انتخابات المجر اليوم: أوربان يمدّد لحكم الشعبوية

انتخابات المجر اليوم: أوربان يمدّد لحكم الشعبوية

5698EA23-7F4D-47FA-B256-09D7BCA82E5A
ناصر السهلي
صحافي فلسطيني، مراسل موقع وصحيفة "العربي الجديد" في أوروبا.
08 ابريل 2018
+ الخط -

على طول الطريق الممتد من مطار بودابست إلى وسط المدينة، انتشرت، على مدى أسابيع، يافطات انتخابية ضخمة، مموّلة من الدولة، تمجّد حزب فيكتور أوربان، فيديز، وتحذّر من "مؤامرة اليهودي الأجنبي جورج سوروس".

على تلك الخلفية، يتجه المجريون، اليوم الأحد، نحو انتخابات برلمانية، يشوبها الكثير من الغموض وغياب الثقة في "الديمقراطية الهنغارية"، في ظل رئيس الوزراء فيكتور أوربان، الحاكم منذ 8 أعوام، بالإضافة إلى الفترة بين 1998 و2002.

ولا يروق لأطراف أوروبية كثيرة، سير أوربان، منذ 8 أعوام، نحو "سلطوية غير اعتيادية في الديمقراطيات الأوروبية". وبكثير من الترقب، يتابع هؤلاء التطورات المجرية، باعتبارها "الأهم منذ تغير النظام الاشتراكي في 1989، والأكثر تراجعاً في معايير وشروط انضمام البلد إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2000"، وباتهام مباشر لبودابست بأنها "تسيء فهم ما يعنيه الغرب في مسائل الليبرالية والتحول الديمقراطي".

كذلك لا يُخفي باحثون ومحللون مجريون أن بلدهم يعيش تحت رحمة ساسة اليمين القومي، ونشرهم "مشاعر (وجود) حالة حرب، رغم أن أحداً لا يعادينا أو يحاول قتلنا وشطبنا عن الخارطة، لكن السياسة الرسمية تبثّ هذه الروح منذ 10 سنوات"، بحسب ما يقول روبرت لاسلو، من مركز الفكر السياسي "بوليتكال كابتيال"، في بودابست.

لكن الكلام عن إشاعة "حالة الحرب" يجب ألا يغطي على الفساد المستشري في هذا البلد. ويقول مستثمر وسياسي عربيان، مقيمان في بودابست منذ زمن الاشتراكية، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ الفساد وصل إلى مرحلة ابتياع أملاك كان ممنوعا المساس بها على ضفة نهر الدانوب مثلاً. كما أن تقارير "منظمة الشفافية العالمية" تجزم بأن المجر أصبحت الأكثر فساداً بعد بلغاريا في الاتحاد الأوروبي.

ومن معسكر اليسار الاشتراكي، يصف الناشط السياسي تيبور اغوشتون، في حديث مع "العربي الجديد"، واقع مجتمعه، بأنه "منقسم بشكل خطير، خصوصاً مع استخدام اليمين القومي المتشدد شعارات معاداة العولمة والهجرة، لجذب مزيد من الناخبين، خصوصاً من كبار السن والأرياف، والطبقة المتوسطة المعادية للاتحاد الأوروبي". 

خريطة التنافس... تصميم على المقاس

تنقسم الخريطة الحزبية في المجر إلى معسكرين أساسيين: ليبرالي بميول غربية، وقومي متشدد. وبات حزب يوبيك في أقصى اليمين المتطرف جزءاً من الساحة السياسية، وإن حاول انتهاج سياسة وسط أخيراً. في الخط الليبرالي، الأقرب إلى أوروبا، هناك أجنحة اشتراكي ديمقراطي واجتماعي ديمقراطي، أوروبية الطابع، ويحتل بينها "الحزب الاشتراكي الهنغاري" (MSZP) مكانة متقدمة. وإلى جانبه، هناك الجناح الاجتماعي الليبرالي في الوسط، ويمثله "تحالف الديمقراطيين الأحرار" (SzDSz). وفي المعسكر القومي، نجد "تحالف الشباب الديمقراطيين" (FiDeSz) (حزب أوربان) و"المنتدى الديمقراطي الهنغاري" (MDF) و"حزب الشعب الديمقراطي المسيحي" (KDNP) و"حزب الفلاحين المستقل"( FKGP). أما في جناح التطرف القومي المتشدد، الذي يتجاوز ائتلاف فيديز وحزب أوربان تطرفاً، يوجد حزب "الحركة من أجل هنغاريا أفضل" يوبيك (Jobbik)، الذي تأسس في 2003، ويعتبر نفسه مسيحيا قوميا متشددا، وفاز للمرة الأولى في انتخابات برلمان أوروبا في 2009. وعلى الرغم من كل الانتقادات والاتهامات بأنه "ذو ميول فاشية"، إلا أنه يرفضها ويواصل تقدمه بين الناخبين. وتعطي الاستطلاعات "يوبيك" اليوم بين 16 و17 في المائة.

ولفهم بقاء وتوسع نواة ناخبي فيكتور أوربان، وكتلة تحالف فيديز، فإن مدير "مركز ريبوبلكون للتحليل"، كاشبا توث، الناقد لأوربان وسلطته، يرى أن "بقاء نحو مليوني ناخب على الولاء لفيكتور أوربان شخصياً ولفيديز، عزز حظوظه في الأرياف. وعلى الرغم من فضائح الفساد المستمرة، بقي التأييد كما هو، إذ إن 80 في المائة من الناخبين يؤيدون الجدار الحدودي لمنع الهجرة.

وقد أدخل حزب فيديز تعديلاً على قانون الانتخابات في 2012، ليصبح "مصمماً على مقاسه"، كما يقول منتقدوه. ويعتمد النظام الانتخابي على إلغاء العلاقة بين النسبة المئوية من الأصوات والمقاعد في البرلمان، وبعتبة 5 في المائة من الأصوات كشرط لدخول أي حزب إلى البرلمان. هذا النظام يجعل إمكانية دخول الأحزاب الصغيرة مستحيلاً.

بالنسبة للناشط السياسي تيبور اغوشتون، فإن هذا النظام يجعل أيضاً "من المستحيل على الجيل الشاب أن يؤسس حركاته وأحزابه للمنافسة، بل لا يمكن لحزب واحد أن يواجه فيديز بكل ما يملكه من آلة دعائية، وستكون دائماً مضطرا للبحث عن تحالفات، حتى لو كنت مختلفا مع التيارات الأخرى". وهو أمر تشكو منه شخصيات عديدة من أحزاب وحركات تجد نفسها خارج السباق، مثل حزب "الحوار" بزعامة السياسي المعارض غيرغلي كاركسوني.

الاحتمالات... بلا مفاجآت

روائح وفضائح الفساد ضربت شخصيات عديدة في حزب فيديز أخيراً، وعائلة أوربان، كصهره، ووزراء ونواب وزراء، وفتحت تحقيقات في المنسوب إليهم، حتى في السويد. لكن على الرغم من كل ذلك، تمنح الاستطلاعات الحزب الحاكم بين 52 و60 في المائة من نوايا التصويت، ليشكل حكومة ائتلافية مع حليفه الديمقراطي المسيحي. وعلى الرغم من سعي فيكتور أوربان للحصول على ثلثي الأصوات، لتشكيل أغلبية مطلقة، والاستمرار في تمرير القوانين التي يريدها، إلا أن حراك ما قبل التصويت لا يوحي أنه سيتيح له اكتساحاً برلمانياً تاماً، كما فعل في المرتين السابقتين.

يستند أوربان على الأرقام الاقتصادية في انخفاض ضريبة الدخل والبطالة بنسبة كبيرة عما كانت عليه حين استلم الحكم في 2010. وبعدما كانت تتراوح بين 10 و12 في المائة انخفضت إلى أقل من 4 في المائة، وهي نسبة تفوق نسب بعض دول الاتحاد الأوروبي. لكن في مقابل الإنجاز الاقتصادي، وزيادة دخل الفرد الشهري، تبقى فضائح الفساد إحدى أهم أسلحة الشارع المعارض له. ويضاف إلى ذلك سياساته الشعبوية، التي ينافسه عليها بقوة اليوم حزب يوبيك المتشدد، والتي تلقى الكثير من الغضب الخارجي.

ويستغل الطرفان، يوبيك وفيديز، انقسام المعارضة المجرية في اليسار ووسطه، خصوصاً لدى "الحزب الاشتراكي"، لتسويق حزبيهما عند طبقات وناخبين من معسكر المعارضة. وفي أكبر مفاجأة قام بها زعيم يوبيك، غابور فونا، دعوته أوربان وفيديز إلى "تقديم اعتذار لشعب الروما (الغجر) لأنهم لم يفعلوا شيئاً لتحسين واقعهم الاجتماعي". وهو موقف لافت من يوبيك، الذي بالأصل هو حزب معاد للغجر.

وبالرغم من توقعات "تراجع فيديز بين الناخبين الناقمين"، فإن النظام الانتخابي الذي غيّره أوربان بعناوين قومية، يجعل من الصعب هزيمته كلية "فهو جعل كل شيء تحت سيطرته، بإزالة تقسيم السلطات الثلاث، وتقويض استقلالية القضاء، فهو يسيطر على كل شيء تقريباً في البلد"، بحسب ما خلص إليه الصحافي والكاتب المجري-الأميركي شين لامبيرت.

دلالات

ذات صلة

الصورة

مجتمع

أفادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إنّ ما يقرب من 120 ألف شخص فرّوا حتى الآن من أوكرانيا إلى البلدان المجاورة في أعقاب الغزو الروسي.
الصورة

منوعات

نفت الحكومة المجرية، يوم أمس الاثنين، استخدام أجهزتها الأمنية برنامج التجسس "بيغاسوس" لتعقب هواتف صحافيين وناشطين وسياسيين، رداً على تحقيق نشرته الأحد وسائل إعلام عالمية.
الصورة
0GettyImages-1149807325

اقتصاد

تُعد العاصمة الهنغارية بودابست، واحدة من أكبر المدن الأوروبية المتميزة بفنها، وتصاميمها، وأسلوب حياتها. وهي موطن للكثير من المتاحف، القلاع التاريخية والجسور، فضلاً عن احتضانها مجموعة كبيرة من المطاعم الحاصلة على نجمة "ميشلان".
الصورة
طفل مهاجر في مخيم على الحدود الصربية المجرية- Getty

مجتمع

لم تتمكن الدول الأوروبية بعد من التعامل كما يجب مع المهاجرين. فهؤلاء الهاربون من أزمات بلادهم، يجدون أنفسهم محرومين من حقوق كثيرة في بعض الدول، لا سيما حق اللجوء، بانتظار تقرير مصيرهم

المساهمون