النظام يستبيح اليرموك والحجر الأسود: غارة كل دقيقتين

النظام يستبيح اليرموك والحجر الأسود: غارة كل دقيقتين

23 ابريل 2018
من القصف العنيف على اليرموك (رامي السيد/ فرانس برس)
+ الخط -
تحوّل الجنوب الدمشقي إلى ميدان معارك يستخدم فيها النظام السوري وحلفاؤه الروس والإيرانيون، أكثر الأسلحة فتكاً بالمدنيين، في محاولة لإخضاع هذا الجنوب المحاصر منذ خمس سنوات، وهو ما تسبّب بأزمات إنسانية جديدة. وبات من الواضح أن النظام يسعى إلى "نصر متوحش"، مستفيداً من تراخٍ دولي يكاد يصل إلى مرحلة الرضى عما يقترفه من مجازر بحق المدنيين تحت ذريعة مفضوحة وهي "محاربة الإرهاب"، وهي الذريعة التي يستخدمها النظام وحلفاؤه لتحقيق "حسم عسكري" على المعارضة السورية، لخلط الأوراق على طاولة التفاوض للوصول إلى حل سياسي يثبّت النظام، ويرسخ الروس والإيرانيون في سورية، الذي يكاد يتحول وجودهم في سورية إلى مستوى الاحتلال المباشر، بعدما باتوا يتحكمون بمفاصل القرار السوري.

وأكدت مصادر محلية أن الغارات الجوية التي تستهدف مخيم اليرموك وحي الحجر الأسود "كثيفة، وبمعدل غارة جوية كل دقيقتين"، مضيفة: "يستخدم طيران النظام ومقاتلات روسية، الصواريخ والبراميل المتفجرة، عدا عن الراجمات وصواريخ الفيل والقصف المدفعي"، وإن "هذه العملية العسكرية الأكبر التي تستهدف تنظيم داعش في جنوب دمشق منذ بدء الصراع على سورية". وأشارت المصادر في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن القصف الجوي والمدفعي "غير مسبوق"، مضيفة أن "النظام يستهدف المدنيين بصورة أساسية، لا سيما في أحياء المغاربة والعروبة وامتداد شارع الثلاثي"، موضحة أن "نحو 75 في المائة من مباني المخيم أصبحت مدمرة بالكامل". ولفتت المصادر إلى أن هناك عشرات القتلى من المدنيين ما زالوا تحت الأنقاض، وأنه تم تدمير مستشفى فلسطين بصورة كاملة، وهو المستشفى الوحيد الذي كان يقدّم الخدمات الطبية الطارئة إلى أهالي المخيم.

وكانت قوات النظام قد بدأت الأسبوع الماضي، عملية عسكرية ضد تنظيم "داعش" المسيطر على الجزء الأكبر من مخيم اليرموك، أبرز مخيمات اللاجئين الفلسطينيين إلى سورية، فيما تسيطر "جبهة النصرة" على جانب من هذا المخيم المحاصر منذ سنوات، والذي تعرض لعمليات قصف أدت إلى مقتل وإصابة مئات وتشريد أغلب سكانه، إذ هاجر عشرات آلاف الفلسطينيين إلى دول الجوار السوري وإلى بلدان أوروبية.
وتشير تقديرات عدة إلى أنه لم يبقَ في المخيم سوى ثلاثة آلاف مدني، من بين قرابة المليون، ربعهم من اللاجئين الفلسطينيين، والبقية من المواطنين من مختلف المحافظات السورية، فيما بقي في حي الحجر الأسود نحو ثلاثة آلاف مدني من نحو نصف مليون كانوا يقطنون فيه عام 2011.

ووصف الناشط الإعلامي رائد الدمشقي، الموجود في الجنوب الدمشقي، ما يحدث في المخيم والحجر الأسود بـ"الكارثي"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": "الآن (ظهر أمس الأحد)، مئات الصواريخ تنهال على الحجر الأسود، وأطراف بلدة يلدا. صواريخ الفيل لم تهدأ منذ أيام، وعلى مدار 24 ساعة"، مضيفاً أن "قوات النظام لا تريد أن يبقى شيء قائماً في الحجر الأسود ومخيم اليرموك. تنهال الصواريخ على الأبنية فتسويها بالأرض على الفور". وأكد أن قوات النظام تحاول اقتحام المنطقة من محاور عدة، ما يعني نيّة قوات النظام ومليشيات فلسطينية تساندها ارتكاب مجزرة جماعية، والقيام بعملية إبادة لآلاف المدنيين المحصورين في منطقة ضيقة ولا سبيل أمامهم للخروج إلى أماكن سيطرة المعارضة في يلدا أو ببيلا.


وبات من الواضح أن النظام يريد إيصال رسائل "دامية" إلى المعارضة السورية في المناطق التي لا تزال تحت سيطرتها، مفادها "إما الاستسلام أو انتظار الإبادة الجماعية"، في ظل صمت يكاد يتحول إلى رضى من قبل المجتمع الدولي الذي لم يتحرك لإيقاف المذبحة بحق السوريين. كما يهدف النظام إلى "زرع الرعب" في فصائل المعارضة المُسيطرة جنوب دمشق على بلدات ببيلا ويلدا، وبيت سحم، وجزء من الحجر الأسود، كي تقبل بإجراء "تسوية" تتضمن تسليم السلاح، والخروج بموجبها مع مدنيين من جنوب دمشق إلى الشمال السوري على غرار الفصائل الأخرى في ريف دمشق.

ويُعد الجنوب الدمشقي "المطمع" الإيراني الأبرز في العاصمة السورية، فهو يتاخم منطقة السيدة زينب جنوب دمشق التي تحولت إلى "محمية إيرانية". وأكدت مصادر مطلعة أن الجانب الإيراني عرقل اتفاقاً مع تنظيم "داعش" للخروج من الحجر الأسود ومخيم اليرموك، لتدمير المنطقة بالكامل وإعادة إعمارها بما يتناسب مع المخطط الإيراني للسطو على الجنوب الدمشقي بدءاً من مدينة داريا، مروراً بأحياء كفرسوسة والقدم والعسالي، والتضامن، والحجر الأسود، ومخيم اليرموك، ويلدا وبييلا، وانتهاء بمنطقة السيدة زينب.

وغير بعيد من الجنوب الدمشقي، تتواصل عمليات إجلاء القلمون الشرقي شمال شرقي دمشق، ومن المقرر نقل آلاف السوريين إلى الشمال السوري، الذي بات يكتظ بالمهجرين من كل أنحاء سورية. ومن الواضح أن النظام يريد حشر المعارضة في زاوية "الاستسلام الضيق"، بعد أن فقدت الأخيرة الكثير من أوراق قوتها. وأكدت مصادر في أحد فصائل المعارضة لـ"العربي الجديد" أن الجانب الروسي "خيّر المعارضة في القلمون الشرقي بين الاستسلام أو ارتكاب مجازر بحق آلاف المدنيين في المنطقة"، مضيفة: "اخترنا تجرّع سمّ التسويات لتجنيب المدنيين مصيراً قاسياً". وأكدت هذه المصادر أن الروس قالوا: "لن نسمح ببقاء أي قوات إلا قوات النظام في مناطق المعارضة"، مضيفة: "كانوا واضحين في تهديدهم بإبادة المدنيين، في حال لم نوافق على تسليم الأسلحة والخروج من المنطقة بالسلاح الفردي".

وتأتي "رسائل الدم" في الجنوب الدمشقي في وقت بدأت فيه المفاوضات في ريف حمص الشمالي، وأجزاء من ريف حماة الجنوبي، لتدفع المعارضة إلى الخيار الصعب وهو "الاستسلام" لحماية المدنيين الذين كانوا النقطة الأضعف لدى المعارضة التي اضطرت للخروج من أهم معاقلها حماية لهم، خصوصاً في مدينة حلب وفي الغوطة الشرقية وفي وادي بردى شمال غربي دمشق ومناطق عدة في الغوطة الغربية، وفي القلمون الشرقي.
وعن مفاوضات ريف حمص الشمالي، أكدت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد" انسحاب لجنة المفاوضات عن الريف أمس الأحد من المفاوضات، بسبب طلب الوفد الروسي نقل مكان الاجتماع الذي كان مقرراً في بلدة الدار الكبيرة إلى مناطق سيطرة النظام، في مؤشر واضح إلى أن صدى الصواريخ في الجنوب الدمشقي بدأ يصل إلى وسط سورية، إذ يريد الروس تمكين النظام من السيطرة على أماكن المعارضة في عموم سورية بما فيها محافظة إدلب، وريف حلب الغربي، ومناطق في ريف حماة الشمالي، وأجزاء واسعة من محافظة درعا جنوب البلاد.

المساهمون