أفغانستان تستلهم السلام الإيرلندي لإنجاز مصالحتها: أين الشبه؟

أفغانستان تستلهم السلام الإيرلندي لإنجاز مصالحتها: أين الشبه؟

16 ابريل 2018
اختلاف جذري بين الحربين الأفغانية والإيرلندية (هارون ساباوون/الأناضول)
+ الخط -

تحاول الحكومة الأفغانية استلهام التجربة الإيرلندية لإرساء السلام وإنهاء الحرب الأهلية المستمرة منذ عقود، في ظل تشكيك واسع في جدوى المقارنة بين الحالتين الإيرلندية وتلك الأفغانية، وبالتالي فائدة محاولة كابول الاستفادة من دروس "اتفاقية الجمعة العظيمة" (1998) التي أنهت الحرب الأهلية الإيرلندية بين البروتستانت، المؤيدين للبقاء ضمن المملكة المتحدة، والكاثوليك المؤيدين للاستقلال، عبر تقاسم للسلطة في إطار حكم ذاتي.

لكن الحكومة الأفغانية تبدو مصرة على استلهام التجربة، فأعلن المجلس الأعلى للمصالحة الأفغانية أنه أرسل ثلاثة وفود إلى بلفاست من أجل دراسة اتفاقية "الجمعة العظيمة"، والتباحث مع الخبراء هناك بهذا الخصوص، للاستفادة مما حصل هناك في إطار عملية السلام الأفغانية. كما جاء بعض المعنيين بالمصالحة الإيرلندية أخيراً إلى أفغانستان وبحثوا أبعاد المصالحة مع أعضاء المجلس الأفغاني. ويقول الناطق باسم المجلس، عبد الله طاهري، لـ"العربي الجديد"، "نزعم أن الاستعانة بالتجربة الإيرلندية قد تساعد في وقف حمام الدم عندنا. وبعدما تمكنا من خلق إجماع شعبي أفغاني وعالمي يدعو إلى وقف إطلاق النار، وحل الأزمة الأفغانية عبر الحوار، يتوجه المجلس صوب إيرلندا؛ علّ ذلك يساعد في لمّ شمل الشعب وإرساء السلام". وفيما يخص سبب اختيار المصالحة الإيرلندية، يشير طاهري إلى التشابه بين الحربين، وكون اتفاق بلفاست (أو الجمعة العظيمة) هو اتفاق السلام الأحدث في التاريخ المعاصر. ويلفت طاهري إلى أن "الهدف هو درس الآلية الإيرلندية، وكيفية التعامل مع الأحقاد الكامنة بين أطياف الحرب المختلفة، وإيجاد حل يتناسب مع مصالح الجميع".

هذا الإعلان كان مثيراً لاستغراب الكثيرين في أفغانستان، خصوصاً أولئك الذين يزعمون أن الحوار الأفغاني ــ الأفغاني هو الحل، كذلك بسبب التباين الكبير بين الظروف الإيرلندية والأفغانية وأسباب وتداعيات الحرب هنا وهناك. وكما كان للصراع في إيرلندا الشمالية تأثير كبير على دول الجوار، لا سيما بريطانيا، فإن الصراع الأفغاني يلقي بظلاله على أمن المنطقة. وأيضاً، من عوامل الشبه بين الحالتين، أن الحل العسكري باء بالفشل. لكن في مقابل ذلك، هناك نقاط اختلاف هائلة بين الحربين الأهليتين، وهو ما يعترف به المجلس الأعلى للمصالحة الأفغانية، وحذّر منه الوفد الإيرلندي الذي زار كابول أخيراً. ويقول حضرت الله، أحد المترجمين في الدوائر الحكومية الذي حضر الاجتماع بين الوفد الإيرلندي وبين أعضاء مجلس المصالحة، إن الإيرلنديين كانوا يكررون خلال اللقاءات، بعد كل جملة، أن "الوضع في أفغانستان يختلف تماماً عن الوضع في إيرلندا، وأسباب الحرب تختلف جذرياً".


وليس سراً أن جذور المشكلة في إيرلندا الشمالية كانت تكمن في الانقسام القومي والطائفي، وهي كانت وليدة التمييز بين الكاثوليك والبروتستانت الذين كانوا يشكلون الغالبية المدعومة من قبل بريطانيا، والتي تحارب الأقلية الكاثوليكية الاستقلالية الرافضة للحكم البريطاني. وكان تاريخ إيرلندا يحفل بمظاهر كثيرة للتمييز الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والتعليمي ضد الكاثوليك. كذلك التغيير الديمغرافي في إيرلندا كان أحد أهم أسباب الصراع هناك، إذ كانت الأقلية الكاثوليكية تطالب بالانفصال و"إعادة الوحدة مع الوطن الأم" (إيرلندا)، بينما الأكثرية البروتستانتية كانت تطالب بالبقاء في المملكة المتحدة. كل تلك العوامل غير موجودة في أفغانستان، حيث إن الصراع غير طائفي ولا وليد التمييز العنصري ولا ناجما عن سعي فئة لاحتكار السلطة. فالصراع الأفغاني بدأ بسبب تدخل القوات الأجنبية، منذ سبعينيات القرن الماضي حين دخلت القوات السوفييتية لتترك وراءها حرباً أهلية بعد خروجها في العام 1989. وتجدد الصراع في عام 2001 عند دخول القوات الأميركية وحلفائها إلى أفغانستان إثر سقوط حكومة حركة "طالبان" بحجة أنها داعمة للإرهاب العالمي.

وفي حين كانت بريطانيا اللاعب الأجنبي الوحيد في الحرب الإيرلندية، فإن في أفغانستان لاعبين كثيرين، وكل له وزنه وثقله في الساحة الأفغانية. فالولايات المتحدة، التي اجتاحت أفغانستان في عام 2001، كانت تدعم الأحزاب الجهادية الإسلامية ضد القوات السوفييتية أولاً، وضد الحكومة الموالية لها ثانياً، وكان لها ثقل كبير في الميدان وفي الأوساط الجهادية. وهي أتت من جديد بعد هجمات سبتمبر/أيلول 2001 وكرست سطوتها في هذا البلد. لكن أيضاً روسيا حاضرة بقوة في الحرب الأفغانية. ورغم هزيمة الاتحاد السوفييتي هناك، فقد استعادت نفوذاً ليس فقط من خلال دعم "طالبان" ومسلحين آخرين، بل أيضاً داخل الأحزاب السياسية ومن الحلفاء السابقين لواشنطن. على سبيل المثال، قال الرئيس الأفغاني السابق، حامد كرزاي، الأسبوع الماضي، خلال زيارة إلى موسكو، إن "تواجد القوات الأميركية في أفغانستان لا خير فيه، وأمل الأفغان يبقى منحصراً في دور روسيا كي يخرج البلاد من المأزق الحالي". ولا شك في أن تصريحات الرئيس الأفغاني السابق أثارت حفيظة الكثير من الأفغان، ولا سيما أنه نسي أن حمام الدم في أفغانستان قد بدأ بعد الغزو السوفييتي لأفغانستان في سبعينيات القرن الماضي، ومنذ ذلك الحين فقد الأفغان أملهم بالعيش في بلاد مستقرة. وعلى الضفة الأخرى، الكثير من الأفغان يرون أن بعض القوى الدولية، مثل إيران وروسيا، تعارض المصالحة الأفغانية للحفاظ على نفوذها. وعن هذا الموضوع، قال مسؤول أمن قندهار، القائد العسكري الجنرال عبد الرازق، في حديث مع قناة "يك" المحلية، إن روسيا وإيران عائقان أساسيان في سبيل المصالحة الأفغانية. وفضلاً عن أميركا وروسيا وإيران، فإن لباكستان دوراً مركزياً في المعضلة الأفغانية عن طريق ارتباط جماعات مسلحة بإسلام آباد.

وهناك فارق آخر بين الحالتين الأفغانية والإيرلندية، وهو عدم الاعتراف المتبادل بالخصم. وعندما أعلن الرئيس الأفغاني، أشرف غني، خطته الأخيرة للسلام مع "طالبان"، وكان من ضمنها الاعتراف بالحركة كحزب سياسي إذا ما هي قبلت العودة إلى الحوار، أثار ذلك موجة غضب بعض الأطياف، على اعتبار أن "طالبان" جماعة إجرامية تقتل الأفغان، وبالتالي الاعتراف بها كحزب سياسي بشرط الحوار، أمر يظلم الشعب الأفغاني. في المقابل، ترفض "طالبان" أيضاً الحوار مع الحكومة الأفغانية وتدعو إلى الحوار المباشر مع الولايات المتحدة، ظناً منها أن الطرف الآخر هو أميركا وليست الحكومة الأفغانية، التي تصفها بـ"العميلة" لواشنطن. فضلاً عن كل ذلك، تعاني أفغانستان من مشكلة كثرة الأحزاب المسلحة. فعلاوة على "طالبان"، ثمة 20 جماعة مسلحة أخرى تقاتل ضد الحكومة الأفغانية والقوات الدولية. وتحدث مستشار الرئيس الأفغاني، أكرم خبلواك، أثناء تقديم إيجاز للبرلمان بشأن المصالحة، يوم السبت الماضي، قائلاً إن 21 تنظيماً مسلحاً تنشط في أفغانستان، بينما كان الصراع في إيرلندا محصوراً في فريقين رئيسيين: البروتستانت والكاثوليك.