"ولاء" كومي يفضح ترامب: لا يذكّر إلا برؤساء المافيا

"ولاء" كومي يفضح ترامب: لا يذكّر إلا برؤساء المافيا

19 ابريل 2018
كتاب كومي يغضب أنصار ترامب وكلينتون (كريس راتكليفي/Getty)
+ الخط -
انشغلت وسائل الإعلام الأميركية بكتاب مدير مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي)، السابق، جيمس كومي، قبل طرحه في الأسواق منذ يوم الثلاثاء الماضي. الكتاب الذي يحمل عنوان "ولاء أسمى: الحقيقة والأكاذيب والزعامة" تصدر قائمة الكتب الأكثر مبيعاً، عن طريق التوصيات المسبقة على موقع أمازون، قبل طرحه في السوق. فإلى جانب كونه تولى مركزاً مهماً كرئيس مكتب التحقيقات الفدرالي منذ عام 2013 حتى إقالته على يد الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب في شهر مايو/أيار 2017، عاصر كومي أحداثاً سياسية مهمة في العقدين الأخيرين، وأدى دوراً مركزياً في بعضها.
كما عمل كومي مع ثلاثة رؤساء أميركيين، جورج بوش الابن، وباراك أوباما ودونالد ترامب. يضاف إلى ذلك تعامله مع العديد من السياسيين الأميركيين والنخبة السياسية من خلال مناصبه في العقدين الأخيرين، كمحام وثم مدعٍ عام في نيويورك ووكيل وزير العدل في إدارة الرئيس بوش الابن، قبل أن يختاره أوباما لإدارة أف بي آي عام 2013.


ولعل أبرز الأحداث المفصلية في تاريخ السياسة الأميركية الحالي، هو دور كومي في قضية التحقيق بالبريد الإلكتروني لهيلاري كلينتون، خلال منافستها على الرئاسة الأميركية، وتأخذ هذه القضية موقعاً مهماً في الكتاب، فيما لا يزال بعض المراقبين في المشهد السياسي الأميركي من الديمقراطيين يضعون جانباً كبيراً من اللوم على عاتق كومي في هزيمة هيلاري كلينتون بسبب أسلوب وتوقيت تعامله مع القضية.

ويأتي كتاب كومي واستعادته لتلك الأحداث وتبعاتها ليؤجج مشاعر الغضب بين مؤيدي كلينتون، وليس فقط غضب معسكر ترامب ومؤيديه. ويقدم الكتاب شرحاً مطولاً حول الأسباب التي دفعته للكشف قبل فترة وجيزة من إجراء الانتخابات عن أنه كان لا يزال يحقق في قضية استخدام هيلاري كلينتون لبريدها الإلكتروني الشخصي في مراسلاتها الرسمية كوزيرة خارجية، بدلاً من استخدام حسابها الرسمي المخصص لذلك من قبل وزارة الخارجية ما شكل خطرا أمنياً. وكان مكتب التحقيقات الفدرالي، تحت إدارة كومي، يحقق بالموضوع. وسبق أن أغلق التحقيق لكنه عاد وفتحه ليغلقه لاحقاً دون أي نتيجة تذكر. وقوبل إعلان كومي في حينه أن مكتبه عاد ليحقق في الموضوع باستغراب لأنه كان خطوة غير عادية. كما أن كومي، والذي كان مكتبه يحقق منذ أشهر طويلة في مدى تدخل الروس ومحاولتهم التأثير على مجرى الانتخابات الأميركية لصالح ترامب، قد بقي صامتاً حول ذلك التحقيق. في هذا السياق يأتي وصف كومي المطول للخطوات التي قادته لاتخاذ ذلك القرار. ومن اللافت أن كومي لا يعبر عن أي ندم أو مراجعة لتلك الخطوات بل يبني روايته لدعم فكرة واحدة وهي أن ما قام به كان التصرف الصحيح لإنقاذ مصداقية مكتب التحقيقات. ويكتب في هذا السياق "على الرغم من تقليبنا للعشرات من وجهات النظر المختلفة، إلا أننا عدنا مراراً وتكراراً إلى نفس النتيجة: إن مصداقية مؤسسات العدالة كانت على المحك. بافتراض أنه سيتم انتخاب هيلاري كلينتون بعد أقل من أسبوعين كرئيسة للولايات المتحدة، كما اعتقدت الأغلبية، فما الذي كان سيحدث لمكتب التحقيقات الفيدرالي أو وزارة العدل، أو حتى رئاسة كلينتون نفسها إذا تم الكشف لاحقاً، عن أنها كانت لا تزال موضوع تحقيق في مكتب التحقيقات الفيدرالي؟".

ويرى بعض النقاد أن هذا الكتاب يوجه صفعة للرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب إذ يصفه كقائد "غير جيد وغير أخلاقي لا يتخذ القرارات السليمة". وعلى الرغم من أن الكتاب لا يتعامل مع حقبة ترامب فقط، إلا أن شبح ترامب يظهر طوال الوقت، حتى في الفصول التي يتحدث فيها كومي عن طفولته من دون ذكر ترامب. ولكن عند حديثه مثلاً عن الأشخاص "المتنمّرين" الذين حاولوا ترهيبه كطفل، وكيف أنه يميزهم منذ طفولته، و"المتنمّر" هو واحد من الأوصاف الكثيرة التي يطلقها على ترامب.

يحاول كومي رسم صورة لـ "قيادة حكيمة" تعمل من أجل مصالح البلد وتحبه، مقابل أخرى تعمل على أخذه إلى الهاوية أو تضع نفسها ومصالحها والولاء لها فوق مصالح البلد والولاء له، كما يفعل ترامب. ويقول كومي إنه استوحى العنوان الرئيسي، "ولاء أسمى" من الحادثة الشهيرة، التي قدم شهادته حولها أمام الكونغرس، عندما طلب ترامب منه أن يعلن ولاءه له. وهو الأمر الذي ينفيه ترامب وقد غرّد بخصوصه على موقع تويتر في الأيام الأخيرة مرات عديدة، متهماً كومي بالكذب وادعى أن كل ما جاء في كتابه هو كذب، وذلك قبل صدور الكتاب.
يقدم الكتاب لمحات مثيرة، وإن كانت طبعاً انتقائية ومحكومة بفلسفة وقراءة كومي، لما يدور في أروقة المؤسسات الأميركية الرسمية والعلاقة بينها، بما فيها اللقاءات وأجواؤها وكذلك تفاصيل مثيرة عن شخصيات بوش الابن وباراك أوباما وحس الفكاهة عندهما مقابل انعدامه عند ترامب. وإضافة إلى الدفاع عن قراراته في قضية كلينتون وتبريرها، يظل المحور الرئيسي هو رؤيته لترامب كرجل خطير، غير مؤهل، يقود بأسلوب مافيوي دولة من المفترض أنها ديمقراطية لها مؤسسات تفصل فيها بين السلطات.
يتحدث كومي في كتابه عن الكثير من التفاصيل والأوصاف الجسدية للشخصيات التي يلتقيها وعن حالتهم النفسية، وهو غير مستغرب من رجل استخبارات. لكنه يعرج على الكثير من التفاصيل حول مشاعره هو وما دار في باله من أفكار وانطباعات في تلك اللقاءات، الأمر المتوقع في كتاب يندرج في فئة المذكرات. لا يتردد كومي في توجيه النقد للإدارة الجمهورية في عهد بوش وللديمقراطية في عهد أوباما ليظهر متوازناً ومستقلاً.
يكتب كومي واصفاً لقاءه الأول بترامب بأنه بدا أقصر قامة مما بدا عليه على المنصة في مناظراته مع هيلاري كلينتون. ثم يشير إلى وصف جسده "بدا وجهه برتقالياً قليلاً، وتحت عينيه أكياس على شاكلة نصف أقمار بيضاء... شعره أشقر فاتح وعند التمعن به يبدو أنه شعره الحقيقي"، في إشارة إلى الجدل الذي دار في الولايات المتحدة حول ما إذا كان ترامب يضع شعراً مستعاراً. ثم يضيف "أذكر أنني تساءلت حول كم الوقت الذي يحتاجه في الصباح لتصفيف شعره على هذه الشاكلة". ثم يتحدث كومي عن فريق ترامب في البيت الأبيض ومحاولات الفريق صياغة الرسائل والردود الإعلامية التي كانت تتحدث عن التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، ويستغرب كومي كيف أن فريق ترامب، بعد انتخابه، ناقشها أمامه وأمام موظفين آخرين في مكاتب الاستخبارات.
يشار إلى أن هذا الاستغراب ينبع من أهمية فصل السلطات في النظام الأميركي رسمياً وقانونياً. ويعلق كومي على ذلك بأنه شعر بأن ترامب وفريقه يحاولون جرّه، وجرّ الآخرين في الجهاز الاستخباراتي، إلى "عائلتهم" على غرار شبكات المافيا.

وفي مقطع آخر يستطرد كومي حول فريق ترامب وشخصه واصفاً إياه بالكاذب المحترف الذي يخضع المقربين منه لقواعد ولاء تذكر برؤساء المافيا. ثم يشير إلى بداياته كمدع عام ومحاربته للمافيا. ويصف المحيطين بترامب وفريقه بأنهم يقبلون كل ما يقوله وأنهم غير قادرين على معارضته، ثم يصف إحدى الجلسات وأجواء الخوف والتبعية العمياء "ولأنه (ترامب) لا يتوقف بتاتاً عن الكلام، فإنه يسحب كل الحضور إلى دائرة من التسليم (والموافقة)". ثم يضيف "لقد كنت أرتجف لهول ما رأيت. لم أر شيئا من هذا القبيل في حياتي (في البيت الأبيض)." ويضيف واصفاً الجلسة مع ترامب وفريقه مقارنا إياها بجلسات المافيا "فريق صامت يؤيد كل شيء يقوله الزعيم الذي يفعل ما يروق له. قطع وعود بالولاء. تقسيم العالم على أساس "هم ونحن" وتقسيمه على أساس أعداء لهم. الكذب حول كل صغيرة وكبيرة في خدمة مبادئ ولاء تضع المنظمة (المافيا/ فريق ترامب) فوق الأخلاقيات والحقيقة".
يرسم كومي صورة قاتمة، لكنها أصبحت معروفة، لترامب، كرئيس غير أخلاقي مهووس بنفسه، بعيد عن الحقيقة والأخلاق، تلك القيم التي تقوم عليها المؤسسة الأميركية، بحسب كومي. ويترك كومي القارئ في نهاية الكتاب وهو يتساءل حول مصير ترامب وما إذا كان الرئيس سيكمل فترته الرئاسية أم لا. ويخمن القارئ حول مصير كومي السياسي وما إذا كان سيعود إلى الحلبة السياسية بشكل أو آخر، وربما، حتى كمتنافس في السباق الرئاسي.