موجة اغتيالات في كردستان العراق: إيران متهمة بتصفية خصومها

موجة اغتيالات في كردستان العراق: إيران متهمة بتصفية خصومها

17 ابريل 2018
مسلحون أكراد إيرانيون قرب أربيل، أكتوبر 2017(صافين حامد/فرانس برس)
+ الخط -
في غضون 40 يوماً فقط، ارتفع عدد الذين تم اغتيالهم من قيادات ورموز الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة، المقيمة في إقليم كردستان العراق، إلى سبع شخصيات مهمة. ومنذ مطلع هذا العام يكون مجموعهم 16 شخصية مهمة، بينما فشلت، الخميس الماضي، محاولة اغتيال استهدفت الشخصية الكردية الإيرانية الأبرز في صفوف المعارضة، رئيس حزب حرية كردستان إيران، حسين يزداني بنا، بإطلاق شخصين يستقلان دراجة نارية النار على سيارته وسط مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان، ما أدى إلى إصابة سائقه وحارسه الشخصي بجروح بليغة. ولا يزال القائد الميداني للجناح العسكري في الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، صلاح رحماني، بين الحياة والموت، بعد تعرضه لتفجير بواسطة عبوة لاصقة ثبتت أسفل سيارته في أربيل نهاية الشهر الماضي، وأدت إلى مقتل ابنه الوحيد.

ويقول مسؤولون في إقليم كردستان العراق، لـ"العربي الجديد"، إن الإقليم يشهد حرباً مخابراتية من نوع مختلف وجديد على الساحة الكردية، وقرار تحرك الأمن الكردي في هذا الملف سياسي بالدرجة الأولى. ووفقاً لضابط في جهاز "الأسايش"، الذي يديره نجل مسعود البارزاني، مسرور، فإن عمليات الاغتيال التي طاولت مسؤولين في المعارضة الكردية الإيرانية "نفذت بواسطة الاستخبارات الإيرانية وكذلك فيلق القدس وعملاء من أكراد إيران تم تجنيدهم من قبل طهران لتنفيذ نوع كهذا من المهمات مقابل امتيازات لهم". وأضاف الضابط، لـ"العربي الجديد"، أنه "خلال شهر ونصف الشهر تقريباً تم قتل سبع قيادات مهمة للغاية، ومن أحزاب وقوى كردية إيرانية مختلفة"، مبيناً أن "قسماً منهم أسسوا، منذ العام 2015، علاقة مع الاستخبارات الأميركية، وباتت لهم نشاطات مشتركة داخل مدن غرب إيران، ذات الغالبية الكردية، والمحاذية للعراق". وأشار إلى أن "المعارضين الأكراد الإيرانيين الموجودين حالياً في الإقليم غيروا مناطق سكنهم، ويتحركون بحذر كبير للغاية. وهناك حديث عن أن عمليات التصفية التي تطاولهم يشرف عليها مسؤول ملف كردستان العراق في فيلق القدس الإيراني، العميد إقبال بور".

ومن الذين تم اغتيالهم، القيادي في الجناح المسلح للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، قادر قادري، وذلك بإطلاق النار عليه عندما كان يقود سيارته في مدينة سرجاو بمحافظة السليمانية، والمسؤول عن إدارة الملف العسكري للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، خورشيد عزيز تمون، وذلك برصاص قناص خلال مشاركته في احتفالات عيد "نوروز" شمال أربيل الشهر الماضي. كما تم اغتيال مسؤول التواصل الخارجي في الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، حميد قادر حمدمينه، عندما اقتحم مسلحون منزله في أربيل وقاموا بإعدامه رمياً بالرصاص، والقيادي الأبرز والأكثر نشاطاً في أوروبا، أمير أحمدي، والذي اغتيل بأسلحة كاتمة للصوت داخل حديقة منزله، في 30 مارس/ آذار الماضي. كما قتل نجل القيادي البارز صلاح رحماني وأصيب الأخير بجروح خطيرة، بتفجير عبوة لاصقة أسفل سيارته بمنطقة بنصلاوة، غربي أربيل. والخميس الماضي، نجا رئيس حزب حرية كردستان إيران، حسين يزداني بنا، من محاولة اغتيال في مدينة أربيل. وقال مسؤول العلاقات في حزب حرية كردستان، خليل نادري، إن "المحاولة الفاشلة تقف خلفها الاستخبارات الإيرانية"، مشيراً إلى أن "رئيس الحزب بخير، وهو نجا من الموت بعد وابل من الرصاص من قبل مسلحين يستقلان دراجة نارية في شارع 120، وسط مدينة أربيل".

وتوجد في مناطق قنديل وقرى تابعة لمدينة أربيل والسليمانية أحزاب وحركات مسلحة وسياسية كردية معارضة لإيران، مثل حزب حرية كردستان، والحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني المعروف اختصاراً بـ"حدكا"، وحزب "كومله" الشيوعي الإيراني، وحزب الحياة الحرة في كردستان إيران المعروف اختصاراً بـ"بيجاك". وتنفذ أجنحة هذه الأحزاب المسلحة هجمات داخل الأراضي الإيرانية تستهدف الحرس الثوري والجيش في المناطق الكردية ضمن مدن وقرى لورستان وكردستان وكرمنشاه وقصر شيرين وإيلام ومهاباد وغيرها.


ويتحدث سياسيون في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية، وهو على علاقة سيئة مع المعارضين الأكراد لطهران والممتازة مع أكراد تركيا المعارضين لأنقرة، عن أن أحزاب المعارضة الإيرانية الكردية ستجلب الفوضى وعدم الاستقرار للإقليم، بينما يغضون النظر عن أكراد تركيا والمشاكل التي خلقها حزب العمال الكردستاني للإقليم والعراق عامة. ويقول عضو حزب الاتحاد الكردستاني، أوات علي، لـ"العربي الجديد"، إن "الاغتيالات موجودة في كل مكان في العالم، وخير شاهد اغتيال العميل المزدوج في بريطانيا (سيرغي سكريبال)، لذا لا يمكن لنا اتهام جهة بالوقوف وراء عمليات اغتيالهم، حتى وإن كان الذين تم اغتيالهم من لون أو جهة واحدة"، وفقاً لقوله. غير أن قيادياً بارزاً في التحالف الكردستاني العراقي كشف، لـ"العربي الجديد"، عما وصفه بجانب من "الحرب المخابراتية الحالية في الإقليم"، وقال: "واشنطن دربت المئات من المسلحين الأكراد الإيرانيين، وزودتهم بالسلاح خلال السنوات الثلاث الماضية تحت مظلة تدريب قوات البشمركة العراقية لمحاربة داعش، وجميعهم من أحزاب حرية كردستان وصقور كردستان والديمقراطي الكردستاني الإيراني وشيوعيي كردستان إيران. وتعمل طهران الآن على تصفية قادة تلك التشكيلات المسلحة أو القيادات الروحية المؤثرة فيها"، كاشفاً عن أن "أربعة ممن تم اغتيالهم أخيراً هم قيادات عسكرية كردية إيرانية تلقت دعماً أميركياً خلال السنوات الماضية". وأكد أن "إقليم كردستان يتخذ موقف المتفرج، بما في ذلك الأجهزة الأمنية إزاء عمليات الاغتيال، وطالب أخيراً شخصيات في الأحزاب الإيرانية المعارضة المقيمة في أربيل ودهوك والسليمانية بالمغادرة إلى المناطق الحدودية أو خارج الإقليم بشكل نهائي، وبعضهم اختفى فعلاً، ويرجح أنه تم إخراجه من دائرة الخطر بمساعدة أميركية".

ووفقاً للقيادي نفسه، تبحث عناصر من الاستخبارات الإيرانية و"فيلق القدس" عن مكان مصطفى هجري، الذي يعد الأب الروحي للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني المعارض، إذ تتردد أنباء عن تواجده في جبال قنديل العراقية، في قرى تخضع لسيطرة حزب العمال الكردستاني المعارض لأنقرة، أو في قضاء جومان العراقي الحدودي مع إيران. وقال النائب الكردي في البرلمان العراقي، عبد الباري زيباري، لـ"العربي الجديد"، إن "الجهة الرسمية التي يجب أن تتحدث عن الأمر هي حكومتا بغداد وأربيل، ومع الأسف فإن الجهتين لم تعلقا حتى الآن. لا يوجد أي مبرر لهذا السكوت، بل إن هناك عمليات حدثت وأخفيت وكأنها لم تحدث". لكن القيادي البارز في التحالف الكردستاني والنائب بالبرلمان العراقي، ماجد شنكالي، اتهم صراحة "الاستخبارات الإيرانية بالوقوف وراء سلسلة الاغتيالات". وقال، لـ"العربي الجديد"، إن "الاغتيالات التي استهدفت السياسيين الأكراد الإيرانيين بالشهرين الماضيين مستمرة، وبالتأكيد الاتهام يوجه نحو الاستخبارات الإيرانية". وأضاف "أعتقد أنه ستكون هناك اغتيالات أخرى إذا لم يتم إيقاف ذلك، عبر تدخل قوات الأمن في الإقليم". وأضاف "هؤلاء معارضون ونشطاء وسياسيون ومفكرون يبحثون عن حرية الشعب الكردي في إيران وحقه في عيش كريم مستقل، وبالتأكيد إيران لا تقبل بمثل هذا الطرح ولن تقبل بهذا الشيء".

وأوضح المستشار الإعلامي لرئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني، كفاح محمود، لـ"العربي الجديد"، أن "ما يجري اليوم جزء من فاتورة فرضت على الإقليم، ويدفعها مع الأسف". وقال إن "الاغتيالات تتم ضمن صراع طهران مع المعارضة، والأمر نفسه مع الأتراك، إذ نفذت الاستخبارات التركية عمليات في السليمانية، كما أن المعارضين الإيرانيين قتلوا أخيراً مسؤولاً إيرانياً في كويسنجق، قرب أربيل". وأشار إلى وجود مئات آلاف الأكراد السوريين والإيرانيين والأتراك الذين يقيمون في الإقليم حالياً.

وعلى غرار القصف التركي المتكرر على مناطق عراقية كردية، فإن المدفعية الإيرانية كررت أخيراً قصف مناطق تقع ضمن قلعة دزه وحاج عمران وجومان في كردستان العراق، بحجة وجود "بشمركة إيران"، في إشارة إلى الحركات الكردية الإيرانية المسلحة التي تهاجم قوات إيرانية داخل أراضيها ثم تنسحب إلى داخل الإقليم. وقال سكان محليون في المنطقة إنهم يرغبون بأن يغادر أكراد إيران وتركيا ليعيشوا بسلام، غير أن هناك شخصيات كردية قومية ترفض هذا الطرح، وتعتبر أن مصير أكراد الدول الأربع، إيران والعراق وتركيا وسورية، واحد. وتساءل شمال آزادي (49 سنة)، الذي يسكن قرية بختياري، في تصريح لـ"العربي الجديد": "إذا كان مسعود (البارزاني) غير قادر على إنهاء الوضع ووقف القصف أو إيجاد مكان بديل للمعارضة الكردية الإيرانية، فلماذا يرفض دخول قوات الجيش العراقي؟ قد يكون لديهم حل. والآن نخشى أن تمتد الاغتيالات إلى مناطقنا بسببهم، إذ سيجلبون عناصر الحرس الثوري إليها". وقال كاميران أمين (61 سنة)، وهو أحد وجهاء بنجوين قرب الحدود مع إيران، لـ"العربي الجديد"، إن "أكراد إيران إخوة لنا، وقد اقتسموا الخبز معنا أيام صدام (حسين) عندما كنا نأتيهم هاربين، ولم يسألونا عن طائفتنا. فقط استقبلونا عندما وجدوا عرقنا ولساننا كرديان، ويجب اليوم أن نقف معهم ونكافح، فمصيرنا واحد"، وفقاً لقوله.