منع واشنطن لمحاسبة إسرائيل: هل حان وقت الجنائية الدولية؟

منع واشنطن لمحاسبة إسرائيل: هل حان وقت الجنائية الدولية؟

08 ابريل 2018
يبقى قتل الفلسطينيين بلا محاسبة (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -

أسقطت الولايات المتحدة الأميركية محاولة جديدة لمحاسبة الاحتلال الإسرائيلي دولياً على جرائمه في حق الفلسطينيين، وهو نهج تسير عليه منذ سنوات في المحافل الدولية، خصوصاً في مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة. فقد أفشلت واشنطن مساء يوم الجمعة الماضي، اعتماد بيان صحافي من قبل مجلس الأمن يدين قتل المدنيين في غزة، وهي المرة الثانية على التوالي التي تعرقل فيها تبنّي بيان صحافي حول قتل المتظاهرين الفلسطينيين العُزل على يد القوات الإسرائيلية، ليدخل ذلك ضمن عشرات المرات التي تستخدم فيها أميركا نفوذها في المحافل الدولية لمنع أي إدانة لانتهاكات جيش الاحتلال. وسُجل سقوط 29 شهيداً فلسطينياً وجرح أكثر من 2850 آخرين بينهم 79 مصاباً بجراح خطرة، في ثمانية أيام، على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، خلال مشاركتهم في مسيرات العودة وكسر الحصار على الحدود الشرقية لقطاع غزة المحاصر.

وأمام هذا الواقع، تتصاعد دعوات الفلسطينيين لقيادتهم إلى نقل ملف جرائم الاحتلال الإسرائيلي المستمرة بحقهم في كافة أماكن تواجدهم، إلى المحكمة الجنائية الدولية، لتقوم بمحاسبة إسرائيل ومطاردة قادتها ومنعهم من ارتكاب مزيد من الجرائم، ووضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته. غير أن الموقف من هذا الملف يختلف بين السلطة التي تؤكد أنها ستستمر بجهودها لإدانة الاحتلال دولياً، وبين حركة "حماس"، التي ترى التوجّه للأمم المتحدة أمراً عبثياً.

ويقول عضو الفريق القانوني في الهيئة الوطنية لمسيرات العودة، يوسف المدهون، لـ"العربي الجديد"، إنّ الولايات المتحدة استخدمت حق النقض الفيتو 34 مرة ضد قرارات تلزم وتدين الاحتلال الإسرائيلي، وهي في دورها هذا تدعم جرائم الحرب التي ترتكبها قوات الاحتلال بتعليمات مباشرة من قيادتها السياسية والعسكرية ضد الفلسطينيين.
ويوضح المدهون أنّ الإدارة الأميركية متوافقة تماماً مع الرواية الإسرائيلية، وما زالت تمارس الدور نفسه والسياسات نفسها تجاه القضية الفلسطينية، لكنه يلفت إلى أنّ إدارة الرئيس دونالد ترامب جاءت لتعلن هذا الانحياز والتوافق بشكل واضح وسافر ومن دون أي خجل.

ووفق المدهون، فإن الخيارات الفلسطينية مفتوحة في الجانب القانوني والسياسي، فيمكن أن تتوجه القيادة الفلسطينية إلى المحكمة الجنائية الدولية وتطالب بفتح تحقيق وتوجيه الادعاء العام لإدانة قادة الاحتلال الذين ارتكبوا المجازر بحق المدنيين العزل. ويشير إلى أنّ الشرعية الأممية تعطي الفلسطينيين شرعية الخروج في تظاهرات للمطالبة بتنفيذ مقررات الأمم المتحدة، ومنها قرار حق عودة اللاجئين، لافتاً إلى ضرورة التواصل الدبلوماسي مع كل جمعيات ومراكز حقوق الإنسان التي تدعم الحق الفلسطيني لفتح قضايا أمام المحاكم الدولية ضد الاحتلال وقادته.
ويرى المدهون أنّه أمام هذه المحاكم يشعر الاحتلال الإسرائيلي وقادته أنهم مطاردون وغير آمنين، وأنهم لا يرتكب الجريمة ويأمنون العقاب، داعياً كذلك إلى توحيد الصف الفلسطيني من أجل وحدة التمثيل القانوني أمام المؤسسات الدولية، تجاه هذه الاعتداءات وتجاه كل ما يرتكب بحق الشعب الفلسطيني.


سياسياً، أعلن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، في بيان أمس، "أننا سنواصل حراكنا القانوني والسياسي السلمي في المحافل الدولية، بما في ذلك تقديم ملفات مجرمي الحرب الإسرائيليين إلى المحكمة الجنائية الدولية، وغيرها من الهيئات الأممية من أجل حماية حقوق شعبنا وتأمين الحماية الدولية له، ومحاسبة الاحتلال على انتهاكاته الممنهجة والمتواصلة للقانون الدولي وفتح تحقيق فوري في جرائمه، يوازيه حراك شعبي سلمي حتى نيل جميع حقوقنا". ودان مواصلة حملة التحريض التي تقودها الولايات المتحدة دفاعاً عن الاحتلال الاستعماري والمجازر التي يرتكبها في أرض فلسطين المحتلة. ولفت إلى أن "الإدارة الأميركية تتغاضى عن استشهاد العشرات من أبناء شعبنا المدنيين العزل الذين يمارسون حقهم الإنساني والسياسي الطبيعي في التظاهر سلمياً من أجل الحرية، وإنهاء الاحتلال الذي دام لأكثر من خمسين عاماً".

من جهته، يقول المتحدث باسم حركة "فتح"، عاطف أبو سيف، لـ"العربي الجديد"، إن استمرار الإدارة الأميركية في عرقلة المشاريع التي تدين الاحتلال يندرج في إطار منع تجريم الاحتلال ومحاولة استخدام كل الوسائل التي تمتلكها هي وحلفاؤها ضد الحق الفلسطيني. ويؤكد أنّ كل المواقف الأميركية، وعرقلتها استصدار قرارين يدينان الاحتلال للجمعة الثانية على التوالي، يجب ألا تثني الفلسطينيين عن مواصلة حراكهم الجماهيري، على الرغم من جرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال حالياً في قطاع غزة.

ويشدد المتحدث باسم حركة "فتح" على أن القيادة الفلسطينية ستواصل جهودها من أجل استصدار المزيد من القرارات الأممية، بالإضافة إلى استغلال القمة العربية التي ستعقد في الرياض لحشد المواقف العربية الداعمة للموقف الفلسطيني في المؤسسات الدولية. ويضيف أن ما ترتكبه إسرائيل يجب عدم السكوت عليه بالمطلق، خصوصاً أن حالات القتل طاولت حتى الصحافيين الذين يحاول الاحتلال منعهم من تغطية جرائمه التي يرتكبها بحق المدنيين في المسيرات الشعبية.

ووفق أبو سيف، تتحرك القيادة الفلسطينية في مسارين، الأول هو استكمال الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، والثاني هو التحرك على صعيد المحاكم الدولية كمحكمة العدل الدولية وغيرها من المحاكم لملاحقة الاحتلال. ويرى أنه لا يوجد الكثير من هوامش المناورة لدى القيادة الفلسطينية، إلا أن مواصلة الحراك السياسي وتواؤمه مع الفعل الميداني هو أمر ضروري في ظل الإدارة الأميركية الحالية التي تتبنّى مواقف في بعض الأحيان أكثر تطرفاً من المواقف الإسرائيلية.

أما القيادي في حركة "حماس"، عضو المجلس التشريعي عن كتلتها البرلمانية، يحيى موسى، فيقول في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه ومنذ نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين، تصدّرت الولايات المتحدة الأميركية مشهد دعم الاحتلال وزودته بالأسلحة والدعم المادي والقانوني في المؤسسات الدولية. ويضيف موسى أن الموقف الأميركي تجاه الاحتلال ازداد وقاحة مع صعود دونالد ترامب إلى سدة الحكم، في الوقت الذي بات فيه الذهاب لمجلس الأمن الدولي بعد أكثر من 900 قرار أممي عبارة عن عبث لن يأتي بجديد.

ويرى القيادي في "حماس" أن حالة العبث في الذهاب للأمم المتحدة تعود إلى التواجد الأميركي داخل مجلس الأمن وإعاقته لأي قرار يدين الاحتلال، فضلاً عن عدم تنفيذ أي من القرارات التي صدرت خلال السنوات الماضية، في حين كانت غالبية القرارات الصادرة عن الجمعية العامة معنوية أكثر من كونها مفيدة. ويشدد على أن التعويل الحقيقي لا بد أن يكون على الشعب الفلسطيني الذي يتقدّم قيادته، إذ بات من الضروري أن تتحرك القيادة الفلسطينية في رام الله من أجل مشاركة الشعب، وأن توقف التنسيق الأمني وأن تدعم صمود الفلسطينيين، لا أن تستمر في فرض العقوبات، وأن تزود مستشفيات قطاع غزة بالأدوية في ظل حالة الانتفاضة القائمة.

المساهمون