انتخابات زحلة والبقاع الغربي... تكاد تكون 8 و14 آذار

انتخابات زحلة والبقاع الغربي... تكاد تكون 8 و14 آذار

20 ابريل 2018
لمقعد زحلة الكاثوليكي أهمية بالغة (حسين بيضون)
+ الخط -

لمنطقتي زحلة والبقاع الغربي ـ راشيا، أبعاد تختصرها تحالفات الانتخابات النيابية اللبنانية، المقررة في 6 مايو/أيار المقبل. الأسباب عديدة، فوضعية زحلة مثلاً مختلفة عن وضعية البقاع الغربي وراشيا. فزحلة المدينة مرتبطة بشكل غير وثيق مع محيطها، لاعتبارات جغرافية وديمغرافية وطائفية، تماماً كما وضعية بلدة زغرتا في قضاء زغرتا الزاوية شمالاً.

وتاريخ زحلة القريب، أي في العام 1981، شهد مواجهة عسكرية صعبة بين أبنائها وقوات النظام السوري وحصاراً للمدينة، يسجل على أنه من أشرس محطات الحرب الأهلية اللبنانية. وفي زحلة تتقدم العائلات عادة على حساب الأحزاب، ومن هنا اشتهرت عبارة "زحلة مقبرة الأحزاب". مع ذلك، فإن زحلة باتت أكثر انفتاحاً على الأحزاب، خصوصاً بعد انتهاء الزمن السوري في لبنان، وتشابك الوضع السياسي بين زحلة والقرى المحيطة بها.

أما في البقاع الغربي وراشيا، فإن الأحزاب اليسارية، التي اعتادت على التموضع في مشغرة وصغبين، قد تراجعت قوتها بنسبة كبيرة لصالح الأحزاب الطائفية من التيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل وحركة أمل و"حزب الله". مع العلم أن لراشيا قصة في التاريخ، عنوانها اعتقال حكومة الاستقلال اللبنانية الأولى في سجونها في العام 1943، أثناء المطالبة باستقلال لبنان عن فرنسا. غير أنه في الانتخابات، سواء في زحلة أو البقاع الغربي وراشيا، فإن العامل السوري، جغرافياً وديمغرافياً، هو الأساس في المعركة الحالية. ومن المتوقع أن يؤدي احتدام المعركة في المنطقتين إلى توزّع المقاعد بشكل كبير، فالجميع تقريباً، عدا لوائح المجتمع المدني، يملك حاصلاً انتخابياً أقلّه، يتيح له الحصول على مقعد نيابي واحد على الأقلّ. وكان لافتاً عدم خوض التيار الوطني الحرّ المعركة بشكل مباشر في تلك الدائرة، مكتفياً بالدعم لمرشحين محددين، ما يطرح سؤالاً جدياً حول إمكانية التغنّي بقوته في تلك الدائرة، بعد سنوات من العمل الحزبي فيها بشكل مكثف.

وفي دائرة البقاع الأولى (زحلة)، التي تضمّ 7 مقاعد نيابية، مقعدين كاثوليكيين، ومقعدا واحدا لكل من الروم الأرثوذكس والسنّة والأرمن الأرثوذكس والشيعة والموارنة، تتنافس لائحة "الكتلة الشعبية" التابعة لآل سكاف، بقيادة ميريام سكاف زوجة الراحل إلياس سكاف (الزعامة الإقطاعية التاريخية في هذه المنطقة)، في انتخابات هي الأولى بعد رحيل سكاف (2015)، مع لائحة "زحلة قضيتنا" التابعة لحالف القوات اللبنانية والكتائب اللبنانية، ولائحة "زحلة للكل"، التابعة لتحالف التيار الوطني الحرّ وتيار المستقبل، ولائحة "زحلة الخيار والقرار" التابعة إلى "حزب الله" و"أمل" والنائب نقولا فتوش، ولائحة "كلنا وطني" غير المكتملة، والتي يتوقع أن يتصارع أعضاؤها على محاولة كسب حاصل انتخابي واحد. ويبلغ عدد الناخبين في هذه الدائرة 174944 ناخباً، 171017 من المقيمين، و3927 سيصوّتون في الخارج. ويبدو من تعدّد اللوائح أن الفوز سيشمل الجميع تقريباً، فلكل طرف حاصله الانتخابي (عتبة الأصوات الضرورية لكل لائحة لكي تنافس على تقاسم المقاعد المخصصة لكل دائرة)، على أن المعركة الأساسية هي على المقاعد الكاثوليكية، فالمقعدان "الاعتياديان" كانا معقودي اللواء سابقاً لسكاف وفتوش. ولمقعد زحلة الكاثوليكي أهمية بالغة، باعتبار المدينة "أكبر مدينة كاثوليكية في الشرق"، أو هكذا يتفاخر اللبنانيون. أما المقعدان السني والشيعي، فمن المرجّح أن يؤولا إلى تيار المستقبل و"حزب الله" على التوالي، في وقت تبدو المعركة طاحنة على المقعد الماروني بين حزب الكتائب والتيار الوطني الحرّ، بينما يمكن لـ"القوات" التفكير بخطف مقعدين كاثوليكي وأرثوذكسي.


تضم دائرة البقاع الثانية 6 مقاعد نيابية (حسين بيضون)



وأهمية زحلة انتخابياً كانت بارزة في عامي 2005 و2009، فهي الدائرة التي خطفت فيها قوى 14 آذار انتصاراً بارزاً في عام 2009، بعد سقوط مدوٍ في عام 2005. والفوز في عام 2009، سمح لـ14 آذار بالمحافظة على تفوقها النيابي برلمانياً، رغم عدم استفادتها منه ميدانياً وسياسياً في المراحل اللاحقة، إذ إن "حزب الله" قلب خسارته الانتخابية إلى انتصار بقوة السلاح والتهديد في تشكيل حكومة موالية له. أما الأهم فهو تحالف "حزب الله" و"أمل" مع فتوش، وهو الشخص المُتهم هو وعائلته من قبل خصومه بقضايا فساد لا تنتهي في لبنان، فضلاً عن تورّطه في مسألة كسارات جبال عين دارة (منطقة في قضاء عاليه على طريق ضهر البيدر الرابط بين جبل لبنان والبقاع). كما عُرف عن فتوش تورّطه في مسألة معمل إسمنت، كاد أن يشعل حرباً أهلية في زحلة. ورغم كل ذلك، لا يزال الأمين العام لـ"حزب الله"، حسن نصرالله، يكرر أنه "سيحارب الفساد ولو زعل (غضب) الحلفاء منا، بعد الانتخابات النيابية".

أما في دائرة البقاع الثانية (راشيا - البقاع الغربي)، التي تضمّ 6 مقاعد نيابية، سنيّين ومقعدا لكل من الشيعة والأرثوذكس والموارنة والدروز، فتتنافس لائحة "الغد الأفضل"، المؤلفة من تحالف "حزب الله" و"أمل" والمدعومة من التيار الوطني الحرّ، مع لائحة "المستقبل للبقاع الغربي وراشيا" المدعومة من تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية، ولائحة "المجتمع المدني" المؤلفة من مجموعة من المستقلين. ومن المتوقع أن تبلغ شراسة المعركة حداً كبيراً، في ظلّ احتمال خرق عبد الرحيم مراد، وهو أحد الأسماء السنيّة البارزة لناحية تحالفها مع النظام السوري و"حزب الله"، بينما يبدو وضع نائب رئيس المجلس النيابي السابق، إيلي الفرزلي، صعباً، في ظلّ الدعم الشكلي الذي قدمه له التيار الوطني الحرّ. مع العلم أن الفرزلي، كان ضمن ما عُرف بـ"خلية السبت"، التي ساهمت في إيصال رئيس الجمهورية، ميشال عون، إلى منصبه الرئاسي، في العام 2016، وبقي يوصف طيلة السنوات الماضية بأنه مستشار سياسي لعون.

ويعاني تيار المستقبل من نقطة ضعف في هذه الدائرة، اسمها محمد القرعاوي، الرجل الذي عُرف عنه قربه من النظام السوري، حتى الأمس القريب، في مشهد متكرر للتحالفات الغريبة لـ"المستقبل" في لبنان. والقرعاوي ظل، حتى قبل بضعة أسابيع من الموعد الانتخابي، يعمل على "تبييض" صفحته وسط عدم رضى من القواعد الشعبية لتيار المستقبل أولاً تجاهه، وهو الذي ترشح في الانتخابات الماضية على لائحة مراد و"حزب الله" ضد لائحة الحريري التي تحتضنه اليوم. أما "حزب الله" و"أمل"، فيخوضان المعركة في سبيل إيصال مرشحين من غير الشيعة للبرلمان، وسط اتهامات واسعة النطاق بأن الثنائي يعملان على تمتين قوة "ودائع النظام السوري" في البرلمان اللبناني. ويهمّ "حزب الله" كثيراً الفوز في هذه الدائرة، بعد سنوات من التراجع فيها، لاعتبارات مترابطة بين الجنوب والبقاع. مع العلم أن المعركة كادت تتخذ طابعاً حاداً مشابهاً للفرز الذي ساد لبنان بين عامي 2005 و2016، أي حتى انتخاب تيار المستقبل خصمه ميشال عون رئيساً للجمهورية، على قاعدة 8 و14 آذار. فلو تُرجم الاصطفاف بهذه الحدّة، لكانت راشيا ـ البقاع الغربي، الدائرة الوحيدة في لبنان التي لم تخرج من سياق الاصطفاف. ومن شأن كسر حدّة الاصطفاف في تلك الدائرة، السماح لمزيد من الحراك السياسي لـ"حزب الله" و"أمل"، على حساب تيار المستقبل أساساً. ويبلغ عدد الناخبين في هذه الدائرة 143637 ناخباً، 139297 من المقيمين، و4340 سيصوّتون في الخارج.