مصر: قانون ولوائح لإنشاء ذراع عمالي جديد للنظام

مصر: قانون ولوائح لإنشاء ذراع عمالي جديد للنظام

01 مايو 2018
القانون لا يشمل العمال غير المؤمّن عليهم(خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
يبدو أن مشهد آخر انتخابات النقابات العمالية التي أجريت في مصر عام 2006، والتي تم الطعن في شرعيتها، سيتكرر مجدداً منتصف مايو/أيار المقبل، مع الانتخابات المزمع تنظيمها على ضوء قانون التنظيمات النقابية وحق التنظيم رقم 213 لسنة 2017 ولوائحه التنفيذية والاسترشادية. وفي الرابع من أغسطس/آب 2011، أعلنت الحكومة المصرية، ممثلة في وزير القوى العاملة والهجرة، آنذاك، أحمد البرعي، تنفيذ أحكام القضاء ببطلان الانتخابات النقابية للاتحاد عن دورة 2006 -2011، وتشكيل لجنة إدارية مشرفة عليه حتى فترة الانتخابات المقبلة. وقراءة المشهد السياسي الحالي، تنذر بإعادة تصنيع الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، ليكون ذراعاً عمالياً في يد النظام، كما كان ذراعاً عمالياً للحزب الوطني في عهد الرئيس المخلوع، محمد حسني مبارك، حينما كان مجلس إدارته يضم 23 عضواً، منهم 21 عضواً في الحزب الوطني المنحل، وعلى رأسهم عضو لجنة السياسات بالحزب الوطني المنحل، حسين مجاور. وفي محاولة لقراءة مشهد الانتخابات العمالية، قبل نحو شهر من عقدها، تقول الناشطة والباحثة العمالية، مديرة برنامج المشاركة السياسية للنساء والشباب في مؤسسة قضايا المرأة المصرية، فاطمة رمضان، "بشكل عام، لم يعد هناك شرعية قانونية للاتحادات العمالية المستقلة، كما أن القانون ولائحته التنفيذية والاسترشادية، تُحجم النقابات المستقلة بشكل كبير". وترى رمضان أن النظام المصري سيسمح بمشاركة صورية لعدد محدود من النقابات العمالية المستقلة في الانتخابات العمالية المقبلة، من أجل تحسين صورته أمام وفد منظمة العمل الدولية.

وعن أبرز سلبيات ومعوقات القانون ولائحته التنفيذية والاسترشادية، تقول رمضان "أولاً القانون وضع شروطاً تعجيزية لتوفيق الأوضاع بالنسبة إلى النقابات المستقلة للسماح لها بالمشاركة في الانتخابات، ووضع لها اشتراطات مجحفة لم تكن حتى موجودة في القانون القديم". ومن بين تلك الشروط "المجحفة"، على حد قولها، "شرط تقديم كشف بأسماء الجمعية العمومية المعتمدة للنقابة مختومة وموقعة من جهة العمل الرسمية ومن هيئة التأمينات الاجتماعية. وهذا يعني أن أصحاب الأعمال والمؤسسات سيعتمدون قوائم النقابات التابعة للاتحاد الرسمي (الحكومي) الذي تأسس في العام 1957، محاباة للنظام وتجنباً للمشاكل، وبالتالي يتحكم النظام بشكل عام في النقابات المرضي عنها". جانب آخر من الانتقادات الموجهة للقانون "أنه لا يشمل العمال غير المؤمّن عليهم، ويعتبرهم خارج الجمعية العمومية للمنشأة أو المؤسسة، وهو ما يحرم قطاعاً كبيراً جداً من العمالة غير المؤمن عليها وغير المنظمة من أن تكون تحت مظلة نقابية تدافع عنها وعن مطالبها وحقوقها" بحسب رمضان. وتضيف الباحثة العمالية "كما استثنى القانون العاملين في الهيئات المدنية في الشرطة والجيش والقضاء، وكذلك استثنى أصحاب المعاشات".

معضلة قانونية أخرى طرحتها رمضان، وهي عدم أحقية العامل الطعن على رفض أوراق ترشحه أمام مجلس الدولة، وتحويل الطعون للمحاكم العمالية التي تستمر في إجراءاتها لعدة أشهر، أي بعد انتهاء العملية الانتخابية برمتها، على عكس السابق، إذ كان يمكن للعامل الطعن أمام مجلس الدولة بفترة كافية تمكنه من الحصول على حكم لصالحه قبل موعد الانتخابات. أما عن مراقبة الانتخابات "فقد أحكم النظام سيطرته عليها كاملة"، بحسب رمضان، التي فسّرت "نص القانون على أن تتولى لجنة ثلاثية مكونة من قاضٍ وممثل عن اتحاد العمال الحكومي، وممثل عن مديرية القوى العاملة، الإشراف على العملية الانتخابية على مستوى المحافظة بالكامل، وهو ما يطعن في شرعية الانتخابات التي يراقبها ممثل عن اتحاد العمال، الذي من المفترض أن يكون من ضمن المنافسة في الانتخابات وليس في المراقبة". أما على مستوى اللجان "فسيتولى الإشراف عليها موظف من الحكومة أو القطاع العام، بالإضافة إلى ممثل عن اتحاد العمال الحكومي، وموظف في الهيئة أو المؤسسة"، وفقاً للباحثة العمالية.

وفي هذا السياق، تتفق الباحثة العمالية بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية –منظمة مجتمع مدني مصرية- هدى كامل، مع رمضان، في انتقادها لتلك المعوقات. وتضيف "القانون مفصّل على (قياس) الاتحاد العام... وهناك العديد من العقبات أمام النقابات المستقلة من أجل توفيق الأوضاع قبل التفكير بالانتخابات". وتضيف "القانون تشوبه عيوب كثيرة مثل لجان الإشراف المنحازة، لأنها تضم أعضاء من الاتحاد العام، كما أن مواقيت الطعن كفيلة بإضاعة فرصة أي طاعن في اللحاق بالانتخابات". أما عن فرصة مشاركة النقابات المستقلة في الانتخابات المقبلة، فتقول فاطمة رمضان، إنها ضعيفة رغم كل المحاولات، موضحة "لم تقبل وزارة القوى العاملة والهجرة أوراق نقابات مستقلة تقدمت لتوفيق أوضاعها على ضوء القانون الجديد، إلا لنقابتين أو ثلاث فقط".

ومن زاوية أخرى، فإن القانون الجديد اشترط لتكوين نقابة مستقلة، أن تضمن 150 عاملاً على الأقل، وبالتالي فقد استثنى جميع المؤسسات والهيئات التي تضم أعداد عمالة أقل من العدد المطلوب. واللافت أن قانون النقابات العمالية الجديد، طاولته الانتقادات منذ سنوات، كان أبرزها عندما أرسلت حملة "الدفاع عن الحريات النقابية"، وهي مبادرة مجتمع مدني مصرية مختصة بالشأن العمالي، رسالة للاتحاد العربي للنقابات، خلال اجتماعاته بتونس في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، اشتكت فيها من سعي الحكومة المصرية لإصدار "قانون المنظمات النقابية العمالية وحماية حق التنظيم" والذي وصفته بـ"المخيّب للآمال". وقالت الحملة، في رسالتها، إن القانون يعد بمثابة "مفترق حاد عن معايير العمل الدولية، وينطوي على ما يعد انتهاكاً للحريات النقابية، ما يشكل تهديداً لحق العمال المصريين في تكوين منظماتهم النقابية بإرادتهم الحرة". ولفتت الحملة إلى أن المشروع المقدم من الحكومة المصرية وكأنه إعادة صياغة للقانون الحالي، المنتهي الصلاحية، رقم 35 لسنة 1976 وتعديلاته مع إضافة بعض المواد والتنقيحات بعد الانتقادات الشديدة الموجهة لهذا القانون، وتفادياً لملاحظات منظمة العمل الدولية التي أدت إلى إدراج الحكومة المصرية على قائمة الحالات الفردية أعوام 2008، 2010، 2013. يذكر أن آخر دورة نقابية للاتحاد الرسمي، انتهت في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، ومدّ أجلها المجلس العسكري بموجب المرسوم رقم 3 لسنة 2012 في 2 يناير/كانون الثاني 2012 لمدة ستة أشهر، وتم مدّها مرة أخرى لمدة مماثلة بالمرسوم رقم 18 لسنة 2012 في 23 إبريل/نيسان 2012، ومددها الرئيس المصري المعزول، محمد مرسي، لمدة مماثلة بقرار رقم 97 لسنة 2012 بتعديل بعض أحكام قانون النقابات العمالية ومد الفترة النقابية للاتحاد فترة إضافية، بدلاً من إصدار قانون جديد للحريات النقابية. واستمرت قرارات مد الدورات النقابية للاتحاد الرسمي، على هذا الحال.

المساهمون