حراك سياسي عراقي لمراجعة قرارات مصادرة ممتلكات مسؤولين سابقين

حراك سياسي عراقي لمراجعة قرارات مصادرة ممتلكات مسؤولين سابقين

08 مارس 2018
ضمّت لائحة التجريد آلاف الضباط (علي مكرّم غريب/الأناضول)
+ الخط -


تحوّل ملف مصادرة أملاك العديد من العراقيين إلى ملف حساس قبل الانتخابات التشريعية العراقية، المقررة في 12 مايو/أيار المقبل. وبات الملف مرجحاً للتفاعل أكثر في الأوساط العراقية قريباً، ومن شأن ذلك أن يفضي إلى حراك سلبي بين السلطات السياسية والأمنية في البلاد مع عشرات آلاف المواطنين.

كشفت قيادات سياسية عراقية مختلفة، أمس الأربعاء، عما وصفته بـ"حراك واسع داخل البرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية، لإعادة النظر بقضية مصادرة أملاك أكثر من أربعة آلاف شخص، وأقربائهم حتى الدرجة الثانية، أكثر من نصفهم ضباط بالجيش العراقي السابق، عبر استحصال قرار قضائي يقضي بتجميد القرار والتعامل مع الموضوع بشكل قضائي لا سياسي، بمعنى أن يخضع كل شخص للتحقيق في معرفة مصادر أمواله، وما إذا كان قد تورّط فعلاً في جرائم او انتهاكات ضد العراقيين".

جاء ذلك بعد موجة انتقادات حادة وجهها سياسيون ومسؤولون حكوميون لقرار الهيئة المكلفة بملف النظام العراقي السابق، والتي تشكّلت عقب الاحتلال (2003) باسم "هيئة اجتثاث البعث"، ومن ثم تحوّل اسمها إلى "هيئة المساءلة والعدالة"، مع سيطرة قيادات في حزب "الدعوة الإسلامية" بزعامة نوري المالكي ومنظمة "بدر" المعروفة بقربها من إيران، عليها.

وأصدرت "هيئة المساءلة والعدالة" رسمياً مطلع الأسبوع الحالي قوائم ضمت أكثر من أربعة آلاف شخص، ضمنهم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وعائلته، فضلاً عن أقربائه ووزراء ووكلاء وزراء ومدراء عامين وعلماء التصنيع العسكري وقيادات وأعضاء بحزب البعث وجنرالات وضباط بالجيش العراقي السابق. كما اعترضت وزارة الداخلية العراقية في بيان رسمي أصدرته على تضمين ضابط بارز في قوائم الهيئة قتل خلال المواجهات مع تنظيم "داعش".

وقال قيادي بارز في "تحالف النصر"، برئاسة رئيس الحكومة حيدر العبادي لـ"العربي الجديد"، إن "الأخير أيد خطوات اقترحتها قيادات سياسية عدة، في تحالف الوطنية والتيار المدني وتيار القوى وأعضاء في لجنة المصالحة الوطنية، تهدف لإيقاف أكبر عملية انتقام عشوائية تنفذ منذ سنوات".



وبيّن أن "القوائم تضمنت أسماء ضباط وقيادات ميدانية بالجيش العراقي شاركت في حرب إيران فقط، ولا علاقة لها بأي ملف سياسي، أو عملية داخلية من التي نفذها صدام حسين ضد العراقيين، تحديداً ضباط سلاح الجو والدروع وعلماء التصنيع العسكري".

وأكد أن "من بينهم ضباطا كبارا استدعتهم الحكومة مجدداً بعد انهيار الجيش الحالي في الموصل واجتياح داعش للبلاد، وقدموا خدمات كبيرة في القضاء على التنظيم الإرهابي، مثل اللواء الركن أحمد صداك، الذي قتل خلال المعارك مع داعش في الأنبار. واليوم هو من بين الذين تقرر مصادرة منزله وطرد عائلته".

ولفت القيادي إلى أن "رئيس الحكومة يؤيد مطالب تحويل الملف إلى القضاء والتعامل مع كل شخصية على انفراد بالتحقيق في تاريخها، ولا يجوز أيضاً مصادرة منزل أو ممتلكات أقربائه، كما أنه لا يجوز مصادرة أموال ورثوها عن ذويهم". وأعرب عن اعتقاده بأن "تفعيل القرارات لن يكون قبل أشهر عدة، ما يعني أن الموضوع سيُرحّل للحكومة المقبلة. وهو ما يعطي وقتا للتحرك حيال الموضوع".

وكان العبادي قد اعتبر يوم الثلاثاء الماضي، خلال مؤتمر صحافي له إجراءات هيئة المساءلة والعدالة بأنها "ازدواجية"، موضحاً أن "قائمة هيئة المساءلة والعدالة الأخيرة أظهرت عدم وجود مراجعة حقيقية على الأرض، وأنها تتعامل بازدواجية في عملها".

من جانبه، رأى القيادي في "ائتلاف الوطنية"، حامد المطلك، أن "قرار الاستيلاء على الممتلكات صدمة كبيرة للمتطلعين إلى الإصلاح والمصالحة وطي صفحة الماضي". وأضاف المطلك لـ"العربي الجديد"، أنه "فضلاً عن أن القرار غير دستوري ولا إنساني، فإنه يضرّ بالنسيج العراقي"، مشيداً بموقف رئيس الوزراء من القرار وانتقاده له. وبلغت الأسماء المقررة مصادرة أملاكها مع أقربائهم من الدرجة الثانية أربعة آلاف و257 شخصية، تمّ تجريدهم من جميع الأملاك الخاصة بهم، حتى منازلهم، بفعل قانون هيئة المساءلة.

وقال عضو التيار المدني العراقي، المرشح الحالي للانتخابات أحمد كمال، إن "القرار يشجع على استمرار روح الانتقام ولا يمت للإنسانية بصلة"، وأضاف كمال "الملف يجب أن يكون قضائيا، نبدو وكأننا نقدّمهم مع أبنائهم وأحفادهم للتطرف والإرهاب كهدية".



أما رئيس كتلة "ائتلاف الوطنية" النيابية، النائب كاظم الشمري، فاعتبر أنّ "ملف المساءلة والعدالة والعقوبات الجماعية التي مورست خلال الفترة السابقة، كانت نتيجتها القاعدة ومن ثم تنظيم داعش والصراعات الطائفية التي أحرقت الأخضر واليابس". وأكد أنّه "رغم تحذيراتنا في وقتها من خطورة هذه السياسة، إلا أن إصرار بعض الأطراف على المضي بهذا النهج، أوصل العراق إلى حافة الهاوية". وأضاف أنّ "إعادة طرح هذا الملف من جديد وبهذا الوقت الحرج والحساس، من عمر العملية السياسية سيعيدنا إلى المربّع الأول وسيكون لتبعاته مخاطر أكبر من سابقتها، فالعراق لم يمض عليه إلا أشهر قليلة لخروجه من حرب شرسة ضد زمر داعش، ما زالت نتائجها وأضرارها لم تعالج حتى اللحظة".

ودعا إلى "ضرورة الجنوح إلى لغة المنطق، وطي صفحة الماضي والمضي باتجاه مصالحة وطنية حقيقية تعيد اللحمة بين أطياف الشعب العراقي، وتعالج الأخطاء السابقة"، مشدداً على "أهمية تحويل ملف المساءلة إلى القضاء بدلاً من استخدامه كورقة سياسية لتصفية الخصوم أو كدعاية انتخابية، مع قرب كل انتخابات".

من جهته، أكد القيادي في التحالف المدني، عبد الله المعموري، لـ"العربي الجديد"، أنّ "ملف المساءلة والعدالة هو ملف سياسي غير مقبول، ولا يخدم الظرف العراقي الراهن"، مبيناً أنّ "الملف يسخر ضمن أجندات طائفية وحزبية، تضرب أي خطوات للمصالحة الوطنية في الصميم".

وأكد أنّ "هذه التركة التي أوجدتها الحكومات التي سبقت حكومة العبادي، تحتاج إلى تصفية لهذه الملفات، وعدم تركها أداة تستخدم سياسياً، وتؤثر على المجتمع العراقي، وعلى بناء مؤسسات الدولة، وفق أسس مهنية"، مبيناً أنّ "على رئيس الحكومة حيدر العبادي أن يتنبه إلى ضرورة، إنهاء هذا الملف، والشروع بمشروع للمصالحة الوطنية، على ألا يكون مجرد حبر على ورق كما كان سابقاً". ورأى أنّ "أي خطوات للعبادي في هذا الاتجاه ستحسب له إنجازاً كبيراً، وخطوات فعلية نحو التعايش السلمي لعراق واحد".