الاعتراف بقصف المفاعل السوري: رسائل إسرائيلية محتملة لأطراف عدة

الاعتراف بقصف المفاعل السوري: رسائل إسرائيلية محتملة لأطراف عدة

22 مارس 2018
استهداف المفاعل السوري يحمل رسالة غير مباشرة لروسيا(فرانس برس)
+ الخط -
تحاول إسرائيل توظيف تبنّيها المسؤولية عن تدمير المفاعل النووي السوري في العام 2007، لتحقيق مصالح استراتيجية عدة. فقد جاء الإعلان في أعقاب توافر مؤشرات على نية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، انسحاب بلاده من الاتفاق الذي توصّلت إليه إيران مع القوى العظمى بشأن مستقبل برنامجها النووي، وهو ما لا يستبعد أن يكون قراراً قد أبلغه لرئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وربما تراهن إسرائيل على أن يسهم تبنيها المسؤولية عن تدمير المفاعل السوري في لفت أنظار الأوروبيين إلى أن عدم الموافقة على إعادة فتح بنود الاتفاق النووي لتضمينه منع إنتاج الصواريخ البالستية، يمكن أن يدفع تل أبيب للاستناد إلى الخيار العسكري ضد المنشآت النووية، بما يفضي إلى المسّ بالمصالح الأوروبية.

لكن التهديدات الإسرائيلية المباشرة والمبطنة ضدّ المنشآت النووية الإيرانية لا تبدو جدية للغاية. فلم يعد سراً أنّ نتنياهو تراجع عن قرار اتخذه عام 2010 بتوجيه ضربة عسكرية لمنشآت إيران النووية، بسبب اعتراض قادة الجيش والاستخبارات على مثل هذه الخطوة. وقد كشف ذلك صراحة رئيس الموساد الأسبق مئير دغان قبل موته، إذ أشار إلى أنّه هو ورئيس أركان الجيش في ذلك الوقت، غابي أشكنازي، اعترضا على القرار، مما جعل نتنياهو يتراجع. فدغان وأشكنازي، اللذان لعبا دوراً رئيساً في اتخاذ قرار تدمير المنشأة النووية السورية، كانا يدركان أنّ تداعيات توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية بالغة الخطورة. وقادة الأمن الإسرائيلي يعون الفروق الكبيرة بين ظروف المنشآت الإيرانية وظروف المفاعل السوري، إذ بالإضافة إلى المسافة الطويلة جداً نسبياً، التي يتوجّب أن يقطعها الطيران الإسرائيلي في طريقه لاستهدافها، فقد شكك الجنرالات الإسرائيليون في قدرة سلاح جوّهم على تدمير المنشآت الإيرانية كونها تحت الأرض، بخلاف المفاعل السوري والمفاعل العراقي الذي دمّر عام 1981. كما أن هذه المنشآت متفرقة وتنتشر على مساحة واسعة من الجغرافيا الإيرانية. والأخطر من ذلك، أن دغان أكّد أنّ استهداف المنشآت الإيرانية كان سيعطل المشروع النووي الإيراني لسنتين أو ثلاث سنوات، على اعتبار أن الإيرانيين اكتسبوا الخبرات العلمية والتقنية اللازمة لتمكنهم من إطلاق مشروعهم النووي بعد ذلك.

إلى جانب ذلك، فقد جاهر قادة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بأن أي هجوما إسرائيليا على المنشآت الإيرانية سيقلّص الممانعة الدولية لمواصلة طهران مشروعها الذري، فضلاً عن أنّ قيادتي الموساد والجيش حذّرتا من أنه، بخلاف نظامي صدام حسين وبشار الأسد، فإن الإيرانيين قد يردون وبقوة على أي مسّ بمنشآتهم النووية من خلال "حزب الله".

ومن نافل القول أن الظروف التي أقنعت قادة الأمن الإسرائيلي في 2010 بالاعتراض على توجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية، باتت أكثر تعقيداً بكثير اليوم. فعلى الرغم من ادعاء بعض الوزراء الإسرائيليين بأن تبني المسؤولية عن قصف المفاعل السوري يأتي كرسالة تهديد لإيران لتأكيد عزم إسرائيل على منعها من امتلاك سلاح دمار شامل، فإن قادة تل أبيب يعون أن التزام القوى العظمى، باستثناء الولايات المتحدة، بالاتفاق النووي، ينزع الشرعية الدولية عن أي تحرك عسكري يمكن أن تقدم عليه تل أبيب أو واشنطن ضد طهران. ناهيك عن أنّ أيّ عمل عسكري ضد الإيرانيين سيجعل العالم يتفهم ردودهم على هذا العمل. في حين أن الهجوم الإسرائيلي سيمنح طهران المسوغ لوقف التزامها بالاتفاق مع القوى العظمى واستئناف أنشطتها النووية بشكل مكثّف، وصولاً إلى تطوير أسلحة ذرية.


ويعي الإسرائيليون، كذلك، أنّ القدرات العلمية والإمكانات التقنية التي راكمها الإيرانيون، قد تعاظمت منذ 2010، وبالتالي فإن منشآتهم النووية ستكون قادرة على استعادة فاعليتها بشكل كبير. إلى جانب ذلك، فإن توجيه ضربة للمنشآت الإيرانية يعني المخاطرة باندلاع مواجهة شاملة يشارك فيها "حزب الله"، الذي تؤكد التقديرات الإسرائيلية بأن قدراته الصاروخية تعاظمت بشكل كبير، لدرجة أن الجبهة الداخلية والعمق المدني الإسرائيلي غير جاهزين لتحمّل الإصابات الناجمة عن الحرب في مواجهة الحزب.

في الوقت ذاته، فإن بعض الرسائل التي حرص العسكريون الإسرائيليون على التشديد عليها من خلال مشاركتهم في التعليق على إعلان المسؤولية عن قصف المفاعل السوري، موجهة لأنظمة عربية تدعي تل أبيب الرهان على العلاقة معها، مثل السعودية. وقد كان لافتاً أن عاموس يادلين، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق أثناء ضرب المفاعل السوري، قد حرص على التشديد على أن إسرائيل ملتزمة بالعقيدة الأمنية التي أرساها رئيس الحكومة الأسبق مناحيم بيغن، والتي تقوم على عدم السماح لأية دولة عربية بتطوير أسلحة دمار شامل.

ويكتسب تعليق يادلين أهميّة كبيرة، لاسيما أنه يأتي بعد كشف قناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة عن أن "نتنياهو طالب ترامب في لقائهما الأخير في البيت الأبيض بعدم الموافقة على طلب السعودية تزويدها بمفاعلات نووية".

وقد حذّرت دراسة صدرت أخيراً عن "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي من خطورة تزويد السعودية بسلاح نوعي، خشية سقوط نظام الحكم الحالي ووقوع الرياض تحت سيطرة قوى تتبنى مواقف عدائية من إسرائيل.

إلى جانب ذلك، فإن تبنّي المسؤولية عن استهداف المفاعل السوري يحمل رسالة غير مباشرة لروسيا من أنّ عدم تحركها لمنع إيران من مراكمة النفوذ في سورية، يمكن أن يدفعها إلى المسّ بالقوات الإيرانية والمليشيات الشيعية الموجودة هناك، بشكل يمكن أن يفضي للمسّ بمصالح موسكو. فإسرائيل تعي أنّ مصلحة روسيا الرئيسة في سورية تتمثّل في الحفاظ على نظام بشار الأسد. وينطلق الإسرائيليون من افتراض مفاده أن استهداف إيران والمليشيات الشيعية يمكن أن يؤثر على موازين القوى في سورية بشكل قد يهدد استقرار نظام الأسد، وبالتالي تهديد المصالح الروسية.

لكن بخلاف التهديد باستهداف المنشآت النووية لطهران، فإن التهديد باستهداف القوات الإيرانية والمليشيات الطائفية الموالية لها في سورية لا يمكن النظر إليه فقط كمجرد رسالة إلى موسكو، حيث إنه من غير المستبعد أن تقدم تل أبيب على توجيه ضربة محدودة لأهداف إيرانية داخل سورية كاختبار لقوة ردعها، بعد التصعيد الأخير الذي انتهى بإسقاط طائرة إسرائيلية.