زيارة لودريان تقلق إيران: لا تفاوض بشأن الصواريخ

زيارة لودريان تقلق إيران: لا تفاوض بشأن الصواريخ

05 مارس 2018
سيبحث لودريان في طهران ملف إيران الصاروخي (أوريليان مونييه/Getty)
+ الخط -

تسببت زيارة وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، إلى طهران، والتي يلتقي خلالها، اليوم الإثنين، أبرزَ المسؤولين الإيرانيين، في حالة من القلق والجدل في الداخل الإيراني، لا سيما أنها تزامنت مع أنباء، ذات مصدر غربي، مفادها بأن مسؤولين في وزارة الخارجية الإيرانية بدأوا بالتفاوض مع أطراف أوروبية حول ملفات إقليمية.

وبعد أشهر من النفي الرسمي المتكرر لصحة أنباء من هذا القبيل، ولنية إيران الدخول في محادثات جديدة مع الغرب حول برنامجها الصاروخي أو دورها الإقليمي، حاولت الخارجية الإيرانية الفصل بين مفهومي التفاوض والحوار حول بعض العناوين التي تخص المنطقة. وقال وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، في حوار مع صحيفة "همشهري" الإيرانية، إن وجهة النظر حول الاتفاق النووي لم تتغير، فلن ترضى طهران بتعديله، من دون أن ينفي وجود حوار مع أطراف أوروبية حول قضايا المنطقة، قائلاً إنه قائم منذ زمن، لكن التوصل إلى الاتفاق النووي، قبل أقل من ثلاثة أعوام، رفع من مستوى الحوار كثيراً، على حد تعبيره. وأكد ظريف أن الدبلوماسيين الإيرانيين بحثوا عناوين ترتبط بنزع السلاح وبحقوق الإنسان والمنطقة. واعتبر أن الإدارة الأميركية، التي تهدد بالخروج من الاتفاق، وتشترط تعديله من خلال إملاءات جديدة ترتبط بالدور الإيراني في الإقليم، تلقي شعارات وحسب، وبأن الأوروبيين يحاولون الإبقاء على واشنطن كطرف في الاتفاق، منتقداً السياسات الأميركية في المنطقة، فكيف لها أن تملي على إيران شكل سياساتها، بحسب وصفه.

وسبق نشر هذه التصريحات، بيان صدر عن المتحدث باسم وزارة الخارجية، بهرام قاسمي، والذي رد على ما ذكرته وكالة "رويترز" من أن الوفد الإيراني اجتمع مع مسؤولين من دول أوروبية على هامش مؤتمر ميونخ للأمن، وبدأوا بالتفاوض حول قضايا إقليمية. وأشار قاسمي إلى أن الحوار مع الاتحاد الأوروبي قائم منذ عقود، فلا مانع من تبادل وجهات النظر، معتبراً أن هذا لا يعني تفاوضاً بالضرورة. ونقلت المواقع الرسمية الإيرانية عن قاسمي قوله كذلك إن الوفد الإيراني التقى مسؤولين من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا في ميونخ، وبحث عدة عناوين، على رأسها ملف اليمن، وسعت طهران من خلال اتصالاتها الدبلوماسية إلى إيجاد مخرج للأزمة. ووصف ما تبادلته وسائل إعلام غربية بالأنباء غير الدقيقة، فإيران تستطيع أن تبحث ملفات ثنائية وإقليمية مع أطراف ثانية، ولكن هذا لا يصنفها تحت عنوان مفاوضات ذات إطار محدد.

جاء هذا قبيل وصول لودريان، الذي أجّل زيارته لطهران بعد أن كان من المفترض أن يصلها في يناير/كانون الثاني الماضي، على خلفية الاحتجاجات التي خرجت في عدة مناطق إيرانية. وهو من قال صراحة، في وقت سابق، إن فرنسا معنية ببحث ملف إيران الصاروخي ودورها الإقليمي، وهو ما أجمع الكل على رفضه في الداخل الإيراني، بينما بدأت وزارة الخارجية الإيرانية بتبني خطاب ذات طابع دبلوماسي يحاول الفصل بين الحوار حول التطورات الإقليمية مع طرح وجهة النظر الإيرانية المتعلقة بها، أو دخول طهران في مفاوضات حول ملفات تعنيها بشكل خاص، من قبيل نفوذها أو صواريخها البالستية.

وقال مستشار المرشد الإيراني الأعلى للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، أكثر من مرة، إنه لا شأن لفرنسا بصواريخ طهران. وجدد رفض التفاوض حول ذلك قبل وصول لودريان، معتبراً أنه "لا علاقة لأي بلد أجنبي، بما فيها فرنسا، بالقضايا العسكرية الدفاعية الإيرانية، فلا يحق لها أن تقرر أي نوع من الصواريخ يمكن لإيران امتلاكه"، مؤكداً إجماع الكل في الداخل على هذا الملف. من جهته، وضع المتحدث باسم القوات المسلحة، مسعود جزائري، شرطاً مجازياً. وقال إن "شرط الدخول في مفاوضات هو التخلص من كل الصواريخ بعيدة المدى والأسلحة النووية الأميركية والأوروبية"، واصفاً الشروط الأميركية، التي بدأ الاتحاد الأوروبي بمجاراتها، بالضوضاء المرتبطة بفشل واشنطن في الإقليم. أما رئيس مركز الدراسات الدفاعية الاستراتيجية ووزير الدفاع الأسبق، أحمد وحيدي، فتساءل عن سبب زيارة لودريان في هذا التوقيت، الذي يأتي بعد أسبوع تقريباً من تقديم مشروع بريطاني مؤيد لأميركا في مجلس الأمن يتعلق باليمن، لكنه كان يستهدف إيران. ورأى أن "أيادي الغرب ملطخة بالدماء، فكيف يسمحون لأنفسهم بالتدخل واتخاذ قرارات تخص إيران والمنطقة؟".

الطيف المحافظ في البلاد كان أكثر جرأة وصراحة من البقية، خصوصاً أولئك المحسوبين على المتشددين منه ممن يرفضون الاتفاق النووي، فكيف بالتفاوض حول ملفات ثانية. وذكرت صحيفة "كيهان"، المحسوبة على هذا الخط في عددها الصادر أمس الأحد، أنه يجب الوقوف في وجه تكرار التجارب الخاطئة، واصفة لودريان بممثل الدولة التي كانت بمثابة الشرطي السيئ في المفاوضات النووية، والتي تدعم تنظيم "داعش"، وتعدّ أحد عوامل التوتر في المنطقة، وتسمح لـ"مجاهدي خلق" المعارضة للنظام في إيران باتخاذ باريس مقراً لها. وقالت إن لودريان يريد أن يبحث مع طهران دورها في دعم "حزب الله" في لبنان والحوثيين في اليمن، وهو من يتهمها بمحاولة بسط نفوذها في الإقليم. كما انتقدت "كيهان" توجهات بعض الأطراف الإصلاحية التي لا ترى ضيراً في التفاوض حول الصواريخ، من باب أن الأوروبيين يحاولون إبقاء الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في الاتفاق.

يرتبط كل هذا بشكل مباشر بمحاولة الحفاظ على الاتفاق النووي، فترامب مدد الاتفاق، في يناير/كانون الثاني الماضي، مؤكداً أنها المرة الأخيرة إذا ما لم يتم تعديله، وحذر الأطراف الأوروبية من مغبة عدم كبح جماح إيران إقليمياً وصاروخياً. كما أشارت مصادر من وزارة الخارجية الأميركية سابقاً، بعد لقاء عقده وزيرها، ريكس تيلرسون، مع مسؤولين بريطانيين في لندن، إلى أن الأوروبيين وافقوا على العمل للتوصل إلى اتفاق منفصل عن ذاك النووي، وسيبحث العناوين التي تقلق واشنطن. فالاتحاد الأوروبي غير موافق على تعديل بنود الاتفاق، ويريد بالنتيجة استمراره، كما يدرك أن خطوات ترامب قد تتسبب في انهياره بوجود إصرار إيراني على التصعيد في حال خرج من الاتفاق، لذا يحاولون إطلاق مفاوضات موازية لعملية تطبيق الاتفاق، قبل 70 يوماً تقريباً من صدور قرار ترامب الجديد المتعلق باستمرار العمل به.

في المقابل، فإن إيران تتحدث عن وجود سيناريوهات كثيرة على طاولتها، وهي لطالما حاولت الفصل بين مسألتي النووي والصواريخ البالستية، ويضاف إليها اليوم مسألة دورها في المنطقة. وكانت خلال الفترة الماضية تراهن وتعتمد على الدعم الأوروبي لاستمرار الاتفاق، وهو ما ردع ترامب وحافظ على الاتفاق من وجهة نظرها، إلا أن هذه التطورات قد تزيد الصدع في الداخل، وستخلق تحديات جديدة لطهران قد تهدد اتفاقها هذه المرة بشكل جاد، وهي المعنية بالحفاظ عليه أيضاً. وكانت مجلة "نيويوركر" الأميركية ذكرت أن ظريف التقى وزير الخارجية الأميركي الأسبق، جون كيري، على هامش مؤتمر ميونخ أيضاً، وبحثا عناوين تتعلق بالاتفاق النووي. وأشارت إلى أن كيري طلب من ظريف ألا يتخلى عن الاتفاق، بغض النظر عن أي خطوة سيتخذها ترامب. وأكد ظريف أنه التقى بالفعل مع كيري وبحث معه "سياسات ترامب إزاء الاتفاق"، ونفى في المقابل حصول أي تفاوض ثنائي بين إيران والإدارة الأميركية الحالية.

وتدرك إيران كذلك أن فرنسا، وهي من أشد منتقدي برنامجها الصاروخي، تتطلع لعلاقات اقتصادية مثمرة معها. ففي العام الماضي وحده ارتفعت الصادرات الفرنسية لها بنسبة 120 في المائة، ووقعت العديد من الصفقات، خصوصاً تلك التي حصلت عليها "توتال" في قطاع الطاقة، وأخرى لشراء طائرات مدنية، وهو ما يجعل تهديد الاتفاق لا يصب لصالح باريس أيضاً.