هل تعرفون سي العربي؟

هل تعرفون سي العربي؟

06 مارس 2018
أخفقت الجزائر في كتابة هذه القصة النضالية وإخراجها للعالم(Getty)
+ الخط -
لكل ثورة عقل. وعقل ثورة الجزائر وحكيمها كان العربي بن مهيدي. حظي الرجل بتقدير أسطوري وهيبة تاريخية في الجزائر، كما لم يحظ بهما أحد، وهو الذي اضطر جلادوه بعد اعتقاله وسلخ أظافره، إلى التدافع لأخذ الصور معه ـ حتى وهو مقيّد اليدين كان يبتسم للكاميرات ـ وتأدية التحية له إجلالاً لصموده، وإكباراً لتمسكه بالحق والحرية، والإقرار بأنهم ما استطاعوا أن يأخذوا منه سراً من أسرار الثورة.

يعرف شهر مارس/ آذار في الجزائر بشهر الشهداء، وما أدراك ما الشهداء في الجزائر. ففي هذا الشهر سقط في ساحة المجد كبار قادة ثورة المليون ونصف مليون شهيد وأبطالها. سي العربي واحد منهم، أسطورة ثورية خالدة ونقية. صنع الجزائريون به وبأمثاله تاريخاً مقدساً من النضال، عندما قرّر سي العربي ورفاقه في لحظة جنون تاريخي كسر شوكة الظلم، بعد قرن ونيف من الظلم الاستعماري الطويل، وإطلاق المارد الثوري الذي التهم ديغول وجيشه في سبع سنوات.

لكنّ الجزائر التي كتبت كل هذا التاريخ الثوري المشرق والمشرّف، عجزت عن إخراج قصة النضال المدهش أدبياً وثقافياً وفنياً وسينمائياً إلى العالم الحرّ. كقصة العربي بن مهيدي والجميلات الثلاث، جميلة بوعزة الراحلة وجميلة بوحيرد المتألقة وجميلة بوباشا التي رسمها بيكاسو، وجاز أن يسأل أحدهم، كيف يعرف العالم تشي غيفارا ولا يعرف العربي بن مهيدي، وكيف يعرف جان دارك ولا يعرف جميلة بوباشا مثلاً.

ليس صحيحاً إذاً ما يجري قوله من أن التاريخ يكتبه المنتصرون، فقد كسبت الجزائر معركتها الثورية والتحررية، وأنتجت نماذج ثورية ناجحة، وأكبر بكثير من بعض الثوريين العالميين الذين يُحتفى بهم. حفرت بالأظافر خنادق طويلة تحت السجون، وأدارت معركة مع المستعمر من تحت شجر الصفصاف، وحوّلت البلّوط إلى وجبة مقاتل، والبنادق الصدئة إلى كتلة من العزيمة في مواجهة الدبابة الفرنسية، والدواب إلى أسطول نقل الأسلحة من الحدود إلى الحدود، لكنها أخفقت كثيراً في المقابل في كتابة هذه القصة النضالية وإخراجها إلى العالم، وتركت تاريخاً ثورياً عميقاً للنسيان تارة، ولهيمنة الرواية الرسمية المشبعة سياسياً تارة أخرى، وفي أحيان كثيرة للعبث والإسقاطات المتعسفة وتزييف المؤرخين الهواة والتزوير الاستعماري.

سيقرر الباحثون في الجيل الحالي والأجيال اللاحقة، ما إذا كانت 60 سنة من الاستقلال، غير كافية لاستيعاب تلك المرحلة الثورية والحدث التاريخي في مجمل تفاصيله وأبعاده وملابساته وكتابتها، وغير كافية للخروج من حالة الدهشة وإعادة قراءة التاريخ الهادر بشكل هادئ وتصديره كتجربة تحررية وإنسانية عميقة. فكلما مرّ بعض الوقت، ضاع كثير من هذا الرصيد التاريخي صوتاً وصورةً.