هل تدفع إيران ثمن المساومة الأميركية الروسية في سورية؟

هل تدفع إيران ثمن المساومة الأميركية الروسية في سورية؟

14 ابريل 2018
تبدو إيران وكأنها تنقلب على اتفاقات أستانة (Getty)
+ الخط -
وسط التصعيد الأميركي الروسي فوق الأراضي السورية، الذي لا يزال ضمن الحدود الكلامية حتى اليوم، على الرغم من تهديدات واشنطن بشن ضربة عسكرية ضد نظام بشار الأسد، يبرز الوجود الإيراني على الساحة السورية، والذي يبدو اليوم مهدداً أكثر من أي وقت مضى، في ظل تقارير عن اشتراط واشنطن على موسكو العمل على سحب القوات الإيرانية والمليشيات الموالية لها من سورية، مقابل إلغاء الضربة التي يهدد بها الرئيس دونالد ترامب. وتبدو إيران واعية لهذا الخطر على تواجدها في سورية، بعد تقديمها ما تصفه بـ"تضحيات كبيرة" للحفاظ على نظام بشار الأسد، وعدم نجاحها حتى الآن بتحقيق مكاسب من ذلك، ويبدو من هذا المنطلق مفهوماً تصريح مستشار المرشد الإيراني الأعلى، علي أكبر ولايتي، خلال زيارته إلى دمشق الأربعاء والخميس، والذي حمل شقين، الأول سياسي بتصريحات داعمة للأسد، والثاني عسكري بدعوته لطرد الأميركيين من شرق الفرات والحديث عن "أمله بتحرير إدلب" قريباً.

وقال ولايتي، في مؤتمر صحافي عقب لقائه بشار الأسد يوم أمس الأول الخميس في دمشق، إن "إدلب مدينة سورية مهمة ونحن نأمل بأن تتحرر في القريب العاجل بهمة سورية ومناضليها. وكذلك شرق الفرات منطقة مهمة للغاية ويحدونا الأمل أن يتم اتخاذ خطوات شاسعة ومهمة في ما بعد، في سبيل تحرير هذه المنطقة وطرد الأميركيين المحتلين من هذه المنطقة".

وتأتي تصريحات ولايتي وكأنها قلب للطاولة على شركاء الأمس في أستانة والتي انتجت مناطق خفض التصعيد الأربع، إدلب وريف حلب وريف حمص الشمالي والغوطة الشرقية ودرعا. ومن المعروف أن تركيا هي الضامن للفصائل المسلحة في إدلب وريف حلب، في وقت تُعد كذلك منطقة نفوذ لها. كما لا يمكن الفصل بين ما حدث في الغوطة الشرقية من إخراج المقاتلين وعائلاتهم وتهجير رافضي التسوية مع النظام إلى الشمال السوري، عن سيطرة تركيا على منطقة عفرين بما بدا اتفاقاً واضحاً مع الروس، أظهره انسحاب القوات الروسية منها قبيل بدء تركيا عمليتها التي أطلقتها بالشراكة مع الفصائل المسلحة السورية المدعومة من قبلها تحت اسم "غصن الزيتون".

ورأى مراقبون للوضع أن إيران قد تكون استشعرت الخطر على تواجدها في سورية، في ظل الكثير من التقارير الإعلامية التي تحدثت خلال العام الماضي عن توافق أميركي روسي إسرائيلي حول ضرورة تحجيم وإنهاء التواجد الإيراني في سورية، حتى أن الروس استقدموا مليشيا سهيل حسن، الضابط السوري المقرب من الروس، لخوض معركة الغوطة الشرقية والتي حدّت من دور الفرقة الرابعة والمليشيات الإيرانية. كما أن الشرطة العسكرية الروسية هي من انتشرت في الغوطة، ولم يمنع الروس الطيران الإسرائيلي من استهداف قوات إيرانية في مطار التيفور قبل أيام، ما تسبّب في مقتل 4 عناصر إيرانيين اعترفت بهم إيران، من دون الإعلان عن عدد القتلى من المليشيات، إذ لا تعترف إيران أو روسيا عادة بالقتلى من عناصر المليشيات التي تجلبانها إلى سورية.


ولا يبدو أن لإيران حظوظاً كبيرة مع حلفائها الظاهرين، إن كان الروس أو الأتراك، فلم يخفِ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أولوياته يوم أمس الأول خلال تدشين مشروع للسكك الحديدية، حين أعلن تمسك بلاده بالتحالف مع الولايات المتحدة والشراكة مع روسيا والتعاون مع إيران، مؤكداً أن العلاقات مع الصين وإيران وروسيا ليست بديلاً عن العلاقات مع الغرب، فيما جاءت إيران في المستوى الأدنى. وأضاف أردوغان "يخطئ كل من يدعم نظام الأسد... وكذلك يخطئ من يدعمون تنظيم حزب الاتحاد الديمقراطي الإرهابي. أما نحن فسنواصل مواجهة كلا الخطأين حتى النهاية ونريد وقف هذه المسرحية في سورية والعراق، وسقوط الأقنعة عن الوجوه". وتابع: "سنجعل إدلب، وتل رفعت، ومنبج، وعين العرب، وتل أبيض، ورأس العين، وقامشلي، آمنة، وسنمكّن جميع السوريين من العودة إلى مناطقهم".

وقلل متابعون من إمكانية خوض الإيرانيين معركة أحادية في إدلب من دون دعم روسي، مذكرين بتقهقر مليشيات طهران إلى جانب قوات النظام السوري، قبل تدخّل روسيا الذي غيّر ميزان القوى على الأرض، في ظل تراجع الدعم الغربي والعربي للفصائل المسلحة المعارضة. إضافة إلى اهتمام روسيا بالحفاظ على شراكتها الاستراتيجية مع تركيا، أكان لوزنها في الملف السوري شمالاً أو لأهمية شراكتها الاقتصادية، إذ تُعتبر تركيا اليوم البوابة الأسلم للغاز الروسي إلى أوروبا، والتي تعفيها من التنازل في الملف الأوكراني والسوري، في الوقت الذي تحصل به تركيا فرصة لإحداث ثورة في مجال الطاقة ونقل التكنولوجيا التي منعها الغرب عنها.
وبحسب هؤلاء المتابعين، فإن إيران قد تتحول إلى اللاعب المشاغب، عبر استخدام ورقة تنظيم "داعش"، الذي ما زال متواجداً في البادية شرق حمص، إذا ما تم فتح الطريق أمامه للوصول إلى إدلب، كما حدث سابقاً في ريف حماة الشرقي. هذا الأمر قد يغيّر أولويات الأتراك الذين يبدو أن لديهم أولوية للسيطرة على مناطق غرب الفرات.

وما زالت الضبابية تسود المشهد الدولي في تداخل المصالح والصراعات والتي قد تختلف خرائطها من منطقة إلى أخرى، ففي حين يعتبر البعض الضربة الأميركية المتوقعة مدخلاً لعودة اللاعب الأميركي إلى الشرق الأوسط عبر سورية، ليغير توازنات اللعبة وتوزيع الأدوار، بعد تلزيم الملف السوري للروس لأكثر من عامين، هناك من يعتبر أن الضربة الأميركية تلزيم الأميركيين والاسرائيليين إنهاء أو على الأقل تحجيم الدور الإيراني في سورية، وإنهاء ما تبقى لدى النظام السوري من أسلحة استراتيجية، أكان ما يتم الحديث عنه من كميات من الأسلحة الكيميائية التي لم تسلم، وتدمير المنشآت المنتجة لتلك الأسلحة، إضافة إلى ترسانة الصواريخ بعيدة المدى.