القلمون الشرقي... طريق الفوسفات والغاز يلاحقها خطر التهجير

القلمون الشرقي... طريق الفوسفات والغاز يلاحقها خطر التهجير

04 ابريل 2018
يريد النظام السيطرة على القلمون لتأمين دمشق(سام سكيني/فرانس برس)
+ الخط -
قفزت منطقة القلمون الشرقي شمالي شرق العاصمة السورية دمشق إلى الواجهة الإعلامية مرة أخرى، مع بدء مفاوضات بين فصائل المعارضة السورية الناشطة فيها، وبين الجانب الروسي من أجل إيجاد تسوية من شأنها نزع فتيل حرب جديدة يهدد بها النظام لإخضاع المنطقة وتهجير أهلها، كما فعل بالعديد من مناطق ريف دمشق على مدى العامين الأخيرين.
ويدرك النظام وحلفاؤه الروس والايرانيون أهمية منطقة القلمون الشرقي الجغرافية، إذ تقع على مفترق طرق هامة تؤدي إلى البادية السورية، لذا من المتوقع أن يضعوا كل ثقلهم من أجل "نزع أنياب" فصائل المعارضة التي يُعد "جيش الإسلام" أكثرها تسليحاً وقدرة على المقاومة، وتؤكد مصادر امتلاكه أسلحة ثقيلة مركّزة في جبال المنطقة.

وأعلنت فصائل المعارضة المسلحة في القلمون الشرقي، مساء الإثنين، رفضها التهجير، وأشارت إلى استعدادها للدفاع ضد أي محاولة اعتداء على مناطق سيطرتها. وأوضحت في بيان مشترك، أنها شكّلت قيادة عسكرية للقلمون الشرقي، لافتة إلى أنه لا مانع من المفاوضات حول مصير المنطقة، مع الحفاظ على سلامة المدنيين والعمران في المنطقة، مؤكدة استعدادها للدفاع عن المنطقة "ضد أي اعتداء من المتطرفين، أو المليشيات الأخرى"، وفق البيان.

وكان النظام السوري قد هدّد الفصائل العسكرية والمدنيين في القلمون الشرقي، بالحرب إن لم يقبلوا بالمصالحة أو الخروج من المنطقة، على غرار الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق، في سياق سعي النظام لاستكمال الحسم العسكري في ريف دمشق برمته. ودخلت روسيا على خط "التهدئة" في منطقة القلمون الشرقي التي تضم العديد من المدن والبلدات الهامة، التي تقع إلى الشمال الشرقي من العاصمة دمشق بنحو 50 كيلومتراً، إذ عقد ضباط روس يوم الأحد الماضي اجتماعاً مع ممثلين لمدنيي بلدات القلمون الشرقي. وزعمت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام أن الوفد الروسي "طمأن الأهالي أن لا خوف من المصالحة"، مشيرة إلى أنه تم منح مهلة تنتهي اليوم الأربعاء للرد، موضحة أن المهلة "قد لا تكون أخيرة، وقد يتم تمديدها على غرار ما حصل في مدينة دوما" كبرى مدن الغوطة الشرقية.

وينتشر مقاتلون من فصائل عدة في القلمون الشرقي، تتبع المعارضة السورية المسلحة أبرزها "فيلق الرحمن"، و"جيش الإسلام"، إضافة لـ"تجمّع الشهيد أحمد العبدو" و"جيش أسود الشرقية"، و"جيش التحرير" الذي يقوده النقيب فراس بيطار، وحركة "أحرار الشام".
وقال الناشط الإعلامي من القلمون الشرقي، مروان القاضي، لـ"العربي الجديد"، إن لجنة التفاوض التابعة لفصائل المعارضة وأهالي المنطقة، أبلغت الروس والنظام بالقرارات التي تم الاتفاق عليها، مشيراً إلى "أن الروس وعدوا بالرد عليها الأربعاء"، مضيفاً أن "الفصائل مستعدة لمواجهة أسوأ الاحتمالات، في حال رفض النظام والروس الموافقة على تلك القرارات".

كما أكد ناشطون إعلاميون في المنطقة أن لجنة المفاوضات الممثلة للفعاليات المدنية و"الفصائل العسكرية" في مدينة الضمير تفاوضت مع الروس حول البقاء في المدينة، وليس الخروج منها أو خوض "حرب". وأضافت اللجنة في بيان أنها ناقشت مع الجانب الروسي في دمشق ملف المعتقلين لدى قوات النظام السوري، وملف المنشقين والمطلوبين للخدمتين الاحتياطية والإلزامية في صفوف هذه القوات، التي تلوّح بالحرب في حال لم تقبل فصائل المعارضة بالقلمون الشرقي التخلي عن سلاحها والانخراط في مسلسل ما يطلق عليه النظام بـ"المصالحة".


وتقع منطقة القلمون شرقي الطريق الدولي الذي يربط العاصمة دمشق بمدينة حمص، وتضم العديد من المدن الهامة، منها الضمير، والناصرية، والرحيبة، والقطيفة، وبلدات وقرى هي أقرب إلى منطقة البادية السورية. وأوضحت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أن "مساحة القلمون الشرقي مترامية الأطراف"، مضيفة أن "مساحة غوطة دمشق الشرقية التي كانت تحت سيطرة المعارضة لا تساوي خمس مساحة القلمون الشرقي". وأشارت المصادر إلى أن المنطقة دخلت في هدن غير معلنة مع قوات النظام منذ عام 2014، موضحة أن عدد سكان المنطقة الآن نحو مليون شخص، فبعدما كان عدد سكان المنطقة في عام 2011 نحو 400 ألف، استقطبت نازحين من مناطق عدة، خصوصاً من غوطة دمشق الشرقية قبيل إطباق الحصار عليها، بسبب الهدوء الأمني النسبي الذي تتمتع به منطقة القلمون الشرقي.

وقالت المصادر إن مدينة الضمير التي تقع إلى شمال شرقي دمشق بنحو 40 كيلومتراً، وتُعد أكبر مدن القلمون الشرقي، "هي الأكثر اكتظاظاً بالسكان"، مقدّرة عدد المدنيين فيها بنحو 150 ألفاً، مشيرة إلى أن الأوضاع الإنسانية "مقبولة"، مضيفة: تأتي المواد الغذائية من مناطق سيطرة النظام، وتمر عبر حواجز قواته المتعددة، لذا يستطيع قطعها إذا أراد ذلك. وأكدت المصادر أنه لا يوجد "أي فصيل متشدد في منطقة القلمون الشرقي"، موضحة أن فصائل القلمون الشرقي خاضت معارك مع تنظيم "داعش" خلال الأعوام الماضية، ومنعته من السيطرة على المنطقة، وبالتالي لا ذريعة للروس وحلفاء النظام لاجتياح المنطقة إلا إخضاع المعارضة السورية، لتثبيت نظام بشار الأسد في السلطة، وتأمينه.

وأوضحت المصادر أن "جيش الإسلام"، "هو القوة الضاربة" والفصيل العسكري الأقوى في منطقة القلمون، وتتمركز قواته في الجبل الشرقي في مدينة الرحيبة، مضيفة أن هذا الفصيل يمتلك معدات ثقيلة بما فيها دبابات، ومنصات إطلاق صواريخ "غراد" كان قد اغتنمها من مستودعات "مهين" العسكرية التابعة لقوات النظام في ريف حمص أواخر عام 2013. وأكدت المصادر أنه ليس لدى الفصائل القدرة على الصمود ومقاومة قوات النظام إذا اختارت الأخيرة شن الحرب "من دون جيش الإسلام"، معربة عن اعتقادها بأن مفاوضات الروس مع فصيل "جيش الإسلام" حول مدينة دوما معقله البارز في الغوطة "لا بد أن تشمل منطقة القلمون الشرقي أيضاً"، مضيفة: ربما يكون هذا الأمر وراء "الصبر الروسي" على "جيش الإسلام" في مدينة دوما.

وتكمن أهمية منطقة القلمون الشرقي في وجودها بالقرب من العاصمة دمشق، ويسعى النظام إلى "تأمين" العاصمة من كل اتجاه، بعد أن يفرغ من الغوطة الشرقية، فضلاً عن وجود المنطقة على الطريق الواصل بين العاصمة ومنطقة البادية السورية التي باتت منطقة نفوذ روسي بسبب وجود ثروة كبيرة من الفوسفات. كما للمنطقة أهمية لدى الجانب الإيراني الساعي إلى فتح طريق بري بين طهران ولبنان لا بد أن يمر بالقلمون الشرقي، في ظل أنباء عن نيّة إيرانية إقامة أنبوب غاز يمر عبر العراق ومن ثم سورية ليصل إلى البحر الأبيض المتوسط.