"الحشد" يعود إلى كركوك: صراع الانتخابات يخلط أوراقها

"الحشد" يعود إلى كركوك: صراع الانتخابات يخلط أوراقها

04 مارس 2018
وجود قوات الحشد يحمل في طياته نيّات سياسية واضحة(الأناضول)
+ الخط -
لم تعرف محافظة كركوك العراقية وضعاً أمنياً وسياسياً مستقراً بعد، فما زالت يد الصراع السياسي تعبث بها وتخلط أوراقها، من أجل تحقيق مكاسب لجهات متنازِعة عليها، ما جعل من المحافظة بؤرة صراع سياسي محتدم. والآن تعود المحافظة إلى الواجهة من جديد، فبعد أشهر عدّة على استفتاء كردستان وما تبعه من دخول القوات العراقية وانسحاب البشمركة الكردية، عاودت اليوم مليشيات "الحشد الشعبي" انتشارها في المحافظة على الرغم من قرار صدر في وقت سابق عن رئيس الحكومة، حيدر العبادي، يقضي بخروجها. ويربط مراقبون بين هذا التحرّك، الذي أثّر على الملف الأمني، وبين الحملات الانتخابية، مؤكدين أنّ "صراع الأجندات سيستمر في المحافظة حتى يتم إجراء الانتخابات البرلمانية" المقررة منتصف مايو/أيار المقبل.

وقال مسؤول محلي في المحافظة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "مليشيات الحشد الشعبي، استغلّت هجوم تنظيم داعش الأخير، الذي أدى إلى قتل عدد من عناصرها، لإعادة انتشارها في المحافظة"، موضحاً أنّ "الحشد وعلى مدى أسبوعين، نقلت قطعات عسكرية كبيرة إلى بلدات الحويجة والرياض والقرى المحيطة بها، وتلك القطعات تكفي لفتح جبهة كبيرة".

وأوضح المسؤول أنّ "انتشار الحشد أصبح أمراً مريباً بالنسبة لأهالي كركوك وتلك البلدات بشكل خاص، فعمليات التمشيط والدهم مستمرة، بحجة وجود عناصر لداعش، الأمر الذي أربك الملف الأمني في المحافظة بشكل كبير"، مبيناً أنّ "وجود قوات الحشد يحمل في طياته نوايا سياسية واضحة، فحجّة وجود داعش، غير مقنعة".

وأضاف المسؤول أنّ "مليشيات الحشد تحاول فرض إرادتها على المحافظة، وأن يكون بقاؤها في كركوك بمسوّغ قانوني، ولم تجد سوى إثارة وجود داعش وخطره، ليكون السبب الذي يمنحها الفرصة للعودة إلى المحافظة من جديد"، مشيراً إلى أنّ "الأهالي يتخوّفون من هذا الوجود للحشد، ومن حملات الاعتقال التي تطاول أبناءهم من قبلها".

ولفت إلى أنّ "هناك حديثاً مبالغاً فيه من قبل بعض الجهات المرتبطة بالحشد الشعبي، عن وجود داعش وخطره على كركوك"، مبيناً أنّ "جيوب داعش موجودة في الموصل والأنبار وديالى وصلاح الدين، لكن لا يستغلّ هذا الملف سياسياً كما في كركوك".

وتتحدث جهات سياسية في كركوك، عن استفحال خطر "داعش" في المحافظة، مطالبين بتنفيذ عمليات عسكرية فيها. وقال عضو مجلس المحافظة، نجاة حسين، في تصريح صحافي، إنّ "المحافظة بحاجة إلى عملية عسكرية مكمّلة لعملية فرض القانون، للقضاء على خلايا تنظيم داعش"، مؤكداً أنّ "خلايا التنظيم منتشرة بشكل كبير جداً في الحويجة والرياض وقراها، الأمر الذي جعل أمن تلك المناطق غير مستقر".

وأشار حسين إلى أنّ "دخول الحشد الشعبي إلى المحافظة، جعل التنظيم الإرهابي يدرك أنّه سيهزم من جديد، فهو غير مستعد للمواجهة، ما دفع عناصر التنظيم إلى إخلاء مواقعهم وتغيير ملابسهم والانخراط مع الجمهور"، مبيناً أنّ "تلك العناصر تنتظر الوقت المناسب للتحرّك وتنفيذ عملياتها الإجرامية".

ويدعو وجهاء ومسؤولو المحافظة، إلى إبعادها عن الصراع السياسي. وفي هذا الإطار، قال القيادي في تحالف القوى عن محافظة كركوك، عبد الرحمن العبيدي، في حديث لـ "العربي الجديد"، إنّ "المحافظة تعاني الكثير بسبب الصراع السياسي المحتدم عليها". وأكد أنّ "استمرار هذا الصراع، والسعي لتحقيق المكاسب سيكلف كركوك الكثير"، مبيناً أنّ "المحافظة بحاجة إلى قرارات سياسية صارمة من قبل الحكومة، وأن يفصل ملفها السياسي عن الأمني، ولا تخلط الأوراق فيها". ودعا العبيدي الحكومة المركزية إلى "التدخّل المباشر، وتبنّي الملفين السياسي والأمني، وإبعاد الجهات المتصارعة، من المحافظة".

ويعدّ الصراع السياسي، ومحاولة تحقيق المكاسب الانتخابية، أبرز الأهداف التي تشعل الصراع على كركوك، ومحاولة السيطرة عليها من قبل الأطراف السياسية.

ورأى الخبير السياسي، سعيد المفرجي، لـ"العربي الجديد"، أنّ "التنافس على كركوك له أبعاد سياسية وأمنية. فالأمنية هي الظروف الحالية التي تمرّ بها المحافظة، وهي لا تختلف عن محافظات أخرى بتدهور أمنها، أمّا الغاية الحقيقية، فهي غاية سياسية انتخابية، لأنّ الحكومة وصلت إلى مرحلة اللاعودة في ما يتعلّق بكركوك، وأنّ أية خطوة إلى الوراء تعدّ خسارة لفئة من الناخبين".

وأوضح المفرجي أنّ "قائمة العبادي لها جمهور انحاز لها بسبب عدد من المكاسب التي تمّ تحقيقها، ومنها مكسب استعادة كركوك والنصر على داعش، وهي أبرز المكتسبات للعبادي، وأي تراجع من العبادي بشأن كركوك، سيتسبب بضياع هذا المكسب الانتخابي"، مشيراً إلى أنّ "الحشد تستغل وجودها الأمني في كركوك، لتوظيفه سياسياً لسببين: الأول استقطاب العرب الشيعة فيها وهم عدد غير قليل، والثاني استمالة الجماهير الجنوبية الناقمة على القومية الكردية".

وأشار المفرجي إلى أنّ "التنافس سيبقى مستمراً في كركوك حتى إجراء الانتخابات، وبعد ذلك ستضطر الكتل لتكون تحت تحالف واحد. فالعبادي لا يستطيع اليوم استفزاز الحشد وإخراجه من كركوك، لأنّ هناك جمهوراً مشتركاً بينهما (العبادي والحشد)، وأي قرار بهذا الصدد سيكلفه الكثير في الانتخابات"، مؤكداً أنّ رئيس الحكومة "سيصعّد تجاه الكرد خلال هذه الفترة، لعدم وجود جماهير انتخابية مشتركة بينهما، ويتلافى أي قرار ضدّ الحشد حفاظاً على الجمهور المشترك، وهذا بحدّ ذاته بمثابة ضوء أخضر يمنح للحشد للتحرك وفرض إرادتها".

المساهمون