إغلاق الصحراء الجزائرية: خوف من الإرهاب أم دوافع أخرى؟

إغلاق الصحراء الجزائرية: خوف من الإرهاب أم دوافع أخرى؟

01 مايو 2018
يُمنع وصول السياح إلى الجنوب منذ 2013 (فرانس برس)
+ الخط -
منذ عام 2013 لم تنفذ مجموعات "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" وتنظيمات إرهابية أخرى تنشط في مناطق الصحراء جنوبي الجزائر، أي هجوم في مناطق الصحراء والجنوب، لكنها نجحت في حرمان الجزائر من استغلال المسالك السياحية في الصحراء والتي كان يمكن أن تدر أموالاً إضافية لصالح موازنة الدولة، خصوصاً في ظل الأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها البلاد بسبب انهيار أسعار النفط منذ عام 2014.

ولم تنته حتى اليوم الآثار والتبعات السياسية للهجوم الإرهابي والاستعراضي الذي نفذته مجموعة مسلحة بلغ تعداد عناصرها 33 مسلحاً عام 2013، على منشأة الغاز في تيقنتورين بولاية إليزي، جنوبي الجزائر. وتصر الحكومة على استمرار إغلاق الممرات والمسالك السياحية في الجنوب وفي قلب الصحراء حيث جبال الطاسيلي والنقوش الصخرية والواحات وموطن الإنسان الأول، بسبب استمرار التهديدات الإرهابية وتزايد نشاط المجموعات المتمركزة في شمال مالي والنيجر، كـ"القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" وتنظيم "نصر الإسلام" الذي يقوده الدبلوماسي المالي السابق إياد غالي، وتجنّباً لتكرار عملية خطف 33 سائحاً أجنبياً أغلبهم ألمان في مارس/ آذار 2003 من قبل مجموعة إرهابية كان يقودها حينها عبد الرزاق البارا المعتقل حالياً في الجزائر، نجح الجيش الجزائري في تحريرهم في وقت لاحق. ومنذ عام 2013، تمنع السلطات الوكالات السياحية من استقطاب السياح الأجانب ونقلهم إلى عمق المناطق السياحية في قلب الصحراء، خوفاً من تعرضهم لعمليات اختطاف، إذ تبدو السلطات مهتمة في المقام الأول بتطهير شامل للصحراء من كل وجود للمجموعات الإرهابية، قبل أي انفتاح اقتصادي في المنطقة الجنوبية، التي تعاني إضافة إلى التهديدات الإرهابية، من مشاكل أخرى كتهريب البشر وتجارة الأسلحة وغيرها.

في حوار نشرته صحيفة "المجاهد" الحكومية الجزائرية قبل أيام، أقر رئيس الحكومة الجزائرية أحمد أويحيى بأن الحكومة ما زالت تحظر فتح المسالك السياحية في الصحراء الجزائرية، بسبب الخوف من عمليات خطف لسياح أوروبيين. وأكد أن "وجود السياح الأجانب في الجنوب الجزائري يمكن أن يضر بالسياسة الوطنية لمحاربة الإرهاب". وأشار أويحيى أيضاً في مؤتمر صحافي عقده قبل أيام، إلى أن الجزائر ما زالت تتخوف من تهديدات إرهابية متأتية من الجنوب والساحل، وقال "ربحنا معركة الإرهاب في الداخل لكننا نعيش في دائرة متخمة بالنشاط الإرهابي، إضافة إلى أن الوضع في ليبيا ومالي وغيرهما من دول الجوار ما زال مهتزاً، وهذه الأوضاع لم تسمح للجزائر بإعادة تنشيط السياحة في الصحراء والجنوب، وهي تتخوف من عمليات اختطاف سياح أجانب ومن ردة فعل الدول الغربية لو حدث ذلك"، مضيفاً: "على العاملين في مجال السياحة في الجنوب تفهّم هذا الأمر، ولا نستطيع أن نسمح بذلك في الوقت الحالي".

لا يبدو هذا التصريح متناقضاً فقط مع بيانات القادة العسكريين بشأن انتصار كامل على الإرهاب ودفعه إلى خارج الحدود، خصوصاً في مناطق الجنوب، ولكن أيضاً مع تصريحات المسؤولين السياسيين الذين يعتبرون أن الجزائر بصدد تصدير تجربتها في مكافحة الإرهاب. كما أنه أنتج مواقف غاضبة من سكان مناطق الجنوب التي تُعد السياحة أبرز روافد الاقتصاد المحلي فيها إضافة إلى التجارة، في غياب قطاعات أخرى كالصناعة. ولم يمر التصريح من دون ردود فعل، خصوصاً من مناطق الجنوب نفسها، إذ وجّه نواب في البرلمان الجزائري من الجنوب رسالة استياء إلى أويحيى، طالبوه فيها "بتصويب تصريحاته وفتح المجال أمام الوكالات السياحية في الجنوب وفتح المسالك السياحية المغلقة لجلب السياح من الخارج والداخل دعماً لخزينة الدولة والمساهمة في القضاء على البطالة". وتضمّنت الرسالة التي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها، أن "سياسة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة جعلت الجزائر تتصدى للإرهاب وأصبحت مرجعاً عالمياً، لكن تصريحاتكم الأخيرة والمتعلقة بالسياحة في الجنوب تتعارض مع الحقيقة والواقع، وتنفي جهود أفراد الجيش وأسلاك الأمن المرابطين على الحدود، ولا تتماشى مع برنامج الحكومة التي تعول على السياحة كإحدى البدائل الاقتصادية السريعة لتمويل الخزينة بالعملة الصعبة". وأضاف نواب الجنوب أن "التصريحات التي أطلقها الوزير الأول تؤكد أن الحكومة غير مهتمة بقطاع السياحة في الوقت الراهن، في ظل استمرار التهديدات الأمنية في المناطق الصحراوية المستقطبة للسياح الأجانب، ولا تعكس حقيقة الوضع في الميدان الذي يعرف استتباب الأمن، عكس دول شقيقة كتونس، ومصر، التي تعيش أوضاعاً أمنية صعبة، وعلى الرغم من ذلك تشهد إقبالاً كبيراً للسياح".


واعتبر النائب بابا علي، الذي يمثّل منطقة تمنراست، جنوبي الجزائر، أن "السياحة الصحراوية لا تتطلّب إمكانيات كبيرة، كالمنتجعات والفنادق، فلماذا تريد الحكومة أن تحرم المنطقة من مورد اقتصادي هام، خصوصاً أن وكالات السياحة في الصحراء تقوم بجلب السياح لدعم خزينة الدولة بالعملات الأجنبية؟".

من جهته، قال رئيس المنتدى الدولي للترويج للثقافة والسياحة الصحراوية في مدينة تمنراست، محمد زونقا، لـ"العربي الجديد"، إن ما يقارب المائة وكالة سياحية أغلقت أبوابها في الجنوب، بسبب قرارات الحكومة التضييق على النشاط السياحي في الجنوب، مشيراً إلى ان الناشطين في القطاع يرفضون المبررات الأمنية التي أعلنها رئيس الحكومة.

وسارعت الحكومة إثر ردود الفعل الغاضبة للسكان والناشطين في الجنوب من تصريحات أويحيى، إلى محاولة امتصاص هذا الغضب، عبر تنظيم مؤتمر حول السياحة في الجنوب، إضافة إلى بث التلفزيون الحكومي برامج تشجّع على السياحة الداخلية إلى مناطق الصحراء.

ومع هذه التطورات، يُطرح سؤال عما إذا كانت المجموعات الإرهابية، وعلى الرغم من انحسار نشاطها، قد نجحت في خلق ردع أمام الحكومة لدفعها لحظر السياحة في الجنوب. لكن أستاذ العلوم السياسية في جامعة ورقلة، جنوبي الجزائر، مبروك كاحي، ينظر إلى القضية من زوايا مختلفة، وأوضح في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "ما دام الجنوب الجزائري يقدّم البديل والمتمثّل في الريع البترولي والإمكانيات الزراعية، فالنظام ككل وليس رئيس الحكومة فقط لن ينظر إليه بنظرة سياحية وستبقى السياحة أمراً هامشياً"، مضيفاً أن "المجموعات الإرهابية لم تنجح في ذلك، وإنما النظام نجح في استخدام التهديد لصالحه وجعله ذريعة لعدم استقبال السياح".

ولفت كاحي إلى أن "الجيش الوطني يسيطر على الأوضاع على الرغم من كبر مساحة الصحراء الجزائرية ووجود بعض عمليات تهريب الممنوعات والبشر لكنها لا تؤثر على الأمن العام"، مضيفاً "الانتصار على الإرهاب كتهديد حقيقي للأمن في الجزائر أمر واقع، لكن ما يوجد في الجنوب الآن هو إرهاب مجموعات صغيرة لا يمكن أن يتعدى تعدادها في غالب الأحيان تسعة أفراد، ومع ذلك فالجماعات الإرهابية تلقت درساً قاسياً في حادثة تيقينتورين ولا أظن أنها تملك الجرأة لإعادة الكرّة". وأشار إلى زاوية أخرى من الموضوع، تتعلق بأن "البلاد تريد الانعزال لبعض الوقت عن العالم الخارجي ريثما يمر الاستحقاق الرئاسي بعيداً عن أي إزعاج قد يكون بسبب فقدان رعايا في الجنوب"، لافتاً إلى تخوّفات أخرى ذات طابع أمني لا ترتبط بالضرورة بالإرهاب بقدر ما ترتبط بالتوقي من الاختراق، قائلاً "صحيح أن السائح اليوم لم يعد سائح الأمس، وقد يكون جاسوساً أو عنصراً خطراً يشكل تهديداً، لكن يقظة العناصر الأمنية والوعي المجتمعي بإمكانه أن يحول دون هذا الخطر".

المساهمون