رسالة للحكومة اليمنية لمجلس الأمن ترفع الغطاء عن أبوظبي

رسالة من الحكومة اليمنية لمجلس الأمن ترفع الغطاء عن أبوظبي

23 مارس 2018
الحكومة: قوات أسسها التحالف "تعمل بالوكالة" (صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -
تكشف الرسالة التي بعثتها الحكومة اليمنية إلى مجلس الأمن الدولي عن مرحلة متقدمة وخطيرة في الأزمة مع التحالف العربي، الذي تقوده السعودية والإمارات، ومع أبوظبي على نحو خاص، إذ تضمنت تأكيداً وتثبيتاً أن القوات العسكرية والأمنية التي أسسها التحالف بواجهة إماراتية لا تتبع الحكومة اليمنية، على نحو يمكن وصفه بخطوة نحو رفع الشرعية اليمنية الغطاء عن ممارسات التحالف في جنوب وشرق البلاد على الأقل. 

وتتضمن الرسالة، التي كشفها مراسل قناة "الجزيرة" في مقر الأمم المتحدة، رائد الفقيه، ونشر صورة منها على حسابه الشخصي في "تويتر"، رداً على تقرير فريق الخبراء المعني بالعقوبات والمكلف من مجلس الأمن الدولي، والذي كان قد وصف قوات الحزام الأمني وقوات النخبة الحضرمية وقوات النخبة الشبوانية بأنها "تعمل بالوكالة" عن دول أعضاء في التحالف، بما يساهم في تقويض الحكومة الشرعية. 

وفي السياق، تؤكد رسالة الحكومة اليمنية ما ذهب إليه تقرير فريق الخبراء، وتضيف أن "تلك قوات تم إنشاؤها بطريقة جهوية مناطقية وعشائرية قبلية، ولا تخضع لسيطرة وتوجيهات المؤسسة الأمنية والعسكرية اليمنية الرسمية ولا تتبعها"، وتؤكد أن الوضع نفسه ينطبق على مسؤولي هذه الوحدات، والذين لا يعملون تحت قيادة المؤسسة العسكرية والأمنية اليمنية الرسمية. 

وفي اتهام خطير، يذهب أساساً إلى الإمارات، التي تشرف وتتبعها هذه القوات بشكل مباشر وغير مباشر، أكدت الرسالة أن "هذه القوات تعمل على عرقلة عمل المؤسسات الرسمية، وإحداث تمزق للمجتمع ونسيجه الاجتماعي". واعتبرت الحكومة اليمنية أن ما يقوم به مدير أمن عدن، القريب من أبوظبي، اللواء شلال علي شائع، يعد "تمرداً على توجيهات قيادة وزارة الداخلية الجهة المشرفة على الأجهزة المختلفة".

وقالت إنها تدرس الخيارات المناسبة لـ"محاسبة شائع ومعاقبته"، رداً على الانتهاكات التي تحدث عنها تقرير فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن. 

كذلك، أقرت الحكومة اليمنية في رسالتها بـ"وجود مواقع احتجاز (سجون) خارج القضاء، لا تخضع لسلطة المؤسسة الأمنية والقضائية اليمنية"، إشارة إلى تلك التي تخضع للإمارات أو القوات التابعة لها في جنوب اليمن.

وقالت الرسالة إن "الحكومة اليمنية تؤكد صوابية ما ذهب إليه التقرير من أن هذه القوات أصبحت عائقاً خطيراً أمام بسط سلطة الدولة، بل وأعمق من ذلك أنها تقود البلد إلى حالة من التشرذم والتفكك، واستحضار الصراعات المؤلمة في الفترة الماضية، لإدخال الجنوب في دوامة جديدة من الصراعات الدموية"، مضيفة أنه "ما لم تعد تلك القوات للانضواء تحت قيادة وسيطرة الحكومة الشرعية، فإنها لن تكفل تماسك الدولة، بل ستزيد اليمن تمزقاً وستبقى كما هي الآن، عامل توترٍ ومصدر إقلاق للسكينة والاستقرار". 

ونفت الرسالة أن يكون المسؤولون المشاركون في تأسيس ما سُمي بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، الذي يطالب بالانفصال وتدعمه الإمارات، منشقين، وقالت إنهم أقيلوا من الرئيس عبدربه منصور هادي بعد خروجهم عن سلطة الدولة، و"قيامهم بعمليات فساد مالي وإداري كبير يقتضي إحالتهم للقضاء والمحاسبة"، وأنهم أقدموا على تشكيل المجلس لـ"الهروب من محاكمتهم، ورفض عدد منهم الانصياع لأوامر وتوجيهات القيادة السياسية، سعياً لاستغلال قضية الجنوب نحو انفصاله". 

وأكدت الحكومة اليمنية في السياق أنها عملت على معالجات للقضية الجنوبية منذ بدء مرحلة الانتقالي السياسي في البلاد، عبر مخرجات الحوار الوطني تحت إشراف الأمم المتحدة، وتقديم كافة الضمانات للقضية الجنوبية وحق الجنوبيين "ضمن دولة أحادية تحافظ على وحدة وسيادة اليمن". 

وتعد الرسالة بمثابة وثيقة على درجة من الأهمية، تذهب إلى ما ذهب إليه فريق الخبراء الدوليين بشأن اليمن، بل وتتعدى ذلك لتزيد عليها اتهامات للتحالف.

وحاول "العربي الجديد" التواصل مع مسؤولين في الحكومة اليمنية للتعليق بنفي أو تأكيد ما ورد في الرسالة، إلا أنهم تحفظوا عن الرد. 

ومن شأن الرسالة أن تمثل خطوة نحو رفع غطاء الشرعية اليمنية عن ممارسات التحالف في البلاد، إذ تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الحكومة اليمنية باتت ترى في تصرفات التحالف بواجهة قيادة إماراتية في جنوبي البلاد، وصمت سعودي، عملاً يسعى لتمزيق البلاد وإشعال تمردات وحروب أهلية، خصوصاً مع احتواء الرسالة على إشارات إلى أن هذه القوات تسعى لإحياء صراعات داخل الجنوب، في إشارة على ما يبدو إلى ملف الذكرى الأليمة في تاريخ جنوب اليمن بالحرب الأهلية خلال العام 1986، والتي كان الانقسام فيها، في جزء منه على الأقل، مناطقياً. 

 من زاوية أخرى، تأتي الرسالة جنباً إلى جنب مع تصريحات وجهها مسؤولون في الحكومة الشرعية، لم تبتعد في مضمونها كثيراً عن الاتهامات الواردة في الرسالة، ومن ذلك تصريحات وزير النقل اليمني، صالح الجبواني، من محافظة شبوة، الشهر الماضي، والذي وجه اتهامات خطيرة للإمارات وللقوات التي تدعمها، ووصفها بأنها "أقرب إلى شركات أمنية تعمل بالأجر". 

وعلى الرغم من مرور أسابيع، لم تصدر الحكومة اليمنية بياناً تتبرأ فيه من تصريحات الوزير الجبواني، والذي أكد، منذ أيام، أنه لم يقدم الاستقالة. 

وتثير الرسالة تساؤلات عن طبيعة العلاقة بين السعودية والإمارات. فعلى الرغم من أن صمت الرياض عن ممارسات أبوظبي في جنوب البلاد يعتبره العديد من اليمنيين نوعاً من الرضى، إلا أن مواصلة مسؤولي الحكومة اليمنية، الذين يتواجد أغلبهم في الرياض، معارضتهم الشديدة لممارسات أبوظبي، إلى حد تقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي، تدين الإمارات، تبعث تساؤلات عما إذا كانت الرياض أعطت الضوء الأخضر للحكومة اليمنية لوضع حد لممارسات الإمارات في جنوب البلاد. 

يذكر أن رئيس الحكومة اليمنية، في يناير/كانون الثاني الماضي، قال إن القرار الأول في عدن يعود للإمارات، ومؤخراً خرج نائب رئيس الوزراء ووزير الخدمة المدنية المستقيل، عبدالعزيز جباري، من على شاشة الفضائية اليمنية (التلفزيون الرسمي)، ليؤكد أن هادي لا يستطيع العودة إلى بلاده، في اتهام غير مباشر لأبوظبي أو التحالف بمنع ذلك، قبل أن يستدعي الرئيس اليمني جباري ويشيد بجهوده، كما أكد أنه سيستمر في هيئته الاستشارية، عقب التصريحات، في إشارة إلى أنه راضٍ عنها وعما ورد فيها. 

وحاول هادي التخفيف من ذلك، من خلال الإشادة بالتحالف العربي ودوره، خلال اللقاء بجباري، أمس الخميس. 

في المحصلة، يبدو أن الشرعية اليمنية لم تعد كما كانت غطاءً لتدخل التحالف العسكري وممارساته في المحافظات اليمنية التي تُوصف بأنها محررة من جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، وتخضع لسيطرة أمنية وعسكرية للتحالف في الغالب، وللإمارات بوجه خاص.

ويبقى السؤال الأكبر، في ظل هذه المعطيات: "ما الذي تخبئه الفترة المقبلة، بعد وصول علاقة التحالف مع الحكومة اليمنية إلى ما وصلت إليه، وتعدى الأمر التصريحات في وسائل الإعلام، إلى وثائق في المؤسسات الدولية المعنية؟".