الجزائر: خلافات القيادات تطيح مشروع الوحدة بين أحزاب إسلامية

الجزائر: خلافات القيادات تطيح مشروع الوحدة بين أحزاب إسلامية

13 مارس 2018
الحسابات قد تتعلق بطموحات جاب الله الرئاسية(فاروق بطيش/فرانس برس)
+ الخط -
انهار مشروع تكتل سياسي إسلامي في الجزائر، كان من المقرر أن يضم ثلاثة أحزاب إسلامية، هي حركة النهضة وحركة البناء الوطني وجبهة العدالة والتنمية، بفعل تصاعد الخلافات بين هذه الأطراف حول التصورات والأفق السياسي والتنظيمي لهذا الاتحاد، والتباين الواضح في المواقف وتحليل الوضع القائم، إضافة إلى حسابات شخصية بدأت تطفو على سطح المشروع الوحدوي.

ودبّت خلافات سياسية حادة بين أقطاب ثلاثة أحزاب إسلامية كانت وقّعت، في يناير/كانون الثاني 2007، على ميثاق وحدة واندماج في حزب واحد. وتتوجه هذه الخلافات بالمشروع الوحدوي إلى نسفه، بسبب التباين في المواقف وحرب الزعامة على "الاتحاد من أجل النهضة والتنمية والبناء". وقال الأمين العام لحركة النهضة، محمد دويبي، إن "المشكل الراهن في موضوع الاتحاد نابع أساساً من غياب تصور واضح لتنفيذ هذه الوحدة السياسية، إذ أننا أعلنا عن الاتحاد بين النهضة والبناء والعدالة والتنمية، قبل أن نضع تصوراً وخطة واضحة للمشروع". وتوجه بانتقادات إلى قيادات وكوادر جبهة العدالة والتنمية، التي يقودها الشيخ جاب الله، بشأن محاولتهم الهيمنة على المشروع السياسي للوحدة بين الأحزاب الثلاثة، والتسبب في تعطيل المشروع. وقال "الذين عطلوا الاتحاد هم أصحاب الشكل الجاهز الساعين لفرض تصورهم السياسي والتنظيمي"، مضيفاً أن الخلافات بدأت مبكراً منذ الانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو/أيار 2017، إذ كانت الخطابات السياسية والانتخابية بين المرشحين، تحت قوائم الاتحاد، متباينة، في غياب وثيقة سياسية مشتركة، ثم ضعف الدعم والمساندة السياسية لمرشحي الاتحاد في الحملة الانتخابية البلدية التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، خصوصاً من قبل رئيس جبهة العدالة والتنمية، عبدالله جاب الله، معتبراً أن "الأسوأ من هذا أن بعض مناضلي حزبه، جبهة العدالة والتنمية، ترشحوا مع أحزاب أخرى".

وفي سبتمبر/أيلول 2016، اتفقت قيادات حركة النهضة، وجبهة العدالة والبناء، التي يقودها الشيخ عبد الله جاب الله، وهو أحد الزعامات السياسية للإسلاميين في الجزائر والمؤسس التاريخي لحركة النهضة نفسها، وحركة البناء، التي انشقت في 2012 عن جبهة التغيير التي انشقت بدورها في عام 2008 عن حركة مجتمع السلم، كبرى الأحزاب الإسلامية في الجزائر، على ميثاق وحدة سياسية. وفي يناير 2017، أعلن عن مشروع اندماج سياسي وتنظيمي في حزب سياسي واحد بين القوى السياسية الثلاث، في مقابل مشروع وحدة سياسية واندماجية بين حزبين إسلاميين آخرين، هما حركة مجتمع السلم وجبهة التغيير.

وبخلاف مشروع الوحدة السياسية بين حركة مجتمع السلم وجبهة التغيير، الذي انتهى إلى النجاح بعد تنفيذ كافة الخطوات التنظيمية والقانونية، وعودة كوادر وقيادات جبهة التغيير بشكل كامل إلى الحركة الأم، بعد تسع سنوات من الانشقاق عنها، بفعل التقارب في المنهج والرؤى والتصورات السياسية، واعتبار أن إعادة الاندماج هي عملية ترميم وتصحيح للانشقاق الذي حصل في 2008، فإن مشروع الوحدة السياسية، بين حركة النهضة وحركة البناء الوطني وجبهة العدالة والتنمية، كان مرشحاً، بحسب المراقبين، لأن يتعرض لإخفاق سياسي وتنظيمي منذ إطلاقه، بفعل الفوارق السياسية الكبيرة بين أطرافه، وبعض الحساسيات السياسية التي تعود إلى محطات سابقة، جرى فيها انقلاب قيادات من حركة النهضة على رئيسها عبد الله جاب الله، الذي أسس لاحقاً حركة الإصلاح ثم جبهة العدالة والتنمية، وبين جاب الله وقيادات حركة البناء المنشقين عن حزب إخوان الجزائر، حركة مجتمع السلم. وقد ظهرت هذه الحساسيات باكراً، إذ أطلق القيادي في حركة البناء الوطني، أحمد الدان، تصريحات، منتصف عام 2017، أعلن فيها أن الشيخ جاب الله تعهّد باعتزال العمل السياسي والتفرغ للعمل الفكري، والتنحي لصالح الكوادر الشابة في مشروع الاتحاد الإسلامي، لكن قيادات في حزب جاب الله كذبت هذه التصريحات. كما أن الانتخابات البرلمانية، التي جرت في مايو 2017، كشفت عن خلافات بين الأطراف الثلاثة بشأن الترشيحات، خصوصاً في قائمة العاصمة الجزائرية، ما حدا بكوادر من حركة النهضة للانسحاب من قائمة الاتحاد الإسلامي.

وأقر القيادي في حركة النهضة، محمد حديبي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، بأن مسببات الفشل كانت أكثر حضوراً في مشروع التكتل الإسلامي من مسببات النجاح، بينها أن حب الزعامة لدى القيادات الإسلامية يبقى من أكبر المعوقات التي عرقلت تطور مشروع الوحدة السياسية. وقال "المسؤول عن فشل الوحدة هو الأنانية المفرطة لرؤوس ثلاث قيادات تنظيمية. القواعد آمنت بمشروع ووحدة التيار الإسلامي، وتألمت لحالة الانشقاق التي حدثت في فترة سابقة، لكن بعض القيادات كانت ترى فيه مشروع مكاسب انتخابية وحزبية ليس إلا". وأضاف "هناك من كان حلمه أن تلتئم هذه الأحزاب الثلاثة كي ينصّب زعيماً عليها، وهناك من يعتقد أن نجاح الوحدة السياسية سيحيله على الهامش السياسي فعمل على إجهاض المشروع، فيما كان طرف ثالث يعتبره مجرد مناورة سياسية داخل أدبيات منتهية الصلاحية، لذلك تم دفنه منذ البداية". ورفض حديبي، الذي كان من مهندسي الاتحاد، الكشف حالياً عما يصفه بالمستور المخفي، لكنه تساءل "كيف يعقل أن يوقع القادة على ميثاق الوحدة الاندماجية، ويتملصون منه في صمت؟".

وأعرب المحلل السياسي، أحسن خلاص، عن اعتقاده أن مشروع الوحدة بين الأقطاب السياسية الثلاثة كان مجرد تحالف سياسي. وقال "لم يتعلق الأمر بوحدة، إنما هو تحالف لم يصمد أمام المتغيرات السياسية، منها نتائج الانتخابات وعروض السلطة للمشاركة في الحكومة. فقد لاحظنا تبايناً واضحاً في المواقف بين العدالة والتنمية والبناء في مسألة المشاركة في الحكومة، إذ ظهر أن حركة البناء لديها رغبة بالمشاركة في مقابل رفض صارم من جبهة العدالة، بينما أبقت النهضة على موقف غامض. إذاً ما تربطه المرجعية الفكرية تفسخه السياسة بمتغيراتها، إضافة إلى أن التكتل أقيم على أساس حسابات سياسية، فحركة البناء ارتبطت بالنهضة والعدالة لأنها لا تريد العودة إلى الحزب الأم، حركة مجتمع السلم التي هي جزء منها تاريخياً، ولا تريد البقاء وحدها. أما جبهة العدالة والتنمية وحركة النهضة، وكانا حزباً واحداً قبل عام 1999، فلم يفلحا في مضاهاة اندماج حركة مجتمع السلم وجبهة التغيير". واعتبر خلاص أن الحسابات السياسية قد تتعلق أيضاً في الأفق "بالطموحات الشخصية لعبد الله جاب الله للترشح للرئاسيات المقررة في ربيع 2019".

وإضافة إلى مأزق الزعامة الذي تعاني منه الأحزاب الإسلامية، والخلافات والحسابات السياسية والحساسيات التاريخية، يعتقد مراقبون أن النتائج المتواضعة التي حققتها قوائم الأحزاب الإسلامية الثلاث، المجتمعة تحت قوائم الاتحاد الإسلامي، في الانتخابات البرلمانية في مايو 2017 ثم الانتخابات البلدية في نوفمبر 2017، ساهمت بشكل كبير في طرح أجواء من الرغبة في العزوف عن المشروع الوحدوي. وأشار رئيس قسم الشؤون السياسية والأمنية في صحيفة "الخبر"، محمد شراق، إلى أن "نتائج الانتخابات لم تحقق التطلعات المأمولة للأحزاب الثلاثة، وظهر أن الوعاء الانتخابي لم يستفد من الوحدة". ولفت إلى أن الإسلاميين في الجزائر، أو جزءا منهم على الأقل، ما زال يحاول التكيف مع الوقائع السياسية الراهنة، التي سيطرت فيها السلطة على كامل المشهد، لكنه عاد إلى مناقشة المبادئ والأساسات السياسية الأولى، عبر مشاريع التكتل والوحدة، فيما تتغير معطيات المشهد الداخلي والوضع السياسي بشكل متسارع، وهو ما يبرر بوضوح تقلص حجم تأثير التيار الإسلامي وضعف مكانته وافتقاده إلى القدرة على المبادرة، برغم وجود محاولات جدية لتجديد طروحات وأدوات عمل التيار الإسلامي.