ارتفاع عدد المرشحين للانتخابات اللبنانية... ليس بسبب "فائض الديمقراطية"

ارتفاع عدد المرشحين للانتخابات اللبنانية... ليس بسبب "فائض الديمقراطية"

08 مارس 2018
بدأت الحملات الانتخابية في بيروت (حسين بيضون)
+ الخط -
دخل لبنان المرحلة التالية من خطوات الانتخابات النيابية المقررة في 6 مايو/أيار المقبل، بعد إقفال باب الترشيحات يوم الثلاثاء، ورسو عدد المرشحين على 976 مرشحاً يتنافسون على 128 مقعداً برلمانياً. والعدد كبير أساساً في بلد صغير كلبنان، ولا يعني "فائضاً من الديمقراطية"، بقدر ما أنه مرتبط بأسباب أخرى، منها محاولات مرشحين جدد خطف بضعة مقاعد، بموجب قانون نسبي مشوّه، يُعتمد للمرة الأولى في تاريخ البلاد، ثم لأنها المرة الأولى التي تحصل فيها انتخابات منذ تسع سنوات، ثم نتيجة فورة "السوشال ميديا" التي رفعت أشخاصاً كثيرين فجأة إلى مصاف "المشاهير" و"المؤثرين" وهو ما دفع بعدد كبير من هؤلاء إلى الترشح مستفيدين من شهرتهم المستجدة.

الارتفاع الكبير في عدد المرشحين من 702 في عام 2009 (آخر مرة حصلت فيها انتخابات تشريعية) إلى 976، تحوّل إلى نكتة في بيروت، خصوصاً في ظلّ تهافت العديد من الشخصيات الإعلامية، على الترشيح. منهم من عزا ذلك إلى ضعف الأحزاب في إفراز شخصيات من صفوفها قادرة على جذب الناس. ومنهم من اعتبر ذلك خطوة تأتي في إطار التنافس الذي انتقل من وسائل الإعلام المرئية إلى صناديق الاقتراع.

وظهر عجز الأحزاب في اختيار مرشحين، تحديداً في صفوف حزب القوات اللبنانية، التي رشّحت 3 سيدات في قضاء واحد هو المتن (شمالي بيروت)، ومنهن من يترشحن للمرة الأولى، ومنهن من هو وجه إعلامي بارز في لبنان. لكن القوات نفسها، لم ترشح إحدى أقدم مناصراتها، الإعلامية ميّ شدياق، التي تعرّضت لمحاولة اغتيال في سبتمبر/أيلول 2005، ونجت منها مع إصابتها بجروح بالغة. حُكي الكثير عن شدياق، واحتمال ترشحها في شمالي بيروت، إما في قضاء كسروان (شمال بيروت) وإما في قضاء بعبدا (شرقي بيروت)، الأمر الذي لم يحصل. ومشكلة القوات في إفراز قيادات من دواخلها، انعكست على باقي الأحزاب، لكنها تعاطت مع الموضوع بصورة مختلفة.

الثنائي حزب الله وأمل، خرجا باتفاقٍ واحد بينهما، يقضي بخوض الانتخابات معاً، في سبيل كسب أكبر عدد ممكن من المقاعد، تحديداً المقاعد الـ27 المخصصة للطائفة الشيعية في لبنان، لكنهما ومع استخدامهما لغة متشددة تجاه الناخبين، أظهرا عن خوف كامن من احتمال حصول خروق كبيرة في مناطق سيطرتهما في الجنوب والبقاع خصوصاً. فالثنائي ذاك، يمكن له تحمّل خسارة مقعد أو اثنين، لكن ليس أكثر.


كذلك الأمر لدى التيار الوطني الحرّ، حزب رئيس الجمهورية، ميشال عون، الذي سعى إلى التحالف مع شخصيات محددة في كل قضاء، ومعظمها شخصيات سبق أن خاض الانتخابات ضدها في السابق، وذلك لمنع حدوث خروق كبيرة في خزانه الأساسي: جبل لبنان.

أما تيار المستقبل، بقيادة رئيس الحكومة سعد الحريري، فحاول العودة إلى القواعد عبر استخدام اللغة نفسها التي استُخدمت سابقاً، وهي اللعب على الرابط العاطفي بين الحريري الابن، ووالده رئيس الحكومة المُغتال، رفيق الحريري. وهو الأمر الذي مكّنه من الفوز بمقاعد نيابية عدة، مع ذلك، فإن القانون سيجعل من كتلة الحريري أقل عدداً بكثير من الكتلة الحالية (36 نائباً). أما كتلة "اللقاء الديمقراطي"، التابعة للنائب وليد جنبلاط، فتعمل على إقفال مواقعها الأساسية بتحالفات معقّدة، بغية المحافظة على عددها (11 نائباً). كما سيدفع القانون الحالي إلى تراجع كتل أخرى، سواء لصالح كتل منافسة أم لصالح كتلة مستقلة، لا تؤيد أياً من أطراف الصراع السياسي الحالي في لبنان، بين الموالاة والمعارضة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن التقدم المضطرد للمجموعة الرافضة للأحزاب السياسية الحالية، خصوصاً لدى الفئة الشبابية، ستُسهم في تغيير محدد في تركيبة المجلس النيابي. فبين عامي 2009 و2018 تغيرت أمور كثيرة في لبنان. وسائل التواصل الافتراضي سمحت بنمو جيل رافض لسياسات متراكمة أبطالها الإقطاع السياسي وأمراء الحرب ورجال الأعمال. وهي الطبقة التي واجهها شبّان عزّل في صيف 2015 للمطالبة بمعالجة مشكلة النفايات. كما أنه من المتوقع تراجع العديد عن ترشيحاتهم في 22 مارس/آذار الحالي، ضمن المهلة القانونية لذلك، لإتاحة أكبر الفرص الممكنة للأحزاب التقليدية للفوز بأكبر عدد ممكن من المقاعد. أما اللوائح المنافسة للسلطة فتبقى في حالة تشرذم حتى إشعار آخر، مع رفض العديد من أطرافها الاتحاد في لائحة واحدة في كل لبنان، لتحقيق إنجاز، قد يحصل للمرة الأولى في تاريخ البلاد، عبر إبعاد ثلاثية الإقطاعية وأمراء الحرب ورجال الأعمال من البرلمان.