنة وآخر للشيعي في جبيل، تبدو المعركة أكثر من هامة لاعتبارات عدة، بدءاً من ترشّح العميد المتقاعد شامل روكز، صهر رئيس الجمهورية ميشال عون، على المقعد المخصص لعمّه، الذي شغر بفعل انتخاب عون رئيساً للبلاد في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2016. خلافة عون في كسروان، جعلت روكز في موقع دقيق، ما حداه إلى الاستعانة بخصوم الأمس للتحالف معهم انتخابياً ضمن لائحة "لبنان القوي" التابعة للتيار الوطني الحرّ، والتخلّي عن التحالف مع "حزب الله" في المنطقة عينها. ترشيح روكز في كسروان لم يكن مفاجئاً، كونه من قضاء البترون أساساً، أي القضاء الذي ينتمي إليه "عديله" وزير الخارجية جبران باسيل. ولتجنّب معركة "صهري" رئيس الجمهورية في البترون، تمّ نقل أحدهما إلى كسروان للحفاظ على حظوظهما بالانتصار، وخصوصاً أن اللبنانيين يعرفون أن العلاقة بين الرجلين، باسيل وروكز، سيئة. لائحة روكز تعاني أيضاً من مشكلة ترشح نائبين سابقين كانا منتميين إلى لوائح عون في كسروان، ضده (جيلبرت زوين ويوسف خليل). كما يعاب على لائحة روكز عدم تمثيل منطقة الجرد الكسرواني بمرشح نيابي، خصوصاً أن هذا الجرد كان رافعة عون في عامي 2005 و2009.

"حزب الله" بدوره شكّل لائحة "التضامن الوطني" المكتملة والتي تهدف فقط إلى إنجاح مرشحه الشيعي. هي لائحة أطلق عليها الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، صفة لائحة "الفدائيين". ومن غرائب الأقدار اللبنانية، أنّ حفل إعلان اللائحة تمّ برعاية منتجع سياحي، طالب فيه صاحبه، روجيه إده، في عام 2006 بـ"اعتقال نصرالله ومحاكمته بسبب جرّه لبنان لحربٍ مع إسرائيل".

ومع افتراق "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" في هذه الدائرة، برزت لائحة "عنا القرار"، التي ضمّت نواباً سابقين بالتحالف مع حزب "الكتائب اللبنانية". وتبدو حظوظها متقدمة قياساً بحظوظ لوائح "التغيير الأكيد" التابعة لحزب "القوات اللبنانية"، ولائحة "كلنا وطني" التي لا تملك الحظوظ الكافية لتحقيق اختراق ما في دائرة صعبة. ومع أنّ الإحصاءات تتضارب في المنطقة، إلا أنّه من المرجّح أن تحصد لائحة "التيار الوطني الحرّ" أكثرية المقاعد النيابية، في مقابل تسجيل اختراقات للائحة "عنا القرار"، وسط ترقّب لاحتمال سقوط مرشح "حزب الله"، وما سيسفر عن ذلك من تداعيات سياسية في المنطقة ثمّ على صعيد التحالف بين "التيار الوطني الحرّ" والحزب. وتضمّ الدائرة 176818 ناخباً، 172707 من المقيمين و4111 سينتخبون في الخارج.

في دائرة جبل لبنان الثانية (المتن)، التي تضمّ 8 مقاعد، 4 موارنة، ومقعدين أرثوذكسيين، ومقعد كاثوليكي، ومقعد للأرمن الأرثوذكس، تبقى المعركة هادئة نسبياً، خصوصاً أنّ لائحة "المتن القوي"، التي تضمّ تحالف التيار "الوطني الحرّ" وحزب "الطاشناق" والحزب "السوري القومي الاجتماعي"، متقدمة على غيرها، في مقابل لائحة "نبض المتن" التابعة لحزب "الكتائب اللبنانية"، ولائحة "المتن قلب لبنان" التابعة لـ"القوات اللبنانية"، ولائحة "الوفاء المتنية" غير المكتملة التابعة للنائب القوي في المتن، ميشال المرّ، ولائحة "كلنا وطني" التابعة للمجتمع المدني واليسار. في الحسابات، إن فوز لائحة "المتن القوي" بأكثرية المقاعد أمر حتمي، في مقابل خشية أساسية على مقعد المرّ، الرجل الذي رافق جميع عهود ما بعد اتفاق الطائف (1990)، والذي لُقّب في يوم من الأيام بـ"سوبر وزير" ولطالما بقي رجل النظام السوري القوي في لبنان. وفي وقتٍ تبدو حظوظ "القوات" قوية لخطف مقعد، فإن حظوظ "الكتائب" تبقى أكبر من الدورات السابقة، في ظلّ احتمال فوزها بمقعدين اثنين، في معقلها التاريخي. أمّا "كلنا وطني"، فحظوظها ضعيفة في تأمين الحدّ الأدنى من الأصوات. ويبلغ عدد الناخبين في هذه الدائرة 179789 ناخباً، 175096 من المقيمين، و4693 سينتخبون في الخارج.


في دائرة جبل لبنان الثالثة (بعبدا)، التي تضمّ 6 مقاعد نيابية، 3 مارونية، ومقعدين شيعيين، ومقعداً درزياً، يعود الجميع إلى "صوابه الانتخابي"، فيتحالف "التيار الوطني الحرّ" مع "حزب الله" و"حركة أمل" ضمن لائحة "الوفاق الوطني"، في مواجهة تحالف للحزب "التقدمي الاشتراكي" و"القوات اللبنانية" و"تيار المستقبل" في لائحة "وحدة وإنماء بعبدا"، بينما يتحالف "الكتائب" ومستقلون في لائحة "سوا لبعبدا"، فيما "كلنا وطني" يشاركون في لائحتهم الثالثة في جبل لبنان. بالنسبة للحظوظ، فإن تحالف "الوطني الحر" و"حزب الله" و"حركة أمل" يبقى متقدماً على غيره، في مقابل إمكانية أكيدة لخطف مقعد قواتي وآخر اشتراكي. مع العلم أن غياب تمثيل الجرد في بعبدا، مماثل لذلك في كسروان، وهو إشارة إلى تركيز الأحزاب على الثقل الديمغرافي الذي تمثله بلديات الضاحية الجنوبية لبيروت، مع عين الرمانة والحدث. وكان "حزب الله" قد رمى ثقله في منطقة الحدث مطلع شهر فبراير/شباط الماضي، لمنع فتنة مذهبية بين المسيحيين والشيعة، بطلاها "التيار الوطني الحرّ" و"حركة أمل"، لذلك عمد إلى تشكيل لائحة موحّدة لتكريس ما أسماه "تفاهم مار مخايل" (التفاهم الموقّع بين عون ونصرالله في 6 فبراير 2006). أهمية القضاء في أنه يضمّ الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل "حزب الله"، في نطاقه الإداري، فضلاً عن كونه مركزاً للقصر الرئاسي في بلدة بعبدا. ويبلغ عدد الناخبين في هذه الدائرة 166157 ناخباً، 161994 من المقيمين و4163 سينتخبون من الخارج.

في دائرة جبل لبنان الرابعة (عاليه ـ الشوف)، التي تضمّ 13 مقعداً نيابياً، 8 منهم في الشوف وهم 3 موارنة، سنيّان، درزيان، ومقعد كاثوليكي، وفي عاليه، 5 مقاعد نيابية، درزيان، ومارونيان، ومقعد أرثوذكسي، تتنافس لائحة "المصالحة" التابعة لتحالف "الاشتراكي" و"القوات اللبنانية" و"تيار المستقبل"، في مواجهة لائحة "الوحدة الوطنية" التابعة للوزير السابق وئام وهاب، ولائحة "القرار الحرّ" التي تضمّ مستقلين مع حزب "الوطنيين الأحرار"، ولائحة "ضمانة الجبل" التي تضمّ تحالف "التيار الوطني الحرّ" والحزب "الديمقراطي اللبناني" بقيادة النائب طلال أرسلان، ولائحة "كلنا وطني" التي شكّلت لائحتها الرابعة في جبل لبنان، فضلاً عن لائحة "مدنية" مشكّلة من مستقلين وحزب "الكتائب". ويبدو وليد جنبلاط، زعيم الشوف وعاليه طيلة الحقبات الماضية، واثقاً من انتصار كبير للائحته، في مقابل بعض الاختراقات للائحة "التيار الوطني الحر" وأرسلان. أمّا المستقلون و"الكتائب"، فإنهم لو تمكنوا من تشكيل لائحة قوية لتمكنوا من تحقيق خرق ما. أهمية معركة الشوف وعاليه، أنها ستسمح ببروز "الجيل الجديد" في الزعامة الجنبلاطية، بقيادة تيمور، نجل وليد جنبلاط، وفي انتهاء مسار عائلة آل شمعون، في حال سقط كميل دوري شمعون نيابياً. كما سيتمكّن العونيون من تحقيق أول اختراق نيابي لهم في المنطقة. مع العلم أنّ ملف عودة المهجرين (اللبنانيين الذي تهجروا من الشوف وعاليه أثناء حرب لبنان عام 1983) لم يُطوَ بعد. فضلاً عن أنه في كل المفاوضات الانتخابية بين العونيين وجنبلاط لم يتمّ التطرّق إلى موضوع المهجرين، بل تمّ التطرق إلى مسألة "الأحجام الانتخابية" فقط. ويبلغ عدد الناخبين في هذه الدائرة 325364 ناخباً، 317025 من المقيمين و8339 سينتخبون في الخارج.



إذا كانت حظوظ المعركة متفاوتة في الدوائر الأربع من جبل لبنان، إلا أنها تبدو أكثر حدّة في بعض زواياها. في جبيل، تكاثرت الإشكالات بين أنصار "حزب الله" والعائلات المعارضة له، وحصل احتكاك بين "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحرّ". في كسروان، بدأت الأموال تظهر بكثافة لدى المرشحين في سياق إغراء الناخبين، كذلك في المتن، الذي أضحى ساحله مركزاً للنفايات بفعل غياب الخطة الحكومية لمعالجة نفايات البلاد. أمّا في بعبدا، فإن "الهدوء" الذي فرضه "حزب الله" بعد إشكال منطقة الحدث في مطلع شهر فبراير الماضي بين حليفيْه، "التيار الوطني الحرّ" و"حركة أمل"، وكاد أن يتطوّر إلى اشتباك ناريّ، بات سيّد الموقف. في الشوف وعاليه، يطمئنّ جنبلاط و"المستقبل" و"القوات" إلى فوزهم، وسط مخالفات عدة في مستشفى سبلين الحكومي من جهة، ومطمر "كوستابرافا" من جهة أخرى.

المساهمون