عن الأسد الباقي

عن الأسد الباقي

05 ابريل 2018
غارة للنظام على الغوطة في شباط الماضي(عبدالمنعم عيسى/فرانس برس)
+ الخط -
تصريحات ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، عن بقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد، وتسرّب زيارة يده اليمنى في الإبادة والجرائم، علي مملوك، إلى الرياض، ليس فيها مفاجآت، سوى العلنية. في السياق السوري، بتقاطع مع تجربة فلسطينية سابقة، جاء هتاف البداية: "يا الله ما لنا غيرك يا الله"، ليعكس وعياً جمعياً بواقع عربي ودولي. إن سألت الفلسطينيين، عبر تاريخ طويل ومرير، عن ناتج المواقف الرسمية العربية في قضيتهم، فسيكون الجواب "صفراً". الشعوب، بعفويتها ووعيها، تدرك تماماً أهداف تسطيح الأنظمة، وما يسمى "الممانعة"، لقضية فلسطين. الأول بـ"دعم مالي" لـ"منظمة التحرير الفلسطينية"، والسلطة لاحقاً، تزامناً مع "أسرلة" العقل، بتطبيع يُمرّر بالقطارة. والثاني بصواريخ ميكروفونية، لزوم كسب العاطفة، في مبارزة فضحتها الوقائع، وخصوصاً في محاولات تسويق "صفقة القرن". وفي الشعارات يلتقي الجمعان تحت خيمة "أعطينا دم قلوبنا للقضية".

لكن، ما الذي يدفع محمد بن سلمان إلى إعلان موقف واضح عن بقاء الأسد؟ عملياً، نحن أمام مأساة أخرى، وبجهود عبثية، لحرف الأنظار عن استماتة تزييف الوعي، باسم إيران. التشويه الإعلامي، وتلاقي معسكري طهران والأنظمة، على دسّ السمّ بالعسل، ليس سوى سعيٍ متواصل لتثبيت أوتاد الثورات المضادة. في قضايا الشعوب، تقرأ هذه الأنظمة، وأضدادها من جماعة الشعارات الرنانة، من كتاب واحد. ألم يتحوّل المخلوع علي عبد الله صالح إلى "ضرورة قومية عربية" وحليفاً "وطنياً" انقلابياً؟ فلمَ لا يكون كذلك، حليف إيران بالوراثة، بشار الأسد؟ علماً أنه لو كان القذافي على قيد الحياة، لانضم إليهما.

يفهم هؤلاء "الواقعية السياسية" بأنها مُحلّلة لموبقات الانقلابات، وترتيب بيوت الحكم. بالمناسبة، كان حافظ الأسد، بشعارات قومية متضخمة، يرسل صواريخه لطهران لتقصف بغداد في الحرب العراقية ــ الإيرانية، ويستقبل دافعي الشيكات في القنيطرة المدمرة، والتي لم تبن أبداً بأموال ابتزاز الخليج، أي أننا لسنا أمام حالة مستجدة في توريث الخليجيين أوهاماً أخرى عن إمكانية "احتواء" الأسد الابن. لقد جربه السعوديون طويلاً، حتى بعد قتل رفيق الحريري. هل ننسى خطاب "أشباه الرجال"؟

كل الأسئلة عمّن مكّن طهران من التباهي علانية بسيطرتها ونفوذها في عواصم العرب، تقفز أجوبتها العملية أمامنا اليوم، بتبنٍ لسياسة "أنا ومن بعدي الطوفان". خسر العرب "فرصة تاريخية" ليثبتوا قدرتهم أمام الدم السوري منذ 2011. لكن، ما دمنا نحن أمام ركاكة تجريبية، فسيظل الناتج كما هو، إلى أن تُحسم المعركة بين الوعي والزيف.