موسكو ترفض الضغوط الدولية... وتغطي اجتياح الغوطة

موسكو ترفض الضغوط الدولية... وتغطي اجتياح الغوطة

03 مارس 2018
تواصل قوات النظام استهداف مناطق في الغوطة (عمار صعب/الأناضول)
+ الخط -
صعّدت الدول الغربية من ضغوطها على روسيا للجم قوات النظام السوري، مؤكدة ضرورة "محاسبة" النظام السوري على المجازر التي يرتكبها في الغوطة الشرقية لدمشق. وطالبت بتطبيق فوري لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2401، وهو ما يعني رفضها لهدنة الساعات الخمس يومياً التي أعلنتها موسكو. لكن سرعان ما أتى رد روسيا، لتأكيد مواصلة حماية النظام السوري، مقدمة له الغطاء الشامل لمواصلة ارتكاب مزيد من المجازر، إذ أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أمس الجمعة، أن "العملية الشاملة في الغوطة الشرقية باتت ضرورية ولا مفر منها"، مؤكدة أن "روسيا لن تعيق السلطات السورية عن محاربة الإرهابيين"، في وقت سقط مزيد من القتلى والجرحى في غارات شنتها روسيا والنظام إلى جانب القصف المدفعي الذي استهدف مدن وبلدات الغوطة الشرقية. وجاء ذلك فيما كانت الأمم المتحدة لا تزال تنتظر السماح لها بإدخال مساعدات إلى الغوطة الشرقية، بالإضافة إلى إجلاء المرضى.


وأكدت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، والرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أمس الجمعة، أن "النظام السوري يجب أن يحاسب على التدهور المتواصل للوضع الإنساني في الغوطة الشرقية". وأضافا، بحسب بيان صادر عن المستشارية، أن "هذا ينطبق على استخدام نظام (بشار) الأسد أسلحة كيميائية، كما على الهجمات على المدنيين وتجميد المساعدة الإنسانية". ودعت ميركل وترامب موسكو إلى "وقف مشاركتها في عمليات القصف على الغوطة الشرقية وحض نظام بشار الأسد على وقف العمليات العسكرية ضد مناطق المدنيين". وتابع البيان "اتفق الاثنان على ضرورة التزام النظام السوري وحلفائه الروس والإيرانيين بالتطبيق الفوري والكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2401. هذا القرار يطالب بالوقف الفوري لإطلاق النار في سورية" لمدة 30 يوماً.

وهددت دول غربية، بينها واشنطن وباريس، في وقت سابق، بشن ضربات في حال توافر "أدلة دامغة" على استخدام السلاح الكيميائي. وفي السياق، شدد ترامب ونظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، على أنهما لن "يتسامحا" في حال ثبت استخدام أسلحة كيميائية. وذكر قصر الإليزيه، في بيان، أن ماكرون وترامب ناقشا، في اتصال هاتفي، الوضع في سورية وضرورة تطبيق قرار الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار لإنهاء الأعمال القتالية وإتاحة المجال لدخول المساعدات الإنسانية للغوطة الشرقية وإجلاء الجرحى. وقال البيان إن الزعيمين اتفقا على ضرورة أن تمارس روسيا "أقصى ضغط بشكل لا لبس فيه على النظام في دمشق" للالتزام بوقف إطلاق النار. وشدد ماكرون على أن فرنسا سترد بقوة إذا تبين أن أسلحة كيميائية أدت إلى قتل مدنيين في سورية و"ذلك بالتنسيق مع حلفائنا الأميركيين". وفي إطار الضغوط على النظام السوري، أعلن مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الأمير زيد بن الحسين، أن "ما نراه في الغوطة الشرقية ومناطق أخرى بسورية جرائم حرب على الأرجح، وربما جرائم ضد الإنسانية". وقال "يجب أن يعلم مرتكبو الجرائم في سورية أنه يجري تحديد هوياتهم، وأن ملفات تعد بهدف محاكمتهم"، مؤكداً أنه "يجب إحالة سورية إلى المحكمة الجنائية الدولية"، معتبراً أن "محاولات تعطيل العدالة وحماية المجرمين أمر مشين".

ووقف النظام المصري إلى جانب النظام السوري، محمّلاً "التنظيمات المتطرفة مسؤولية تأجيج الصراع". وقال مندوب مصر لدى الأمم المتحدة في جنيف، السفير علاء يوسف، خلال جلسة طارئة لمجلس حقوق الإنسان، لبحث الوضع في الغوطة الشرقية، "نود التأكيد على أهمية تكاتف المجتمع الدولي لمواجهة التنظيمات المتطرفة المصنفة دولياً، وفي مقدمها تنظيما داعش والنصرة والتنظيمات المنضوية تحت لوائهما، باعتبار أنها تؤجج الصراع وتزيد من حدة المعاناة الإنسانية التي يشهدها الشعب السوري منذ سنوات، وتعرقل جهود التسوية السياسية. كذلك نشدد على ضرورة وقف كافة أنواع الدعم الخارجي للجماعات المتطرفة". وأضاف "نحثّ المجتمع الدولي على العمل بكل جدية وحيادية من أجل تفعيل وقف الأعمال العدائية كأساس لاستعادة الاستقرار في سورية، والتنفيذ الشامل لقرار مجلس الأمن 2401".



وطلبت الولايات المتحدة، في مشروع قرار، من مجلس الأمن الدولي تشكيل لجنة جديدة للتحقيق في استخدام أسلحة كيميائية في سورية، بعد تقارير عن تعرض الغوطة الشرقية لهجمات بغاز الكلور. ويدعو مشروع القرار الأميركي إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية تحت اسم "آلية التحقيق الأممية المستقلة" (يونيمي) تكون مدة تفويضها سنة واحدة ومهمتها "تحديد المسؤولين عن شن هجمات بالسلاح الكيميائي في سورية". لكن دبلوماسياً في المنظمة الدولية أكد أنه من المستبعد كثيراً أن توافق روسيا على مشروع القرار الأميركي أو تسمح بتمريره، وهو ما تكشّف بإصدار السفارة الروسية في واشنطن بياناً حذرت فيه الإدارة الأميركية "من محاولة استخدام اتهامات لا صحة لها بشأن هجوم كيميائي قامت به دمشق، كذريعة لتبرير شن هجمات ضد أهداف للسلطات السورية". ونفت كوريا الشمالية أن تكون صدّرت مواد وتكنولوجيا قد تستخدم في البرامج الصاروخية والكيميائية العسكرية إلى سورية.

وعلى الرغم من تصاعد الضغوط على روسيا والنظام السوري لوقف المجازر في الغوطة الشرقية، إلا أن موسكو واصلت حماية حليفها. واعتبرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أمس، أن "العملية الشاملة في الغوطة الشرقية باتت ضرورية ولا مفر منها"، مؤكدة أن "روسيا لن تعيق السلطات السورية عن محاربة الإرهابيين". وقالت "قصف العاصمة السورية يستمر دورياً. هم يقتلون الأبرياء يومياً. هذه الاستفزازات من قبل التشكيلات المسلحة جعلت العملية الشاملة على الأرض لمكافحة الإرهاب ضرورية ولا مفر منها. وهي مدعومة من الجو من قبل سلاح الجو السوري والقوات الجوية الفضائية الروسية". وأشارت إلى أنه "قد تم بالفعل تحرير عدد من البلدات السكنية"، وإلى استمرار سعي بلادها لتطبيق القرار الأممي حول الهدنة السورية، لكنها "لن تمنع السلطات السورية عن مكافحة الإرهاب. لا يجب التعويل على أننا سنعيق السلطات السورية في مكافحتها للإرهابيين".

وعلى الأرض، سقط المزيد من القتلى والجرحى في قصف الطيران الروسي وقوات النظام لمدن وبلدات الغوطة الشرقية بريف دمشق، في اليوم السادس بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي 2401، وبعد أربعة أيام من الهدنة الجزئية التي أعلنت عنها روسيا من جانبها، وخرقتها مجدداً، أمس، من خلال شن طائراتها غارات على دوما وحرستا وغيرها من المناطق، مدعية أن فصائل الغوطة تعيق خروج المدنيين من المنطقة. وقال الناشط الإعلامي، بلال أبو صلاح، لـ"العربي الجديد"، إن الغارات الروسية على دوما أسفرت عن مقتل شخص وإصابة آخرين. كما قتل شخص وأصيب آخرون في غارات على زملكا. وأشار إلى أن الغارات الجوية طاولت أيضاً منطقة المرج وبلدتي الشيفونية وحزة، فيما سقط نحو 10 صواريخ أرض - أرض على الأحياء السكنية في حرستا.

وبالتوازي، تواصل قوات النظام محاولاتها للتوغل في الغوطة الشرقية من محاور مختلفة، وسط جدل في أوساط النظام ومع قاعدة حميميم الروسية بشأن أسباب إخفاق هذه المحاولات  والخسائر الكبيرة التي تكبدتها قوات النظام. وأعرب المتحدث باسم قاعدة حميميم العسكرية الروسية في سورية، ألكسندر إيفانوف، عن أسفه من تمكن "المسلحين في الغوطة الشرقية من استعادة النقاط التي كانت سيطرت عليها القوات الحكومية الأربعاء"، طالباً من "القوات الحكومية القيام بالمهام المنوطة بها بالشكل الأنسب للحفاظ على المناطق التي تتمكن من السيطرة عليها، فالسيطرة البرية ليست من مهام القوات الجوية الروسية". وفي إطار المساجلات بين الجانبين، قالت قاعدة حميميم إن قصف قوات النظام السوري، من جانب الطائرات الروسية، خطأ تتحمل مسؤوليته قوات النظام وليس الطيارين الروس. ونشرت صفحة القاعدة على "فيسبوك" بياناً حول الحادثة، التي وقعت أول من أمس، جاء فيه أن "استهداف القوات الحكومية في الغوطة الشرقية بالمقاتلات الروسية، لم يكن خطأ من طيارينا، إنما سببه سوء تنسيق ضباط القوات الحكومية، وعدم قدرتهم على تقدير الموقف بشكل صحيح، واتباعهم تكتيكات عشوائية جعلت المقاتلات الروسية تستهدفهم بشكل مباشر كأهداف معادية. نطلب من القوات الحكومية العمل على رفع كفاءتها التكتيكية والتنسيق مع الطيران الروسي بشكل دقيق". وأعربت مصادر عسكرية مقربة من فصائل المعارضة في الغوطة، لـ"العربي الجديد"، عن اعتقادها بوجود خلافات بين الجانبين الروسي والإيراني بشأن التكتيكات المتبعة في الغوطة، إذ تزج طهران قوات النظام في عمليات اقتحام غير مدروسة، كما دفعت بمليشيات تابعة لها للمشاركة في هذه الاقتحامات. وأعربت عن اعتقادها بأن القصف الروسي الأخير الذي استهدف هذه المليشيات لم يكن خطأ بل عملاً مقصوداً.

إلى ذلك، وفيما جدد ما يسمى بمركز المصالحة الروسي في سورية اتهامه لفصائل الغوطة بخرق الهدنة، وقصف معبر الوافدين الذي تقول روسيا إنه خصص لخروج من يرغب من المدنيين في الغوطة، وصفت واشنطن المقترح الروسي بشأن فتح ممرات إنسانية في الغوطة بأنه مجرد "مزحة"، بسبب خوف المدنيين من الخروج إلى مناطق سيطرة النظام السوري. وقالت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان، إن "الناس يخشون استخدام هذه الممرات خوفاً من تجنيدهم بشكل إجباري في قوات النظام، أو ألا يعودوا لديارهم أبداً أو يقتلوا". من جهتها، اعتبرت السفارة الروسية لدى واشنطن أن هدف الولايات المتحدة من وراء اتهام موسكو بانتهاك التزاماتها في سورية، هو "الإبقاء على جيب للمتطرفين في الغوطة الشرقية".

ولم يشهد "الممر الآمن"، التي أعلنت عنه روسيا في مخيم الوافدين في الغوطة الشرقية، خروج أي مدني حتى الآن. وتوقع المدير الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، خيرت كابالاري، في جنيف، دخول قافلة مساعدات أممية إلى الغوطة غداً، الأحد. وقال كابالاري، في مؤتمر صحافي في جنيف، إن "هناك مؤشرات على أن النظام السوري سيسمح بدخول قافلة المساعدات"، مشيراً إلى أن القافلة ستحمل مساعدات لنحو 180 ألف شخص محاصرين في الغوطة الشرقية، لكن لم يتم الاتفاق على دخول المساعدات لباقي المحاصرين، الذين يقدر عددهم بما يزيد على 350 ألف شخص. وأعلن المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ الصحية في منظمة الصحة العالمية، بيتر سلامة، أن قرابة 100 مريض في الغوطة الشرقية، بينهم أطفال، لهم الأولوية القصوى في الإجلاء الطبي من بين أكثر من ألف مريض ومصاب في المنطقة المحاصرة.