النظام السوري ينكّل بالغوطة: منع الأدوية وتقسيط الغذاء

النظام السوري ينكّل بالغوطة: منع الأدوية وتقسيط الغذاء

06 مارس 2018
تواصل قوات النظام تقدمها في الغوطة (فرانس برس)
+ الخط -
دخلت حرب الإبادة التي يشنها النظام وحليفاه روسيا وإيران على عشرات آلاف المدنيين المحاصرين في غوطة دمشق الشرقية مرحلة جديدة مع الإعلان الروسي، أمس الاثنين، عن خطة قوات النظام التي تتقدم من محورين غربي وشرقي لشطر الغوطة من الوسط وتقطيع أوصالها، فيما تؤكد فصائل المعارضة أنها تحاول تدارك الخرق الذي يتسع من الجهة الشرقية والذي أدى إلى سيطرة قوات النظام على ما يقدر بأكثر من 25 في المائة من مساحة الغوطة الشرقية، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وتزامن احتدام العمليات العسكرية، بما في ذلك القصف الذي أدى لسقوط عشرات المدنيين، مع تمرير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أمس الاثنين، قراراً يدعو محققي حقوق الإنسان إلى "فتح تحقيق شامل ومستقل في الأحداث الأخيرة في الغوطة الشرقية"، مطالباً بالسماح فوراً بدخول المساعدات الإنسانية إليها. وجاء ذلك في وقت لجأت قوات الأسد التي تحاصر مدن وبلدات الغوطة إلى استبعاد لوازم طبية كانت في قافلة مساعدات أممية دخلت أمس إلى الغوطة، إمعاناً منها في تعميق مآسي المدنيين المحاصرين للضغط أكثر على فصائل المعارضة المسلحة كي تقبل توقيع وثيقة استسلام تفضي إلى اخلاء غوطة دمشق الشرقية من سكانها في سياق استراتيجية يعمل عليها النظام وحلفاؤه تهدف إلى احداث تغيير ديمغرافي كبير في محيط العاصمة دمشق. كما أتى دخول المساعدات مع ترويج روسي أن "مسلحي الغوطة الشرقية وعدوا بالسماح للمدنيين بالخروج عبر الممر الآمن الذي فتحه الجيش السوري، مقابل إدخال المساعدات الإنسانية إليهم"، وهو ما نفته المعارضة السورية المسلحة لـ"العربي الجديد".


في موازاة ذلك، شهدت الساعات الأخيرة تبادلاً للاتهامات بين موسكو وواشنطن على خلفية التطورات في الغوطة في وقت ينتظر أن يحضر الملف السوري على طاولة المباحثات الأميركية الروسية فيما لو تمت الموافقة على المقترح الروسي بعقد لقاء بين وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأميركي ريكس تيلرسون في إثيوبيا، الذي أعلن عنه نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن تقييم الولايات المتحدة للواقع في الغوطة "لا يتفق مع الواقع".

واتهمت وزارة الدفاع الروسية، أمس الاثنين، من سمتها "قوات تسيطر عليها واشنطن في سورية" بشنّ "هجمات يومية على الجيش السوري في الغوطة لتعديل الحدود في منطقة عدم التصعيد". كما رفضت وزارة الدفاع الروسية ما وصفته بـ"ادعاء أميركا بتجاهل روسيا لقرار الأمم المتحدة بشأن سورية". وأتى ذلك رداً على اتهام البيت الأبيض لموسكو ليل الأحد – الاثنين بتعمد تجاهل قرار مجلس الأمن الدولي 2401 الذي يطالب بوقف لإطلاق النار لمدة 30 يوماً، قائلاً إن روسيا قتلت "مدنيين أبرياء وسط ادعاءات زائفة بتنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب"، لافتاً إلى أنها "التركيبة نفسها من الأكاذيب والقوة العشوائية التي استخدمتها روسيا والنظام السوري لعزل وتدمير حلب عام 2016، حيث قتل الآلاف من المدنيين". وكانت روسيا قد أعلنت عما تصفه بـ"هدنة" منذ الثلاثاء الماضي، تجددها يومياً، وتمتد لخمس ساعات أكدت جميع الوكالات الأممية أنها غير كافية.


استبعاد اللوازم الطبية من قافلة المساعدات

بعد أكثر من أسبوع على اعتماد الأمم المتحدة للقرار رقم 2401 الداعي لوقف إطلاق النار في سورية لـ30 يوماً والسماح بإيصال المساعدات، دخلت قافلة مساعدات إنسانية أممية مؤلفة من 46 شاحنة، أمس الاثنين، إلى الغوطة الشرقية، لكن قوات النظام استبعدت حقائب إسعافات أولية ولوازم جراحية منها . ونقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول في منظمة الصحة العالمية قوله إن أمن قوات النظام رفض كل حقائب الإسعافات الأولية واللوازم الجراحية والغسيل الكلوي والإنسولين، مشيراً إلى أن نحو 70 في المائة من الإمدادات التي نقلت من مخازن منظمة الصحة العالمية إلى شاحناتها استبعدت خلال عملية التفتيش.

بدوره، قال علي الزعتري، وهو أحد مسؤولي الأمم المتحدة الذين رافقوا القافلة، إنها أصبحت تقتصر على مساعدات لنحو 27500 شخص بعدما كانت تحمل مواد غذائية لنحو 70 ألفاً. وتقول الأمم المتحدة إن سورية وافقت على دخول بقية الغذاء لمن تبقى ضمن السبعين ألفاً في قافلة ثانية خلال ثلاثة أيام. من جانبه، أكد الناشط الإعلامي محمد الغوطاني، في حديث مع "العربي الجديد"، دخول قافلة المساعدات إلى الغوطة الشرقية عبر مخيم الوافدين، مشيراً إلى أن "قوات النظام صادرت شاحنة ضمن القافلة محملة بالمواد الطبية". ولفت إلى أن "هناك تخوفاً من عمليات قصف جوي عقب دخول القافلة التي لم توزع محتوياتها حتى ظهر الاثنين".

في موازاة ذلك، أكد المتحدث باسم "حركة أحرار الشام" في الغوطة الشرقية، منذر فارس، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "ثوار الغوطة لم يمنعوا أحداً من الخروج، ولكن أهالي الغوطة ليست لديهم نية للخروج ويرفضون خطة الروس بالتهجير والتغيير الديمغرافي حول دمشق. فأهل الغوطة هم أصحاب الأرض ومتمسّكون بأرضهم". وأوضح فارس أن "روسيا تكذب، وتهدف من خلال ذلك إلى تصوير ثوار الغوطة على أنهم يتاجرون بالمدنيين ويتخذونهم دروعاً بشرية".

كذلك، قال المتحدث باسم "فيلق الرحمن"، وائل علوان، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الجيش السوري الحر لم يمنع المدنيين في الغوطة من حرية التنقل والحركة سابقاً ولا الآن"، ولفت علوان إلى أن "المدنيين لا يزالون يعلّقون آمالهم على تنفيذ قرار مجلس الأمن 2401 الذي يضمن إيقاف ما يتعرضون له من الإبادة والجرائم وإدخال المساعدات لهم دون إجبارهم على ترك منازلهم".


احتدام المعارك

وتحتدم الاشتباكات بين فصائل المعارضة السورية في غوطة دمشق الشرقية من جهة، وبين قوات النظام ومليشيات محلية وإيرانية تساندها من جهة أخرى، إذ تضغط الأخيرة منذ أيام من أجل إحداث اختراق كبير يؤدي إلى تقطيع أوصال الغوطة الشرقية. وتؤكد وسائل إعلام تابعة للنظام، وكذلك المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن قوات الأخير تسيطر على ما يقدر بأكثر من 25 في المائة من مساحة الغوطة الشرقية، منذ بدء هذه القوات هجومها المكثف في الخامس والعشرين من الشهر الفائت بعد حملة قصف جوي أدى إلى مقتل مئات المدنيين.
ونقلت صحيفة "الوطن"، الاثنين، عن "الإعلام الحربي المركزي" أن قوات النظام وصلت إلى مشارف بلدتي مسرابا وبيت سوا، بعد السيطرة على المنطقة الممتدة من جنوب بلدة الشيفونية وصولاً إلى شمال بلدة حوش الأشعري.

وقالت الصحيفة إن أقل من 4 كيلومترات باتت تفصل القوات المتقدمة من شرق القطاع الأوسط للغوطة عن القوات التي تقدمت من إدارة المركبات في حرستا غرباً، مشيرة إلى أن قوات النظام تحاول شطر الغوطة إلى قسمين، منطقة شمالية تضم دوما وحرستا، وجنوبية تضم عربين وزملكا وجسرين وعين ترما.

وفي السياق، أعلنت قاعدة حميميم الروسية في الساحل السوري، أمس الاثنين، أنه "من المقرر أن تتقدم قوات الفرقة البرية الرابعة من الجهة الغربية باتجاه عمق الغوطة الشرقية، بينما ستتقدم قوات الضابط السوري العميد سهيل الحسن من الجهة الشرقية باتجاه عمق الغوطة لتلتقي القوتان معاً". وأشارت القاعدة إلى أن قوات الحسن "تبدي تقدماً سريعاً قد يكون كفيلاً بتحقيق الهدف الأول من المعركة على الأرض بدلاً من انتظار القوات المتقدمة من الجهة الغربية لإتمام مهامها التي تبدو صعبة للغاية قياساً بالنتائج التي تم تحقيقها حتى الآن".

ويقود ماهر الأسد، شقيق بشار الأسد، الفرقة الرابعة، وهي من أكثر فرق جيش النظام فتكاً بالمدنيين، بينما يعتبر سهيل الحسن الذي يلقبه موالون بـ"النمر"، قائد أكثر حملات النظام العسكرية دموية. وأشارت قاعدة حميميم إلى أن القوات الروسية في سورية ستقوم بـ"تكريم القائد الأبرز من قوات النظام" الذي يقوم بتحقيق ما سمتها بـ"إنجازات في المعارك البرية بالغوطة الشرقية بوسام الشرف في الحرب على الإرهاب".
ويعد ما ذكرته القاعدة الروسية دليلاً واضحاً على أن قوات النظام باتت أداة بيد الجيش الروسي الذي يكرر في الغوطة ما فعله في الشيشان في أواخر تسعينيات القرن المنصرم من حرب إبادة، وهو ما بات يعرف في العلوم العسكرية بـ"خيار غروزني المتوحش". وكرر رأس النظام السوري بشار الأسد، في تصريحات تلفزيونية أول من أمس، التأكيد أن العملية العسكرية في الغوطة الشرقية "مستمرة"، زاعماً أنه "لا يوجد أي تعارض بين الهدنة، وبين الأعمال القتالية".

من جانبه، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن قوات النظام سيطرت على كل من: بلدة بيت نايم، ومزارع الأشعري وأطرافها وأطراف مزارع حوش قبيَّات ومزارع تابعة لبلدة بيت سوى، بعد أن كانت سيطرت على كل من: النشابية وحزرما وحوش الضواهرة وحوش الزريقية والشيفونية وحوش الخانم ومزارع أخرى وفوج الدفاع الجوي والفوج 274.
وأشار المرصد إلى أنه بقيت أقل من 6 كيلومترات تفصل قوات النظام المتقدمة من شرق الغوطة المحاصرة، عن الوصول إلى إدارة المركبات في القسم الغربي من الغوطة الشرقية قرب مدينة حرستا. واعتبر أنه "في حال تمكنت قوات النظام من قطع هذه المسافة، فإنها ستشطر الغوطة الشرقية إلى قسمين، أحدهما يضم مدينتي دوما وحرستا ومزارع الريحان، والآخر سيضم البلدات والمدن التي يسيطر عليها فيلق الرحمن وبعض المناطق الخاضعة لجيش الإسلام"، وهما أبرز الفصائل المدافعة عن الغوطة. من جهته، قال المتحدث باسم فيلق الرحمن، وائل علوان، إن "الفصائل جميعها تعمل للدفاع عن الغوطة"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أن "التنسيق بين فصائل الغوطة عالٍ والعمل مشترك لاسترجاع كافة النقاط التي تقدمت إليها قوات الأسد".

وواصلت قوات النظام، الاثنين، القصف العنيف على مدن وبلدات غوطة دمشق الشرقية المحاصرة منفذة أكثر من خمس وأربعين غارة جوية، موقعة عشرات القتلى والجرحى بين المدنيين، معظمهم في مدينة حمورية. وقال مصدر من مركز الغوطة الإعلامي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الطيران الحربي والمروحي التابع لقوات النظام السوري قصف، منتصف ليل الأحد وصباح الاثنين، الأحياء السكنية في مدينة حمورية بالغوطة الشرقية، ما أسفر عن مقتل 44 مدنياً وجرح أكثر من خمسة وثلاثين، بينهم أطفال ونساء ومتطوع من الدفاع المدني. من جهته، أفاد الناشط محمد الشامي، في حديث مع "العربي الجديد"، بأن "مدنيين قتلا في مدينة زملكا، واثنين في بلدة حزة، واثنين في بلدة مسرابا، وستة مدنيين في بلدة جسرين، بينهم أربعة أطفال. كما وقع عشرات الجرحى، بينهم مصابون بحالات حرجة، جراء القصف الجوي والمدفعي، فجر أمس، على الأحياء السكنية في تلك المناطق". وانتشلت فرق الدفاع المدني سبعة مدنيين على قيد الحياة من تحت الأنقاض في مدينة حمورية، فيما أصيب أربعة من عناصر الدفاع المدني جراء تجدد القصف على أحياء مدينة دوما، والذي أدى إلى انقلاب سيارتي إسعاف خلال نقل المصابين. وتحدث الناشط الميداني، عمر أبو أحمد، مع "العربي الجديد"، عن مقتل ثلاثة مدنيين في حصيلة أولية، وإصابة ستة عشر مدنياً، بينهم أربع نساء وطفلة، جراء غارة جوية على مدينة سقبا. وأضاف أن غارة جوية على مدينة حرستا أدت إلى مقتل أحد العاملين في المكتب الطبي بالمدينة.