الضربة على سورية: بولتون فرض القرار وماتيس ضَمِن محدوديته

الضربة على سورية: بولتون فرض القرار وماتيس ضَمِن محدوديته

14 ابريل 2018
تمهّل ماتيس بشأن الضربة ودفع بولتون باتجاهها (مارك ويلسون/Getty)
+ الخط -

بعد جدل وخلاف حادين، داخل الإدارة الأميركية، حول القيام بعملية عسكرية ضد النظام في سورية، رداً على الهجوم الكيميائي في دوما بالغوطة الشرقية، أمر الرئيس دونالد ترامب، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، في وقت متأخر من مساء الجمعة، بقصف ثلاثة مواقع في جوار دمشق.

وبدا أنّ القرار جرى التوصل إليه بتسوية ضبابية، بين جناحي مستشار الأمن القومي المعيّن جون بولتون - ترامب من جهة، ووزير الدفاع جيمس ماتيس من جهة ثانية.

في إعلانه المتلفز، وصف ترامب العملية بأنّها من النوع "المفتوح على الاستمرار"، وبعد أقل من ساعة، أطلّ على الشاشة، ماتيس مع رئيس الأركان الجنرال جوزيف دانفورد ليقول إنّها "عملية محدودة تناولت ثلاثة مواقع كيميائية"، و"قد انتهت".

التباين بينهما واضح، والخلاف الداخلي لا يبدو أنّه انتهى حول الملف السوري، وهو بذلك مرشح لإثارة المزيد من الصراعات في الإدارة الأميركية.

الجناح الأول يعكس توجّه بولتون، وتشديده على وجوب المواجهة مع الروس وإيران في سورية، فيما الثاني يعبِّر عن مدرسة الحذر والنأي عن احتمالات الانزلاق والتورّط والتي يمثّلها ماتيس في الإدارة.

بالنهاية كان التوفيق بين الاثنين، وبضغط من ترامب، من خلال صيغة جمعت بين التوسّع في العملية، أكثر من ضربة مطار الشعيرات في حمص وسط سورية العام الماضي، وبين الحرص على حصرها في المواقع والمخازن والمصانع الكيميائية كما عرّفتها وزارة الدفاع البنتاغون.

بذلك بقيت وظيفة الضربة رمزية "غير متسقة استراتيجياً" كما وصفها الأدميرال المتقاعد جيمس ستافريدس، وهي بهذا لا تتعدّى الإجراء العقابي وليس الردعي، ولهذا "لن يكون لها مفعول لناحية تغيير المعادلة على الأرض"، بحسب قوله. ومثل هذه القراءة تقاطعت عندها معظم الردود الأولية على العملية التي جاء قرارها تلبية لحاجة محلية ولحسابات جيوسياسية في آن واحد.

ليس سراً في واشنطن، أنّ ترامب يمرّ في وقت حرج، فالتحقيقات في التدخل الروسي المحتمل في الانتخابات، بلغت مرحلة حساسة وضاغطة على رئاسته، لا سيما بعد مداهمة مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي"، لمكتب ومنزل محاميه مايكل كوهن، قبل يومين، ولذلك صارت التحقيقات مربكة، وانكشافاتها تهدد بعواقب خطيرة.

وبالتالي بات ترامب بحاجة إلى تضييع الأثر والتقاط الانفاس. جاء الهجوم الكيميائي في دوما، فسارع إلى التهديد بالرد، وبتدفيع النظام السوري "ثمناً كبيراً"، قبل التشاور مع البنتاغون الذي سبق وخالفه، قبل أيام، بشأن الانسحاب "القريب" من سورية.

عمل ماتيس على شراء الوقت، من خلال الدعوة للتمهل، ريثما يجري التأكد من استخدام الكيميائي، لم يكن وزير الدفاع متحمسّاً للرد. واكتفى البنتاغون بإقناع ترامب، بالبقاء في شرق سورية، وصرف نظره عن خيار الانسحاب.

لكن بولتون ضغط باتجاه تغيير التوجّه والحسابات. في الوقت الحالي هو يقوم بدور المهندس الرئيسي للسياسة الخارجية، فهو مستشار لكنه يلعب دور وزير الخارجية في آن واحد، وترامب يتأثر به، بعد أن كان التأثير الأكبر للوزير ماتيس.


ومن هذا الموقع جادل بولتون، ودفع باتجاه الضربة، وبأن تستهدف أكثر من موقع، بحيث تكون بمثابة رسالة إلى موسكو التي بدا سكوتها مثيراً للتساؤل. خاصة أنّها لوّحت بالتصدّي لأي ضربة صاروخية في سورية بصواريخ مضادة.

البنتاغون قال إنّه لم يبلغ الروس بالعملية. فقط وضعهم في جوّها، من خلال إبلاغهم عن حركة الطيران في المناطق المستهدفة. وفي التقدير أنّهم علموا بها، لكنّهم التزموا الحياد حيالها، ما طرح علامة استفهام في واشنطن، حول ما سيكون عليه الرد الروسي، بعد هدوء غبار الضربة.

المرجّح أمران: أنّ العلاقات الأميركية الروسية، أخذت مع هذه العملية شحنة إضافية من التوتر والتأزم، وبما قد ينعكس على ملفات وأزمات أخرى، من أوكرانيا إلى كوريا الشمالية، مروراً بإيران. الثاني؛ أنّ الساحة السورية انفتحت أبوابها على المزيد من الحروب بالوكالة، وبما يعقّد أزمتها ويبعدها أكثر وأكثر عن احتمالات التهدئة، ناهيك عن التسوية، بل يرشّحها إلى المزيد من التمزيق والتقسيم الذي عادت سيرته تتردد في الآونة الأخيرة، وعلى لسان مسؤولين سابقين؛ مثل مساعد وزير الخارجية السابق، والأستاذ حالياً في جامعة هارفرد نيكولا بيرنز.